أَبْرَأَهُ مِمَّا عِنْدَهُ بَرِئَ مِنْهُمَا عِنْدَ الْمَازِرِيِّ وَمِنْ الْأَمَانَةِ فَقَطْ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ.
(دَرْسٌ) (فَصْلٌ) وَفِي نُسْخَةٍ (بَابٌ) فِي الِاسْتِلْحَاقِ، وَهُوَ ادِّعَاءُ رَجُلٍ أَنَّهُ أَبٌ لِهَذَا فَيَخْرُجُ هَذَا أَبِي، أَوْ أَبُو فُلَانٍ وَلِذَا قَالَ (إنَّمَا يَسْتَلْحِقُ الْأَبُ) وَلَدًا (مَجْهُولَ النَّسَبِ) وَلَوْ كَذَّبَتْهُ أُمُّهُ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلُحُوقِ النَّسَبِ لَا مَقْطُوعَهُ كَوَلَدِ الزِّنَا الْمَعْلُومِ أَنَّهُ مِنْ زِنًا وَلَا مَعْلُومَهُ وَحُدَّ مَنْ ادَّعَاهُ حَدَّ الْقَذْفِ (إنْ لَمْ يُكَذِّبْهُ الْعَقْلُ لِصِغَرِهِ) أَيْ الْأَبِ (أَوْ الْعَادَةُ) كَاسْتِلْحَاقِهِ مَنْ وُلِدَ بِبَلَدٍ بَعِيدٍ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهُ (وَلَمْ يَكُنْ) الْمَجْهُولُ (رِقًّا لِمُكَذِّبِهِ) أَيْ لِمَنْ كَذَّبَ الْأَبَ فِي اسْتِلْحَاقِهِ (أَوْ مَوْلًى) أَيْ عَتِيقًا لِمَنْ كَذَّبَهُ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى إخْرَاجِ الرَّقَبَةِ مِنْ رِقِّ مَالِكِهَا، أَوْ عَلَى إزَالَةِ الْوَلَاءِ عَمَّنْ أَعْتَقَهُ وَمَنْطُوقُهُ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ مَا إذَا صَدَّقَهُ السَّيِّدُ وَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ رَقِيقًا وَلَا مَوْلًى
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ بَرِئَ) أَيْ بِقَوْلِهِ أَبْرَأْتُك مِمَّا مَعَك وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ مِنْ الدَّيْنِ، وَالْأَمَانَاتِ (قَوْلُهُ عِنْدَ الْمَازِرِيِّ) أَيْ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَهُوَ عُرْفُ مِصْرَ الْآنَ فَعَلَيَّ مِثْلُ عِنْدَ فِي عُرْفِ أَهْلِهَا.
[فَصْلٌ فِي الِاسْتِلْحَاقِ]
(فَصْلٌ فِي الِاسْتِلْحَاقِ) (قَوْلُهُ، وَهُوَ ادِّعَاءُ رَجُلٍ أَنَا أَبٌ لِهَذَا) هَذَا قَيْدٌ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ لَا يَكُونُ أَبًا لِنَفْسِهِ إنْ قُلْت إنَّ الِاسْتِلْحَاقَ طَلَبُ لُحُوقِ شَيْءٍ، وَالِادِّعَاءُ إخْبَارٌ بِقَوْلٍ يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِهِ مَعَ أَنَّ الْإِخْبَارَ مُقَابِلٌ لِلطَّلَبِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ أَصْلُ الِاسْتِلْحَاقِ فِي اللُّغَةِ، ثُمَّ غُلِّبَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ إنَّمَا يَسْتَلْحِقُ الْأَبُ) أَيْ لَا الْأُمُّ اتِّفَاقًا، وَالْمُرَادُ الْأَبُ دِنْيَةً فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِلْحَاقُ مِنْ الْجَدِّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ أَشْهَبُ يَسْتَلْحِقُ الْجَدُّ وَتَأَوَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى مَا إذَا قَالَ أَبُو هَذَا وَلَدِي لَا إنْ قَالَ هَذَا ابْنُ وَلَدِي فَلَا يُصَدَّقُ وَسَيَأْتِي نَحْوُ هَذَا لِلشَّارِحِ فِي الْإِقْرَارِ بِوَارِثٍ غَيْرِ وَلَدٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الشَّخْصَيْنِ وَهَذَا أَنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِي إلْحَاقِ وَلَدٍ بِفِرَاشِهِ لَا فِي إلْحَاقِهِ بِفِرَاشِ غَيْرِهِ وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ إنَّمَا حَصَرَ الِاسْتِلْحَاقَ فِي مَجْهُولِ النَّسَبِ وَلَمْ يَحْصُرْ الِاسْتِلْحَاقَ فِي الْأَبِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ لَهُ أَنْ يَسْتَلْحِقَ غَيْرَ مَجْهُولِ النَّسَبِ، وَهُوَ فَاسِدٌ إذْ لَا يَصِحُّ الِاسْتِلْحَاقُ إلَّا مِنْ الْأَبِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَحْصُرَ الِاسْتِلْحَاقَ فِي الْأَبِ بِحَيْثُ يَقُولُ إنَّمَا يَسْتَلْحِقُ مَجْهُولَ النَّسَبِ الْأَبُ فَيُؤَخِّرُ الْأَبَ؛ لِأَنَّ الْمَحْصُورَ فِيهِ بِإِنَّمَا يَجِبُ تَأْخِيرُهُ وَأُجِيبَ بِجَعْلِ الْمُؤَخَّرِ مَعْمُولًا لِمُقَدَّرٍ مَعْطُوفٍ عَلَى يَسْتَلْحِقُ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَصْرُ لِعَطْفِهِ عَلَى مَدْخُولِ أَدَاةِ الْحَصْرِ أَيْ إنَّمَا يَسْتَلْحِقُ الْأَبُ وَيُسْتَلْحَقُ وَلَدٌ مَجْهُولُ النَّسَبِ، أَوْ مَعْمُولًا لِمُقَدَّرٍ مُسْتَأْنَفٍ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ إنَّمَا يَسْتَلْحِقُ الْأَبُ كَأَنَّهُ قِيلَ وَمَنْ الَّذِي يَسْتَلْحِقُهُ فَقَالَ مَجْهُولُ النَّسَبِ أَيْ يَسْتَلْحِقُ مَجْهُولُ النَّسَبِ، أَوْ يُقَالُ إنَّ الْغَالِبَ فِي إنَّمَا الْحَصْرُ فِي الْمُتَأَخِّرِ فَقَطْ وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي إنَّمَا يَجِبُ الْقَسْمُ لِلزَّوْجَاتِ فِي الْمَبِيتِ فَكَذَلِكَ هُنَا الْحَصْرُ فِي الْفَاعِلِ، وَالْمَفْعُولِ مَعًا لِتَأَخُّرِهِمَا عَنْ الْفِعْلِ (قَوْلُهُ مَجْهُولُ النَّسَبِ) أَيْ مَجْهُولُ الِانْتِسَابِ لِأَبٍ مُعَيَّنٍ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ اللَّقِيطُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِوَجْهٍ كَمَجَاعَةٍ، أَوْ لِكَوْنِهِ لَا يَعِيشُ لَهُ أَوْلَادٌ فَيَطْرَحُهُ لِأَجْلِ أَنْ يَعِيشَ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَذَّبَتْهُ أُمُّهُ) وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُعْلَمَ تَقَدُّمُ مِلْكِ أُمِّ هَذَا الْوَلَدِ، أَوْ نِكَاحِهَا لِهَذَا الْمُسْتَلْحَقِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ سَحْنُونٌ يَشْتَرِطُ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُمْ اكْتَفَوْا فِي هَذَا الْبَابِ بِالْإِمْكَانِ فَقَطْ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلُحُوقِ النَّسَبِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِ الْمُقِرِّ اُنْظُرْ ح (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُكَذِّبْهُ الْعَقْلُ) هَذَا شَرْطٌ أَوَّلُ لِصِحَّةِ الِاسْتِلْحَاقِ وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ رِقًّا إلَخْ شَرْطٌ ثَانٍ وَمَنْطُوقُهُ صُورَتَانِ وَمَفْهُومُهُ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ رِقًّا، أَوْ مَوْلَى لِمُكَذِّبِهِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ تَارَةً يَحْصُلُ اسْتِلْحَاقٌ غَيْرُ تَامٍّ وَتَارَةً لَا يَحْصُلُ أَصْلًا، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ لَكِنَّهُ إلَخْ (قَوْلُهُ لِصِغَرِهِ) أَيْ لِصِغَرِ الْأَبِ الْمُسْتَلْحِقِ مَعَ كَوْنِ الْوَلَدِ الْمُسْتَلْحَقِ بِالْفَتْحِ كَبِيرًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُحِيلُهُ الْعَقْلُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقَدُّمِ الْمَعْلُولِ عَلَى عِلَّتِهِ (قَوْلُهُ كَاسْتِلْحَاقِهِ مِنْ وَلَدٍ بِبَلَدٍ بَعِيدٍ إلَخْ) أَيْ وَكَاسْتِلْحَاقِ مَنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ نِكَاحٌ وَلَا تَسَرٍّ أَصْلًا فَإِنَّ الْعَادَةَ لَا الْعَقْلُ تُحِيلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْوَلَدِ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ ذَكَرٍ وَأُنْثَى عَادِيٌّ لَا عَقْلِيٌّ وَلِذَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} [الأنعام: ١٠١] إنْ هَذِهِ حُجَّةٌ عُرْفِيَّةٌ لَا عَقْلِيَّةٌ (قَوْلُهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهُ) فَإِنْ شَكَّ فِي دُخُولِهِ فَمُقْتَضَى ابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَمُقْتَضَى الْبَرَادِعِيِّ صِحَّةُ اسْتِلْحَاقَةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى إخْرَاجِ الرَّقَبَةِ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ الْمِسْنَاوِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اللُّحُوقِ خُرُوجُ الرَّقَبَةِ مِنْ الرَّقَبَةِ إذْ قَدْ يَتَزَوَّجُ الْحُرُّ أَمَةً وَيُوَلِّدُهَا فَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِأَبِيهِ وَرَقِيقٌ لِسَيِّدِ أُمِّهِ وَلِذَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الظَّاهِرُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ قَوْلُ أَشْهَبَ بِاللُّحُوقِ، بَلْ وَقَعَ مِثْلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى فَكَأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ فِي قَوْلِهِ الْمَشْهُورِ، وَهُوَ عَدَمُ اللُّحُوقِ رَأَى أَنَّ السَّيِّدَ قَدْ تَلْحَقُهُ مَضَرَّةٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَوْ ثَبَتَ اللُّحُوقُ إذْ قَدْ يَعْتِقُ هَذَا الْعَبْدُ وَيَمُوتُ عَنْ مَالٍ فَتُقَدَّمُ عَصَبَةُ نَسَبِهِ عَلَى سَيِّدِهِ فَلِتِلْكَ الْمُضِرَّةِ قِيلَ بِعَدَمِ اللُّحُوقِ اهـ.
بْن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute