للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أَوْ فِسْقًا أَوْ رِقًّا) أَيْ الزَّوْجَانِ أَيْ كَانَا فَاسِقَيْنِ أَوْ رَقِيقَيْنِ (لَا) إنْ (كَفَرَا) مَعًا فَلَا يَلْتَعِنَانِ إلَّا أَنْ يَتَرَافَعَا إلَيْنَا رَاضِيَيْنِ بِحُكْمِنَا فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَاعَنَ الْكِتَابِيَّةَ

وَلَمَّا كَانَتْ أَسْبَابُ اللِّعَانِ ثَلَاثَةً، وَثَالِثُهَا وَهُوَ الْقَذْفُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ أَشَارَ لِأَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ: (إنْ قَذَفَهَا بِزِنًا) فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ تَصْرِيحًا لَا تَعْرِيضًا وَرَفَعَتْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَقِّهَا، وَإِلَّا فَلَا لِعَانَ (فِي) زَمَنِ (نِكَاحِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَذَفَ أَيْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَذْفُهَا فِي نِكَاحِهِ أَيْ وَتَابِعُ النِّكَاحِ مِنْ الْعِدَّةِ كَالنِّكَاحِ وَسَوَاءٌ كَانَ حُصُولُ الزِّنَا مِنْهَا فِي نِكَاحِهِ أَوْ قَبْلَهُ كَمَا لَوْ قَالَ رَأَيْتُك تَزْنِي قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك كَذَا قِيلَ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الزِّنَا فِي نِكَاحِهِ أَيْضًا كَمَا فِي النَّقْلِ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَذَفَهَا قَبْلَ نِكَاحِهَا أَوْ فِيهِ بِزِنًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ الْعِدَّةِ (حُدَّ) وَلَا لِعَانَ، وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَةً لَهُ الْآنَ

وَوَصَفَ الزِّنَا بِقَوْلِهِ (تَيَقَّنَهُ) أَيْ جَزَمَ بِهِ (أَعْمَى) بِجَسٍّ بِفَتْحِ الْجِيمِ أَوْ حِسٍّ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَوْ بِإِخْبَارٍ يُفِيدُ ذَلِكَ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ (وَرَآهُ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْأَعْمَى، وَهُوَ الْبَصِيرُ بِأَنْ رَأَى الْمِرْوَدَ فِي الْمُكْحُلَةِ فَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى ظَنٍّ وَلَا شَكٍّ وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ تَحَقُّقَ الْبَصِيرِ كَافٍ كَالْأَعْمَى لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ (وَانْتَفَى بِهِ) أَيْ بِلِعَانِ التَّيَقُّنِ بِرُؤْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (مَا) أَيْ الْوَلَدُ الَّذِي وُلِدَ كَامِلًا (لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ) فَأَكْثَرَ مِنْ يَوْمِ الرُّؤْيَةِ

ــ

[حاشية الدسوقي]

إذَا كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا بَلْ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا أَيْ هَذَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْفَاسِدُ مُخْتَلَفًا فِيهِ بَلْ، وَلَوْ كَانَ مَجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ كَمَا إذَا عَقَدَ عَلَى أُخْتِهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنَّهَا أُخْتُهُ، وَادَّعَى نَفْيَ حَمْلِهَا مِنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ لِعَانِهِمَا إذَا رَفَعَتْ أَمْرَهَا لِلْقَاضِي، وَحَكَمَ بِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ فِسْقًا إلَخْ) أَيْ هَذَا إذَا كَانُوا صُلَحَاءَ أَحْرَارًا بَلْ وَلَوْ كَانُوا أَرِقَّاءَ أَوْ فُسَقَاءَ كَالْمَحْدُودِينَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْفُسَقَاءَ وَالْأَرِقَّاءَ لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: ٦] فَجَعَلَهُمْ شُهَدَاءَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَالشَّاهِدُ لَا يَكُونُ فَاسِقًا وَلَا رَقِيقًا، وَأُجِيبُ بِأَنَّ إلَّا لَيْسَتْ اسْتِثْنَائِيَّةً حَتَّى يَكُونَ مَا بَعْدَهَا مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهَا بَلْ هِيَ اسْمٌ بِمَعْنَى غَيْرِ صِفَةٌ لِشُهَدَاءَ وَالْمَعْنَى وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ فِيهِ غَيْرُ قَوْلِهِمْ (قَوْلُهُ: رَاضِينَ بِحُكْمِنَا) أَيْ وَهُوَ ثُبُوتُ اللِّعَانِ فَإِنْ نَكَلَتْ رُجِمَتْ عِنْدَ عِيسَى وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّمَا قَالَ: بِالرَّجْمِ لِوُجُودِ الْإِحْصَانِ لِصِحَّةِ نِكَاحِهِمْ عِنْدَهُ وَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ: يَلْزَمُهَا الْجَلْدُ لِفَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ، وَأَمَّا إنْ نَكَلَ حُدَّ حَدَّ الْقَذْفِ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: لَاعَنَ الْكِتَابِيَّةَ) أَيْ وُجُوبًا لِنَفْيِ الْحَمْلِ أَوْ الْوَلَدِ وَجَوَازًا لِلرُّؤْيَةِ، فَإِنْ نَكَلَ أُدِّبَ، وَإِنْ نَكَلَتْ هِيَ لَمْ تُحَدَّ بَلْ تُؤَدَّبُ، وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَإِيجَابُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا نَكَلَتْ؛ لِأَنَّهَا أَيْمَانُ كَافِرٍ وَهِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الشَّهَادَةِ وَلَا شَهَادَةَ لِكَافِرٍ

[أَسْبَاب اللِّعَان]

(قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَتْ أَسْبَابُ اللِّعَانِ ثَلَاثَةً) أَشَارَ لِأَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ: إنْ قَذَفَهَا بِزِنًا وَلِثَانِيهَا بِقَوْلِهِ: وَبِنَفْيِ حَمْلٍ وَلِثَالِثِهَا بِقَوْلِهِ: وَفِي حَدِّهِ بِمُجَرَّدِ الْقَذْفِ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَوْ رَفَعَتْهُ) أَيْ لِلْقَاضِي، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ شُرُوطِ اللِّعَانِ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَيْ؛ لِأَنَّ قَذْفَهُ لَهَا مِنْ حَقِّهَا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا لِعَانَ) أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ تَعْرِيضًا لَا تَصْرِيحًا أَوْ كَانَ تَصْرِيحًا، وَلَمْ تَرْفَعْهُ فَلَا لِعَانَ أَيْ وَيُؤَدَّبُ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَذْفُ تَعْرِيضًا عَلَى الرَّاجِحِ فَإِنْ تَلَاعَنَ الزَّوْجَانِ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ لِلْقَاضِي، وَحُكْمِهِ بِهِ لَمْ يَكُنْ لِعَانًا شَرْعِيًّا كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ (قَوْلُهُ وَسَوَاءٌ كَانَ حُصُولُ الزِّنَا) أَيْ الَّذِي قَذَفَهَا بِهِ (قَوْلُهُ: كَذَا قِيلَ) قَائِلُهُ السَّخَاوِيُّ فِي شَرْحِ الشَّامِلِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي النَّقْلِ) أَيْ وَعَلَيْهِ فَيُجْعَلُ قَوْلُهُ: فِي زَمَنِ نِكَاحِهَا رَاجِعًا لِكُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ: إنْ قَذَفَهَا، وَلِقَوْلِهِ: بِزِنًا أَيْ إنْ قَذَفَهَا فِي زَمَنِ نِكَاحِهِ بِزِنًا وَاقِعٍ فِيهِ

(قَوْلُهُ وَوَصَفَ الزِّنَا بِقَوْلِهِ: تَيَقَّنَهُ إلَخْ) أَيْ فَالْمَعْنَى إنْ قَذَفَهَا بِزِنًا مُتَيَقَّنٍ لِأَعْمَى وَمَرْئِيٍّ لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَرَآهُ غَيْرُهُ) أَيْ رَأَى الْفِعْلَ الدَّالَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الزِّنَا مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي، وَهُوَ إدْخَالُ الذَّكَرِ فِي الْفَرْجِ، وَاَلَّذِي يُرَى فَرْجُهُ دَاخِلًا فِي فَرْجِهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ دَعْوَى الرُّؤْيَةِ أَنْ يَصِفَ كَالشُّهُودِ بَلْ يَكْفِي اعْتِمَادُهُ عَلَى تَعْيِينِهِ بِالرُّؤْيَةِ وَإِنْ لَمْ يَصِفْهَا كَالْبَيِّنَةِ كَذَا فِي خش وَقِيلَ لَا يُلَاعِنُ إلَّا إذَا وَصَفَ الرُّؤْيَةَ بِأَنْ يَقُولَ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الطَّرِيقَتَيْنِ، وَصَدَّرَ بِالِاشْتِرَاطِ وَعَبَّرَ عَنْهُ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِالْمَشْهُورِ ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالرُّؤْيَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْحَقِيقِيَّةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا لَا الْعِلْمُ إذْ الْعِلْمُ بِدُونِ رُؤْيَةٍ سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ فِي قَوْلِهِ الْآتِي وَفِي حَدِّهِ بِمُجَرَّدِ الْقَذْفِ أَوْ لِعَانِهِ خِلَافٌ.

(قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّ تَحَقُّقَ الْبَصِيرِ) أَيْ وَلَوْ بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ كَالْجَسِّ وَالْحِسِّ وَإِخْبَارِ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ: لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ) أَيْ وَنِسْبَةُ خش وعبق هَذَا الْقَوْلَ لِلْمُدَوَّنَةِ لَا تُسَلَّمُ اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ: وَانْتَفَى إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ إذَا لَاعَنَهَا بِسَبَبِ الرُّؤْيَةِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ الْعِلْمِ بِالزِّنَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ كَامِلٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ يَوْمِ الرُّؤْيَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْوَلَدَ يَنْتَفِي عَنْهُ بِذَلِكَ اللِّعَانِ، وَتُعَدُّ غَيْرَ بَرِيئَةِ الرَّحِمِ يَوْمَ اللِّعَانِ بَلْ رَحِمُهَا مَشْغُولٌ بِالزِّنَا، وَأَمَّا إنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَحِقَ بِهِ، وَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ إلَّا بِلِعَانٍ ثَانٍ؛ لِأَنَّ لِعَانَهُ إنَّمَا كَانَ لِرُؤْيَةِ الزِّنَا لَا لِنَفْيِ الْوَلَدِ، وَرَحِمُهَا يَوْمَ اللِّعَانِ كَانَ مَشْغُولًا مِنْ الزَّوْجِ، وَمَحَلُّ انْتِفَاءِ مَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ اللِّعَانِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الرُّؤْيَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ وَقْتَ الرُّؤْيَةِ، وَإِلَّا كَانَ لَاحِقًا بِهِ مِثْلُ مَا وَلَدَتْهُ لِدُونِ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ، وَمَا فِي حُكْمِهَا (قَوْلُهُ: أَيْ بِلِعَانِ التَّيَقُّنِ بِرُؤْيَةٍ) هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْبَصِيرِ وَقَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهَا أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَعْمَى عَلَى مَا مَرَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>