فإن النية لا مدخل لها في اعتقاد السامع ألبتة؛ لأنها أمر باطني لا يطلع عليه.
فإن قلت: كيف يصح أن تقول أنت والإمام: أن النية مخصصة، مع أن الحكم ما وقع في العام المخصوص عامًا فقط، وإنما وقع خاصًا، وإذا كان العموم لم يحصل ألبتة، كيف يحصل التخصيص، فإنه فرع التعميم، وانتفاء الأصل موجب لانتفاء الفرع، فلا تكون النية مخصصة أصلًا.
قلت: جعلنا النية مخصصة ليس باعتبار أن العموم حصل في نفس الأمر والنية رفعته، ولو كان كذلك، لكان ذلك نسخًا، بل معنى كونها مخصصة أن مقتضى التعميم وجد، والنية أخرجت منه- باعتبار ما يقتضيه الوضع- بعض أفراده، لا أنها أخرجت بعض ما قصده المتكلم أو بعض ما يثبت في نفس الأمر، (بل بعض ما وجد مقتضي ثبوته، لا وجوده في نفسه)، فقد صرفت لفظ العموم عن أن يثبت بسببه عموم الحكم، ولذلك يسمى الدليل المخصص مخصصًا، وإن كان مقارنًا مانعًا من حصول اعتقاد السامع العموم، لكنه لما وجد مقتضى اعتقاده للعموم وكان ذلك الدليل مانعًا من حصول ذلك الاعتقاد مع وجود موجبه، كان ذلك مخصصًا بالإرادة والدليل (الدال السامع على) تلك الإرادة سواء في ذلك.