للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(إنْ عُلِمَ قَدْرُهُمَا) أَيْ الْمَالُ وَالْجُزْءُ كَرُبُعٍ أَوْ نِصْفٍ وَاشْتُرِطَ عِلْمُ قَدْرِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِهِ كَمَا لَوْ دَفَعَ لَهُ مَالًا غَيْرَ مَعْلُومِ الْعَدَدِ وَالْوَزْنِ يُؤَدِّي إلَى الْجَهْلِ بِالرِّبْحِ وَيَجُوزُ بِالنَّقْدِ الْمَوْصُوفِ بِمَا تَقَدَّمَ.

(وَلَوْ) كَانَ (مَغْشُوشًا) فَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي مُقَدَّرٍ لَا مِنْ تَمَامِ التَّعْرِيفِ وَذَكَرَ مَفْهُومَ مُسْلَمٍ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ الدَّيْنُ وَالرَّهْنُ الْوَدِيعَةُ وَبَدَأَ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ بِقَوْلِهِ (لَا بِدَيْنٍ) لِرَبِّ الْمَالِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى أَنَّهُ أَخَّرَهُ بِهِ لِيَزِيدَهُ فِيهِ.

(وَ) إنْ وَقَعَ بِدَيْنٍ (اسْتَمَرَّ) دَيْنًا عَلَى الْعَامِلِ يَضْمَنُهُ لِرَبِّهِ وَلِلْعَامِلِ الرِّبْحُ وَعَلَيْهِ الْخُسْرُ (مَا) أَيْ مُدَّةُ كَوْنِهِ (لَمْ يَقْبِضْ أَوْ) لَمْ (يُحْضِرْهُ) لِرَبِّهِ (وَيُشْهَدْ) أَيْ مَعَ الْإِشْهَادِ بِعَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَإِنْ أَقْبَضَهُ لِرَبِّهِ أَوْ أَحْضَرَهُ مَعَ الْإِشْهَادِ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْمَدِينِ وَأَنَّ ذِمَّتَهُ قَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ثُمَّ دَفَعَهُ لَهُ قِرَاضًا صَحَّ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ

(وَلَا) يَجُوزُ (بِرَهْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَلَوْ) كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا (بِيَدِهِ) أَيْ بِيَدِ الْعَامِلِ لِشَبَهِهِمَا بِالدَّيْنِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ أَنْفَقَهَا فَصَارَتْ عَلَيْهِ دَيْنًا، وَالْمَنْعُ إذَا كَانَ كَلٌّ فِي غَيْرِ يَدِ الْمُرْتَهَنِ وَالْمُودَعِ بِالْفَتْحِ بِأَنْ كَانَ بِيَدِ أَمِينٍ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ انْتَفَعَ بِتَخْلِيصِ الْعَامِلِ الرَّهْنَ أَوْ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْأَمِينِ، وَهُوَ زِيَادَةٌ مَمْنُوعَةٌ فِي الْقِرَاضِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُحَقَّقٌ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ كُلٌّ بِيَدِ الْمُرْتَهَنِ أَوْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ فَيُتَوَهَّمُ فِيهِ الْجَوَازُ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى تَخْلِيصٍ يَنْتَفِعُ بِهِ رَبُّ الْمَالِ.

وَعِلَّةُ خَوْفِ الْإِنْفَاقِ أَمْرٌ مُتَوَهَّمٌ مَعَ أَنَّ الْمَشْهُورَ الْمَنْعُ فَلِذَا بَالَغَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ بِيَدِهِ فَالْمُبَالَغَةُ صَحِيحَةٌ، ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ الْمَنْعِ إذَا لَمْ يَقْبِضْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ لَمْ يَحْضُرْهُ مَعَ الْإِشْهَادِ وَإِلَّا جَازَ بِالْأَوْلَى مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمَنْعِ، وَهُوَ وَاضِحٌ بَلْ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ إنَّ إحْضَارَ الْوَدِيعَةِ وَلَوْ بِغَيْرِ إشْهَادٍ كَافٍ؛ لِأَنَّهَا مَحْضُ أَمَانَةٍ ثُمَّ إنْ وَقَعَ عَمَلٌ فِي الْوَدِيعَةِ فَالرِّبْحُ لِرَبِّهَا وَعَلَيْهِ الْخُسْرُ كَمَا فِي النَّقْلِ وَمَا مَرَّ فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ أَنَّ الْمُودِعَ إذَا اتَّجَرَ فِي الْوَدِيعَةِ فَالرِّبْحُ لَهُ فَذَلِكَ فِيمَا إذَا تَجَرَ فِيهَا بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا وَمَا هُنَا قَدْ أُذِنَ لَهُ فِي الْعَمَلِ فِيهَا فَكَانَ الرِّبْحُ لِرَبِّهَا وَالْخُسْرُ عَلَيْهِ وَالرَّهْنُ كَالْوَدِيعَةِ، وَذَكَرَ مَفْهُومَ مَضْرُوبٍ بِقَوْلِهِ.

(وَ) لَا يَجُوزُ (بِتِبْرٍ) وَنِقَارٍ وَحُلِيٍّ (لَمْ يُتَعَامَلْ بِهِ) أَيْ التِّبْرِ أَوْ النِّقَارُ أَيْ الْقِطَعُ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ (بِبَلَدِهِ) أَيْ بَلَدِ الْقِرَاضِ أَوْ الْعَمَلِ فِيهِ فَإِنْ تُعُومِلَ بِهِ بِبَلَدِهِ جَازَ أَيْ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَسْكُوكٌ يُتَعَامَلُ بِهِ أَيْضًا فَفِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ ثُمَّ إنْ وَقَعَ

ــ

[حاشية الدسوقي]

كَلَكَ عَشَرَةٌ إنْ كَانَ الرِّبْحُ مِائَةً فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَشَرَةِ (قَوْلُهُ إنْ عَلِمَ قَدْرَهُمَا) أَيْ وَقْتَ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ يُؤَدِّي إلَى الْجَهْلِ بِالرِّبْحِ) إنْ أَرَادَ الْجَهْلَ بِمِقْدَارِهِ فَهَذَا لَازِمٌ لِكُلِّ قِرَاضٍ وَلَا يَضُرُّ، وَإِنْ أَرَادَ الْجَهْلَ بِالْجُزْءِ الْمَجْعُولِ لِلْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ مِنْ نِصْفٍ أَوْ رُبْعِ مَثَلًا فَلَا يُسَلَّمُ.

فَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِأَنَّ فِيهِ خُرُوجًا عَنْ سُنَّةِ الْقِرَاضِ الَّذِي هُوَ رُخْصَةٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اُسْتُثْنِيَ لِلضَّرُورَةِ مِنْ الْإِجَارَةِ بِمَجْهُولٍ وَمِنْ السَّلَفِ بِمَنْفَعَةٍ (قَوْلُهُ الْمَوْصُوفُ بِمَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ مَضْرُوبًا مُتَعَامَلًا بِهِ (قَوْلُهُ مِنْ تَمَامِ التَّعْرِيفِ إلَخْ) صِفَةٌ لِمُقَدَّرٍ أَيْ مُبَالَغَةً فِي مُقَدَّرٍ مُسْتَقِلٍّ لَا مِنْ تَمَامِ التَّعْرِيفِ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَخْذُ الْحُكْمِ فِي التَّعْرِيفِ، وَهُوَ دَوْرٌ، وَرَدَّ الْمُصَنِّفُ بِلَوْ قَوْلَ عَبْدِ الْوَهَّابِ بِالْمَنْعِ كَذَا فِي بْن وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ) أَيْ فِي الْمَنْعِ لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِ، وَأَمَّا الرَّهْنُ الْوَدِيعَةُ فَالْمَنْعُ فِيهِمَا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَى الدَّيْنِ (قَوْلُهُ وَاسْتَمَرَّ إلَخْ) مُسْتَأْنَفٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا جَوَابًا عَمَّا يُقَالُ قَدْ قُلْت إنَّ الْقِرَاضَ بِالدَّيْنِ لَا يَصِحُّ فَمَا حُكْمُهُ إذَا وَقَعَ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ وَاسْتَمَرَّ إلَخْ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَقْبِضْ أَوْ يُحْضِرْهُ) إنْ قُلْت الْمَحَلُّ لِلْوَاوِ لَا لِأَوْ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ مُقَيَّدٌ بِانْتِفَاءِ الْأَمْرَيْنِ مَعًا فَإِذَا انْتَفَى الْقَبْضُ وَالْإِحْضَارُ مَعَ الْإِشْهَادِ فَلَا يَجُوزُ وَإِذَا حَصَلَ أَحَدُهُمَا فَالْجَوَازُ، وَالْجَوَابُ أَنَّ أَوْ بَعْدَ النَّفْيِ لِنَفْيِ الْأَحَدِ الدَّائِرِ، وَهُوَ صَادِقٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ انْتِفَائِهِمَا مَعًا حَتَّى يَتَحَقَّقَ انْتِفَاؤُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤] (وَقَوْلُهُ أَوْ أَحْضَرَهُ) أَيْ فِي يَدِهِ لِرَبِّهِ (قَوْلُهُ مَعَ الْإِشْهَادِ) أَيْ لِرَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلَا يَكْفِي إشْهَادُ وَاحِدٍ وَيَمِينٌ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ هُنَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ عِنْدَ التَّنَازُعِ وَلَا نِزَاعَ هُنَا إنَّمَا هُوَ إشْهَادٌ عَلَى شَيْءٍ حَاضِرٍ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ دَفَعَهُ لَهُ قِرَاضًا) أَيْ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى، وَهِيَ مَا إذَا أَقْبَضَهُ لِرَبِّهِ أَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ مَا إذَا أَحْضَرَهُ لِرَبِّهِ (قَوْلُهُ صَحَّ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لِمُجَرَّدِ الْقَبْضِ يَصِحُّ الْقِرَاضُ وَلَوْ أَعَادَهُ لَهُ بِالْقُرْبِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَالْمَغْصُوبُ يَكْفِي فِي صِحَّةِ عَمَلِ الْغَاصِبِ فِيهِ قِرَاضًا إحْضَارُهُ لِرَبِّهِ كَالْوَدِيعَةِ

[أَحْكَام الْقِرَاض]

(قَوْلُهُ وَلَوْ بِيَدِهِ) أَيْ هَذَا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ بِيَدِ أَمِينٍ أَمَّا فِي الرَّهْنِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْوَدِيعَةِ فَبِأَنْ أَوْدَعَهَا الْمُودِعُ لِعَوْرَةٍ حَدَثَتْ فِي مَنْزِلِهِ بَلْ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْعَامِلِ أَيْ عِنْدَهُ وَفِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ الْمَشْهُورَ الْمَنْعُ) أَيْ لِلْعِلَّةِ الَّتِي عَلَّلَ بِهَا ابْنُ الْقَاسِمِ (قَوْلُهُ فَلِذَا بَالَغَ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ مَعَ مَنْعِ الْقِرَاضِ بِالرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ إذَا كَانَا بِيَدِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ إشْهَادٍ كَافٍ) قَالَ بْن، وَهُوَ الصَّوَابُ وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِأَنَّهَا مَحْضُ أَمَانَةٍ أَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ كَالْوَدِيعَةِ فَلَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ الْإِحْضَارِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ الْإِشْهَادِ (قَوْلُهُ وَالرَّهْنُ كَالْوَدِيعَةِ) أَيْ فَإِذَا وَقَعَ الْقِرَاضُ بِالرَّهْنِ فَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ وَالْخُسْرُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ إلَّا أُجْرَةُ مِثْلِهِ (قَوْلُهُ أَيْ بَلَدُ الْقِرَاضِ) أَيْ بَلَدُ الْعَقْدِ وَقَوْلُهُ أَوْ الْعَمَلُ فِيهِ أَيْ أَوْ بَلَدُ الْعَمَلِ فِي الْقِرَاضِ، وَأَوْ لِتَنْوِيعِ الْخِلَافِ فَالْأَوَّلُ تَقْرِيرُ الشَّارِحِ بَهْرَامَ وَالثَّانِي لِلْمَوَّاقِ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَسْكُوكٌ يُتَعَامَلُ بِهِ أَيْضًا) أَيْ.

وَأَمَّا إذَا وُجِدَ مَسْكُوكٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>