من رجل الذي نصرا على أن العموم لا يحصل فيه، ونظائره كثيرة في الكتاب والسنة، مما يستدل به الفقهاء والفضلاء، فيلزم تغليطهم في ذلك كله، ويلزم أيضا بطلان أدلة العموم كلها، فإنها جارية في هذه النكرات التي نصوا على أنها لا تعم، فإذا قلنا: ما جاءني رجل، يصح استثناء أي رجل عنينا، وتقرر طريقة الاستدلال بالاستثناء إلى آخرها، وكذلك طريقة المبادرة للفهم، فإنها لا تفهم إلا العموم، وطريقة مدح الجاري في هذه النكرات على موجب الأمر، وطريقة ذم من لم يجر عليه في هذه النكرات.
وهذه الطرائق الأربعة التي هي: ذم التارك، وترك الاعتراض على الفاعل، والسبق إلى الفهم، وصحة الاستثناء، هي معظم ما يستدل به الأصوليون على أن اللفظ للعموم، ويطرد معها بقية الوجوه التي تجرى مجراها.
وإذا وجدت أدلة العموم بدون العموم كان ذلك نقضا عليها، وانخرمت الثقة بها، وأي ضابط يعدل ذلك في مواضع صحتها دون سقمها، وأي موطن يصح الاستدلال بها فيه دون غيره، فيسقط الباب كله من أيدينا، وهو فساد عظيم، لاسيما وباب الخصوص والعموم من أعظم أبواب الشريعة، وأعظم أصولها فهذا سؤال صعب.