المسلك الثاني للقاضي: قال القاضي: لا يبعد أن يدعي المجتهد اليقين، وإن لم يدع الإحاطة بجميع المدارك، إذ (يقول): لو كان الحكم خاصا لنصب الله سبحانه وتعالى دليلا للمكلفين ويبلغهم إياه ولا يخفيه عليهم.
قال الغزالي: وهذا أيضا من الطراز الأول، فإنه لو اجتمعت الأمة على شيء أمكن القطع بأنه لا دليل يخالفه، إذ يستحيل اجتماعهم على الخطأ. (١٣٩/ ب)
أما في مسألة الخلاف، كيف يتصور ذلك؟ قال الغزالي: والمختار عندنا، إن (تيقن) الانتفاء إلى هذا الحد لا يشترط، وأن المبادرة قبل البحث لا تجوز، بل عليه تحصيل علم أو ظن باستيفاء القطع، أما الظن فبانتفاء الدليل في نفسه، وأما القطع، فبانتفائه في حقه بتحققه عجز نفسه عن الوصول إليه، بل بعد بذل (غاية) وسعه، فيأتي بالبحث الممكن إلى (حد) يعلم أنه بحثه بعد ذلك سعي ضائع، ويحس في نفسه بالعجز يقينا، فيكون العجز عن العثور على الدليل في حقه يقينا، وانتفاء الدليل في نفسه مظنونا، وهو الظن بالصحابة -رضوان الله عليهم- في المخابرة ونظائرها، وكذلك الواجب في القياس والاستصحاب، وكل ما هو مشروط بنفي دليل آخر.