ولو قال: أنت طالق ثلاثًا، ونوى أنها منطلقة من الحمام أو منزله، أو من القيد ثلاثًا، قبل قوله في الفتيا دون القضاء، إلا أن يكون هناك قرائن تصدقه، فيقبل فيهما، ويسقط عنه الطلقات الثلاث بجملتها.
ويتجه هنا سؤال: وهو: أن النية قد قلتم بقصورها عن إسقاط واحدة من الثلاث، وها هنا أسقطتم بها الثلاث بجملتها، وهذا في غاية الإشكال.
وجوابه: أن هذه النية لم يعتبرها أولًا ولا آخرًا في لفظ الثلاث ألبتة، ولم يسقط من العدد شيئًا أصلًا، بل معنى الطلاق جنس في نفسه، يقبل التحويل من باب إلى باب، فحولناه بالنية من باب الانطلاق من العصمة إلى باب الانطلاق من الحمام، فالمحمول هو مفهوم الطلاق، وهو اسم جنس، لا عدد، وقد تقدم أن أسماء الأجناس تقبل المجاز، إنما الامتناع في أسماء الأعداد، ونفينا الثلاث- وهو مفهوم العدد- على حالها، لم ينقص منها شيئًا، بل كانت ثابتة في جنس، وهو إزالة قيد العصمة، صارت بسبب النية ثابتة في جنس آخر، وهو إزالة التقييد بالحمام أو غيره، فالنية لم تعتبر في العدد ألبتة، بل في المعدود خاصة، فتأمل ذلك!
والإشكال وجوابه حسنان من طرق الفقه، وبهما يظهر لك أن أسماء الأعداد/ تقبل المجاز ولا التخصيص الذي هو نوع خاص من المجاز، وأن الظواهر كلها تقبل المجاز، والعموم ظاهر في الاستغراق، فيقبل المجاز ويقبل التخصيص، وهو المطلوب.