فإن قلت: لم لا يجوز أن يقال: لفظ العموم وحده حقيقة في الاستغراق، مع القرينة المخصصة حقيقة في الخصوص.
قلت: فتح هذا الباب يقتضي ألا يكون في الدنيا مجاز أصلًا؛ لأنه لا لفظ ألا ويمكن أن يقال: إنه وحده حقيقة في كذا، ومع القرينة حقيقة في المعنى الذي جعل مجازًا فيه، والكلام في أن العام المخصوص بقرينة مستقلة بنفسها، هل هو مجاز أم لا؟ فرع على ثبوت أصل المجاز.
فأما إن كانت القرينة لا تستقل بنفسها نحو الاستثناء، والشرط، والصفة كقول القائل: جاءني بنو أسد الطوال، فها هنا لا يصير مجازًا، والدليل عليه أن لفظ العموم حال انضمام الشرط أو الاستثناء أو الصفة إليه، لا يفيد البعض؛ لأنه لو أفاده ما بقي شيء يفيده الشرط والصفة والاستثناء، فإذا لم يفد البعض استحال أن يقال: إنه مجاز في إفادة البعض، بل المجموع حاصل من لفظ العموم، ولفظ الشرط، أو الصفة، أو الاستثناء، دليل على ذلك البعض، وإفادة ذلك المجموع لذلك البعض حقيقة.
قلت: قد تقدم بيان أن العام في الأشخاص مطلق في الأحوال والأزمنة والبقاع والمتعلقات، وإذا استحضرت ذلك استحضارًا جيدًا، علمت أن إلحاق الصفة للعموم مقيدة لتلك الحال، لا مخصصة، وكذلك الغاية والشرط، وأما الاستثناء فإن إخراج بعض الأفراد في جميع الأحوال كقولنا: أكرم القوم إلا زيدًا فلا تكرمه في حالة ألبتة، كان مخصصًا متصلًا، إن جعلنا التخصيص جنسًا والاستثناء نوعه، وإن جعلناه مباينًا بالكلية- كما تقدم تحريره في حد التخصيص- امتنع أن يكون مخصصًا ومعدودًا من المخصصات، لا المتصلة