(وَإِنْ اخْتَلَفَا) بَعْدَ الْقَضَاءِ أَوْ عِنْدَهُ (فِي مَقْبُوضٍ) بِيَدِ صَاحِبِ دَيْنَيْنِ ثَابِتَيْنِ أَحَدُهُمَا بِرَهْنٍ وَالْآخَرُ بِلَا رَهْنٍ (فَقَالَ الرَّاهِنُ عَنْ دَيْنِ الرَّهْنِ) لِيَأْخُذَهُ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ عَنْ الْآخَرِ (وَزَّعَ) ذَلِكَ الْمَقْبُوضَ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِهِمَا (بَعْدَ حَلِفِهِمَا) وَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهِمَا وَيُقْضَى لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ، وَسَوَاءٌ حَلَّ الدَّيْنَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ لَا (كَالْحَمَالَةِ) تَشْبِيهٌ فِي التَّوْزِيعِ بَعْدَ حَلِفِهِمَا وَهُوَ يَحْتَمِلُ صُورَتَيْنِ: الْأُولَى مَدِينٌ بِمِائَتَيْنِ إحْدَاهُمَا عَلَيْهِ أَصَالَةً وَالثَّانِيَةُ بِحَمَالَةٍ، الثَّانِيَةُ عَلَيْهِ مِائَتَانِ أَصَالَةً ضَمِنَهُ فِي إحْدَاهُمَا شَخْصٌ فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى ادَّعَى الْقَابِضُ أَنَّ الْمَقْبُوضَ مِائَةُ الْحَمَالَةِ، وَقَالَ الدَّافِعُ بَلْ الْأَصَالَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ ادَّعَى أَنَّ الْمَقْبُوضَةَ هِيَ الَّتِي بِغَيْرِ الْحَمَالَةِ، وَقَالَ الدَّافِعُ بَلْ هِيَ الَّتِي بِالْحَمَالَةِ وُزِّعَ الْمَقْبُوضُ عَلَيْهِمَا بَعْدَ حَلِفِهِمَا كُلٌّ عَلَى نَفْيِ دَعْوَى صَاحِبِهِ وَتَحْقِيقِ دَعْوَاهُ.
[دَرْسٌ] {بَابٌ} فِي أَحْكَامِ الْفَلَسِ
(لِلْغَرِيمِ) رَبِّ الدَّيْنِ وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا وَيُطْلَقُ الْغَرِيمُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَفَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَوْ مَفْعُولٍ وَيَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ (مَنْعُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ) وَلَوْ مُؤَجَّلًا (بِمَالِهِ) بِأَنْ زَادَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ وَقِيلَ
ــ
[حاشية الدسوقي]
هَلْ، وَهُوَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ، وَقَوْلَهُ يَوْمَ التَّلَفِ مُرْتَبِطٌ بِمَحْذُوفٍ، وَأَصْلُ الْكَلَامِ وَهَلْ إنْ تَلِفَ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ إلَخْ وَحِينَئِذٍ فَلَا زِيَادَةَ فِي الْكَلَامِ أَصْلًا.
(قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مَقْبُوضٍ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِزَيْدٍ عِشْرُونَ دِينَارًا عَلَى عَمْرٍو فَرَهَنَهُ عَمْرٌو عَلَى عَشَرَةٍ مِنْهَا رَهْنًا، ثُمَّ قَضَاهُ مِنْهَا عَشَرَةً، ثُمَّ إنَّهُمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِمُدَّةٍ أَوْ حِينَ الْقَضَاءِ قَالَ الرَّاهِنُ الْعَشَرَةُ الَّتِي دَفَعْتهَا لَك قَدْ بَيَّنْتُ لَك وَقْتَ دَفْعِهَا أَنَّهَا قَضَاءٌ لِدَيْنِ الرَّهْنِ وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ بَلْ بَيَّنْتَ أَنَّهَا قَضَاءٌ لِدَيْنِ غَيْرِ الرَّهْنِ فَالْحُكْمُ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَتُقْضَى الْعَشَرَةُ الْمَقْبُوضَةُ عَلَى الْعِشْرِينَ فَتَصِيرُ الْعَشَرَةُ الْبَاقِيَةُ نِصْفُهَا لِلرَّهْنِ وَنِصْفُهَا الْآخَرُ بِلَا رَهْنٍ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ حَلَّ الدَّيْنَانِ أَوْ حَلَّ أَحَدُهُمَا أَوْ لَمْ يَحِلَّا اتَّحَدَ أَجَلُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ تَقَارَبَ أَوْ تَبَاعَدَ قَالَ عبق وخش وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَتَفْصِيلُ اللَّخْمِيِّ ضَعِيفٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَحَلَّ تَوْزِيعِ الْمَقْبُوضِ عَلَى الدَّيْنَيْنِ إنْ كَانَا حَالَّيْنِ أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ وَاتَّفَقَ أَجَلُهُمَا أَوْ تَقَارَبَا، وَأَمَّا إنْ كَانَا مُؤَجَّلَيْنِ وَأَجَلُهُمَا مُتَبَاعِدٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْأَجَلِ الْقَرِيبِ وَكَذَا إذَا حَلَّ أَحَدُهُمَا فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِيهِ اهـ، وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا قُلْنَاهُ أَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّاهِنَ قَدْ حَصَلَ مِنْهُ بَيَانٌ عِنْدَ الدَّفْعِ وَأَنَّ الرَّاهِنَ وَالْمُرْتَهِنَ إنَّمَا اخْتَلَفَا فِي الَّذِي بَيَّنَهُ عِنْدَ الْقَضَاءِ هَلْ دَيْنُ الرَّهْنِ أَوْ دَيْنُ غَيْرِهِ كَمَا فِي بْن نَقْلًا عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَأَبِي الْحَسَنِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَقَالَ الرَّاهِنُ عَنْ دَيْنِ الرَّهْنِ أَيْ ادَّعَى أَنَّهُ بَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ النِّيَّةِ فَإِنَّهُ يُوَزَّعُ الْمَقْبُوضُ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ حَلِفٍ كَمَا فِي بْن وَنَصَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ رُشْدٍ وَلَوْ اخْتَلَفَا عِنْدَ الْقَضَاءِ أَيُّ الْحَقَّيْنِ يُبْدَأُ بِهِ لَجَرَى عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اهـ فَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيَانَ الْمَدْفُوعِ عَنْهُ وَادَّعَى الْآخَرُ إبْهَامَهُ فَنَقَلَ مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الْإِبْهَامِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِمُدَّعِي الْبَيَانِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ يُقْسَمُ بَيْنَ الْبَيَانِ وَالْإِبْهَامِ وَالنِّصْفُ الثَّانِي فِيهِ التَّنَازُعُ فَيَتَشَطَّرُ وَذَكَرَ بْن بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ عبق وَتَفْصِيلَ اللَّخْمِيِّ ضَعِيفٌ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَالتَّوْضِيحِ يَقْتَضِي أَنَّ تَفْصِيلَ اللَّخْمِيِّ هُوَ الْمَذْهَبُ (قَوْلُهُ بِقَدْرِهِمَا) أَيْ لَا عَلَى الْجِهَةِ (قَوْلُهُ بَعْدَ حَلِفِهِمَا) أَيْ بَعْدَ حَلِفِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى تَحْقِيقِ دَعْوَاهُ وَنَفْيِ دَعْوَى خَصْمِهِ (قَوْلُهُ أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يَحِلَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَا مُؤَجَّلَيْنِ اتَّفَقَا أَجَلًا أَوْ اخْتَلَفَا كَانَ الْأَجَلَانِ مُتَقَارِبَيْنِ أَوْ مُتَبَاعِدَيْنِ (قَوْلُهُ وَالثَّانِيَةُ بِحَمَالَةٍ) أَيْ تَحَمَّلَ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ أَيْ ضَمِنَهَا (قَوْلُهُ ادَّعَى الْقَابِضُ أَنَّ الْمَقْبُوضَ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ ادَّعَى الْقَابِضُ أَنَّهُ بَيَّنَ لَهُ عِنْدَ الدَّفْعِ أَنَّ هَذَا الْمَقْبُوضَ مِائَةُ الْحَمَالَةِ وَقَالَ الدَّافِعُ بَلْ بَيَّنْتُ لَكَ أَنَّهَا مِائَةُ الْأَصَالَةِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا فِي حُصُولِ الْبَيَانِ وَلَكِنْ اخْتَلَفَا فِي تَعَلُّقِهِ بِمِائَةِ الْأَصَالَةِ أَوْ الْحَمَالَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ مَحَلُّ حَلِفِهِمَا، وَأَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَيِّ الْمِائَتَيْنِ يُبْدَأُ بِهَا فَإِنَّ الْمَقْبُوضَ يُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ حَلِفٍ كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
[بَابٌ فِي أَحْكَامِ الْفَلَسِ]
{بَابٌ فِي الْفَلَسِ} (قَوْلُهُ بِمَعْنَى فَاعِلٍ) رَاجِعٌ لِرَبِّ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ لِمَالِهِ وَدَافِعٌ لَهُ لِلْمَدِينِ، وَقَوْلُهُ أَوْ مَفْعُولٌ رَاجِعٌ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّهُ مَغْرُومٌ وَمَدْفُوعٌ لَهُ الْمَالُ فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ (قَوْلُهُ مَنْعُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ) أَيْ مَنْعُ الْمَدِينِ الَّذِي أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ أَوْ مَنْعُ مَدِينٍ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ فَمَنْ إمَّا مَوْصُولَةٌ أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهِيَ وَاقِعَةٌ عَلَى الْمَدِينِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُؤَجَّلًا) أَيْ هَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا بَلْ وَلَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا، وَأَشَارَ بِذَلِكَ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَجُوزُ عِتْقٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا هِبَةٌ لِمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ وَإِنْ كَانَتْ الدُّيُونُ عَلَيْهِ لِأَجَلٍ بَعِيدٍ اهـ خِلَافًا لِمَا فِي تت مِنْ أَنَّ الْغَرِيمَ إذَا كَانَ دَيْنُهُ مُؤَجَّلًا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُ الْمَدِينِ الَّذِي أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ تَابِعٌ فِي ذَلِكَ لِشَيْخِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute