الزور، وأين الكذب من قتل النفس في المفسدة؟ فاختلاف الأسباب يوجب اختلاف الأحكام، فلا يحمل المطلق على القيد، بل يبقى المطلق على إطلاقه.
أما مع اتحاد السبب كالشهادة، فإن موجب اشتراط العدالة هو ضبط الحقوق وصونها عن الضياع بقول الفساق، وهذا معنى عام في جميع الصور. فلا جرم عم التقييد جميع الصور، فهذا فرق عظيم بين صورة النزاع وصورة الشهادة، فلا تلحق أحدهما بالآخر.
احتجت الحنفية على بطلان التقييد مطلقًا: بأن النص دل على التمكن من الإتيان بأي فرد شاء المكلف، وهذه المكنة ثابتة بالنص، وما هو ثابت بالنص لا يبطل بالقياس؛ لأن النص مقدم على القياس، ويلزم النسخ النص بالقياس، وهو باطل.
وأجاب الشافعية: بأن هذه المكنة عقلية، لا ثابتة بالنص، حتى يلزم رفعه بالقياس، والثابت بالنص إنما هو إيجاب المشترك، والقياس قيد هذا المدلول، وزاد عليه القيد، ولم يبطله، فبطل ما ذكرتموه.
ونقضوا عليهم أصلهم، بأنهم اشترطوا في الرقبة السلامة من العيوب. وهذا قيد زادوه على المطلق، وإذا جوزوا ذلك في السلامة من العيوب، ولم يكن إبطالًا ولا نسخًا، فليفعلوا ذلك في التقييد بالإيمان، إذا دل (القياس عليه)؛ ولأن قوله:(اعتق رقبة)، لا يزيد في الدلالة على قوله باللفظ العام:(اعتق الرقاب)، وإذا جاز التخصيص بالقياس- مع مخالفته لصريح