ولا ناطقًا بما لا يحتاجه لعدم يقين الإبطال، فلذلك حسن الشرط، وإن أبطل جملة الكلام بل كله، بخلاف الاستثناء.
المسألة الثامنة:
اتفقوا على جواز تأخير النطق بالشرط وتعجيل النطق بلفظه، واختلفوا في أي ذلك أولى؟ فقال الفراء: تأخير النطق به أولى؛ لأن الشرط لا يستقل بنفسه، فأشبه الحال والتمييز والمفاعيل؛ لأن الكل فضلة في الكلام، وهذه الأمور كلها الأحسن تأخيرها، فكذلك الشرط يكون- أيضًا- كالغاية والصفة، وهذه المواطن حصل فيها الاتفاق.
ويرد عليه أن الفرق بين الشرط وغيره: أن الشرط سبب متضمن للحكمة والمصلحة بخلاف هذه الأمور، لأن النحاة يقولون: الشرط له صدر الكلام وإن تأخر في النطق، وأن جوابه لا يتقدم عليه، وأنا إذا قلنا: أنت حر (إن دخلت الدار، فقولنا: حر) سد مسد الجواب عندهم، وليس بجواب في الحقيقة؛ لأن جواب الشرط لا يتقدم عليه، بل وضعه أن يكون متأخرًا، وبالغوا في ذلك فقالوا: المفعول إذا تقدم مفعول متقدم، ولم يقولوا في جواب الشرط: جواب متقدم، مع أن كليهما على خلاف الأصل، بل قالوا: سد مسد الجواب، ولم يقولوا: جواب متقدم، فقد سامحوا في المفعول ما لم يسامحوا في جواب الشرط، وذلك يدل على أن الشرط يقتضي هذه الرتبة اقتضاء قويًا أشد من اقتضائه تأخير المفعول عن الفاعل وعن الفعل وهذا كله يؤكد قول القائل بالتقديم.