والصيغة الثانية تقتضي السلب وصفًا آخر وهو أن شأنه أن لا يفعل ذلك بجبلته وسجيته، وكذلك قوله تعالى:{ما كان لكم أن تنبتوا شجرها}، أي ليس وسعكم ولا شأنكم ذلك، والاستثناء إنما كان يفيد مجرد السلب، أما هذه الزيادة، فالآية أفادت هذه الزيادة، فلم يكن تكرارًا.
وعن الثالث: أن معنى قول العلماء: أن الاستثناء من النفي إثبات، يجب أن يكون مخصوصًا بما عدا الشروط، فإن الاستثناء يرد على الأحكام، نحو: قام القوم إلا زيدًا، وعلى الأسباب، نحو: لا عقوبة إلا بجناية، وعلى الموانع، نحو قولنا: لا تسقط الصلاة عن المرأة إلا بالحيض، وعلى الشروط نحو: لا صلاة إلا بطهور.
ولما كان الشرط: يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، كان قول العلماء: الاستثناء من النفي إثباتًا، خاصًا بما عدا الشروط، فنحن إنما ندعي ذلك في غير الشروط، فلا ترد الشروط علينا نقضًا؛ لأنهالم تندرج فيما ادعيناه، ولا يلزم من قضائنا بالنفي قبل "إلا" على المشروط لعدم شرطه، القضاء بعد "إلا" بوجود المشروط، لأجل شرطه؛ لأن الشرط لا يلزم من وجوده شيء ألبتة، فعلم أن هذا السؤال ساقط عنا؛ لأنه ليس من الباب الذي ادعيناه ألبتة، فتأمل ذلك، وتحقق أن قول العلماء: الاستثناء من النفي إثبات، ليس على عمومه، بل يجب أن يكون مرادهم فيما عدا الشروط، كما تقدم تقريره.