ثم الفرق بينهما ذكروه من الصورتين وبين العموم، أن الاستثناء إذا اتصل بالكلام صار جزءا من الكلام؛ لأنه/ لا يستعمل بنفسه في الإفادة، فيجب تعليقه بما تقدم عليه، فإذا علقناه به صار جزءا من الكلام، فتصير الجملة شيئا واحدا مفيدا فائدة ما عدا ذلك المستثنى؛ لأن القاعدة العربية: أن ما لا يستقل من الكلام بنفسه كالاستثناء، والشرط، والغاية، والصفة، والتمييز، والحال، ونحوها، إذا اتصل بما يستقل بنفسه، صار ما هو مستقل بنفسه غير مستقل بنفسه، وصار المجموع كلاما واحدا، وعلى هذه القاعدة مسائل كثيرة من الفقهيات، والأصول، واللغة، وهذا بخلا: ضربت كل من في الدار، لم أضرب كل من في الدار؛ لأنه يتناول كل واحد من الكلامين مستقلا بنفسه، فلا حاجة به إلى تعليقه بما تقدم عليه، وإذا لم يعلق به أفاد الأول ضرب جميع من في الدار، وأفاد الآخر نفي ذلك، فكان نقضا وتناقضا وإبطالا لجملة الكلام، فكان هذرا من القول وعبثا لا يليق بالعقلاء.
وأما الصورة الثانية التي ذكروها، فنطالبهم بالجامع، ثم إن سلمنا فرقا بأن الاستثناء إخراج جزء من كل، فإذا قال: ضربت زيدا، ضربت عمرا إلا زيدا، فقد أخرج جملة منصوص عليه، مدلول عليه بالمطابقة، فهو استثناء كل (من كل) نحو قوله: له عندي عشرة إلا عشرة، وذلك باطل اتفاقا، بخلاف قوله: رأيت الرجال إلا زيدا، فإنه لم يخرج جملة منطوق به، بل بعضه، وذلك حسن لغة.