فلو كان الاستثناء من النفي إثباتًا، لزم ترك العمل (بالدليل) في هذه الصورة، لكن الأصل ألا يترك الدليل، فلا يكون الاستثناء من النفي إثباتًا، وهو المطلوب، وإذا ثبت الحكم في أحد هذه المسائل من النفي أو الإثبات، لزم الثبوت في بقيتها؛ لأنه لا قائل بالفرق.
والجواب عن الأول: أن معتمد اللغات السبق إلى الفهم، فكل شيء سبق إلى الفهم يكون هو مسمى اللفظ، وإن كان الاستدلال من حيث المناسبة يقتضي غير ذلك، فلا عبرة بالمناسبة مع سبق الفهم، ألا ترى أن أسماء الأجناس لما كان الذي يسبق إلى الفهم منها هو القدر المشترك ومطلق الحقيقة، لم يمكن أن يجعل للعموم؛ لأن العموم أكثر فائدة وأنسب من المطلق. وكذلك أسماء الأنواع كلفظ الإنسان والفرس، لما كان الذي يسبق إلى الفهم منها الأنواع، لم يمكن جعلها أسماء الأجناس بالمناسبة؛ لأن الجنس أكثر أفرادًا، وأعم فائدة، وكذلك كلما سبق إلى الفهم لا يعرج على ما سواه، بل يقدم السبق إلى الفهم على غيره وإن كان مناسبًا، فكذلك ها هنا/ الذي يسبق إلى الفهم هو ما ذكرناه، دون ما ذكرتموه، فلا نرجع لما ذكرتموه لمجرد المناسبة.
وعلى الثاني: أن الآية (لا) حجة لكم فيها، فإنها أفادت فائدة زائدة على عدم السجود، فإن العرب قد فرقت بين قولنا: لم يسجد، وبين قولنا: لم يكن من الساجدين. فالصيغة الأولى يقتصر (فيها) على مجرد السلب.