لِغَيْرِ مُبَاهَاةٍ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ تَصِيرَ مَأْوًى لِلْفُسَّاقِ وَلَا يُهْدَمُ حِينَئِذٍ (وَإِنْ بُوهِيَ بِهِ) أَيْ بِمَا ذَكَرَ مِنْ التَّطْيِينِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ أَوْ صَارَ مَأْوَى لِأَهْلِ الْفَسَادِ أَوْ فِي أَرْضٍ مُحْبَسَةٍ كَقَرَافَةِ مِصْرَ أَوْ مُرْصَدَةٍ لِلدَّفْنِ أَوْ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (حَرُمَ) وَوَجَبَ هَدْمُهُ وَمِنْ الضَّلَالِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَغْبِيَاءِ يَبْنُونَ بِقَرَافَةِ مِصْرَ أَسْبِلَةً وَمَدَارِسَ وَمَسَاجِدَ وَيَنْبُشُونَ الْأَمْوَاتَ وَيَجْعَلُونَ مَحَلَّهَا الْأَكْنِفَةَ وَهَذِهِ الْخُرَافَاتُ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ فَعَلُوا الْخَيْرَاتِ، كَلًّا مَا فَعَلُوا إلَّا الْمُهْلِكَاتِ (وَجَازَ) مَا ذَكَرَ (لِلتَّمْيِيزِ) وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ فِي غَيْرِ كَقُبَّةٍ وَمَدْرَسَةٍ وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ قَوْلُهُ (كَحَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ) يُوضَعُ عَلَى الْقَبْرِ (بِلَا نَقْشٍ) لِاسْمِهِ أَوْ تَارِيخِ مَوْتِهِ وَإِلَّا كُرِهَ وَإِنْ بُوهِيَ بِهِ حُرِّمَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ النَّقْشَ مَكْرُوهٌ وَلَوْ قُرْآنًا وَيَنْبَغِي الْحُرْمَةُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى امْتِهَانِهِ كَذَا ذَكَرُوا وَمِثْلُهُ نَقْشُ الْقُرْآنِ وَأَسْمَاءِ اللَّهِ فِي الْجُدَرَانِ.
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى غُسْلِ الْمَيِّتِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ وَكَانَا مَطْلُوبَيْنِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ حَاضِرٍ كُلِّهِ أَوْ جُلِّهِ تَقَدَّمَ لَهُ اسْتِقْرَارُ حَيَاةٍ غَيْرِ شَهِيدِ مُعْتَرَكٍ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَضْدَادِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ اسْتِغْنَاءً بِذِكْرِ أَضْدَادِهَا عَنْهَا وَبِنَفْيِ أَحَدِ الْمُتَلَازِمَيْنِ وَهُوَ الْغُسْلُ عَنْ نَفْيِ الْآخَرِ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَأَطْلَقَ النَّفْيَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لِعَيْنِ الْحُكْمِ فَقَالَ (وَلَا يُغَسَّلُ شَهِيدُ مُعْتَرَكٍ) أَيْ يَحْرُمُ تَغْسِيلُهُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ مَنْ قُتِلَ فِي قِتَالِ الْحَرْبِيِّينَ (فَقَطْ) وَلَا حَاجَةَ لَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ مُعْتَرَكٍ (وَلَوْ) قُتِلَ (بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ) بِأَنْ غَزَا الْحَرْبِيُّونَ الْمُسْلِمِينَ (أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ)
ــ
[حاشية الدسوقي]
الْأَذَانَ وَلَا الدُّعَاءَ وَلَا يَعْلَمُ مَنْ يَزُورُهُ» اهـ بْن (قَوْلُهُ لِغَيْرِ مُبَاهَاةٍ) أَيْ وَكَانَ التَّحْوِيزُ لِغَيْرِ مُبَاهَاةٍ (قَوْلُهُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ) أَيْ مِنْ التَّبْيِيضِ وَالتَّحْوِيزِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهِ فِي الْأَرْضِي الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الشَّارِحِ (قَوْلُهُ أَوْ صَارَ) أَيْ الْقَبْرُ بِسَبَبِ مَا بُنِيَ عَلَيْهِ أَوْ حَوْلَهُ مَأْوًى لِأَهْلِ الْفَسَادِ (قَوْلُهُ أَوْ فِي أَرْضٍ مُحْبَسَةٍ إلَخْ) أَيْ أَوْ كَانَ ذَلِكَ الْقَبْرُ فِي أَرْضٍ مُحْبَسَةٍ أَوْ مُرْصَدَةٍ أَيْ فَيَحْرُمُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ وَتَحْوِيزُهُ بِالْبِنَاءِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ مُبَاهَاةً، وَمُرَادُهُ بِالْمُحْبَسَةِ لِلدَّفْنِ مَا صُرِّحَ بِوَقْفِيَّتِهَا لَهُ وَبِالْمُرْصَدَةِ لَهُ مَا وُقِفَتْ لِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِوَقْفِيَّةٍ بَلْ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا وَعَلِمْت مِمَّا قُلْنَاهُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ أَوْ فِي أَرْضٍ مُحْبَسَةٍ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ بُوهِيَ بِهِ حُرِّمَ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِيهِ مُطْلَقَةٌ (قَوْلُهُ مَا فَعَلُوا إلَّا الْمُهْلِكَاتِ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ هَدْمُ مَا بُنِيَ بِالْقَرَافَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الْمَدَارِسِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْأَسْبِلَةِ وَالْبُيُوتِ وَالْقُبَبِ وَالْحَيْشَانِ (قَوْلُهُ وَجَازَ مَا ذَكَرَ) مُرَادُهُ بِمَا ذَكَرَ الْبِنَاءُ فَوْقَهُ وَحَوْلَهُ (قَوْلُهُ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ إلَخْ) أَيْ وَالْبِنَاءُ لِلتَّمْيِيزِ إنَّمَا جَائِزًا إذَا كَانَ يَسِيرًا لَا إنْ كَانَ كَثِيرًا كَمَدْرَسَةٍ وَقُبَّةٍ، وَظَاهِرُهُ جَوَازُ الْبِنَاءِ الْيَسِيرِ لِلتَّمَيُّزِ وَلَوْ فِي الْأَرْضِ الْمُحْبَسَةِ لِلدَّفْنِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَفِي بْن مَا نَصُّهُ الَّذِي اخْتَارَهُ ح أَنَّ التَّحْوِيزَ بِالْبِنَاءِ الْيَسِيرِ لِأَجْلِ تَمْيِيزِ الْقُبُورِ جَائِزٌ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَمِنْ أَجْوِبَةِ ابْنِ رُشْدٍ لِلْقَاضِي عِيَاضٍ وَنَقَلَ نَصَّهَا ثُمَّ قَالَ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ آخِرِ كَلَامِ التَّوْضِيحِ اهـ كَلَامُهُ وَتَحَصَّلَ مِمَّا تَقَدَّمَ الْبِنَاءُ عَلَى الْقَبْرِ أَوْ حَوْلَهُ فِي الْأَرَاضِي الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْمَمْلُوكَةُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ بِإِذْنٍ وَالْمَوَاتِ حَرَامٌ عِنْدَ قَصْدِ الْمُبَاهَاةِ وَجَائِزٌ عِنْدَ قَصْدِ التَّمْيِيزِ وَإِنْ خَلَا عَنْ ذَلِكَ كُرِهَ، وَأَمَّا الْبِنَاءُ فَوْقَهُ أَوْ حَوْلَهُ فِي الْأَرْضِ الْمُحْبَسَةِ فَحَرَامٌ إلَّا بِقَصْدِ التَّمْيِيزِ فَجَائِزٌ إنْ كَانَ الْبِنَاءُ يَسِيرًا (قَوْلُهُ وَإِلَّا كُرِهَ) أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ فِي الْحَجَرِ أَوْ الْخَشَبَةِ نَقْشٌ كُرِهَ وَفِي ح التَّخْفِيفُ فِي الْكِتَابَةِ عَلَى قُبُورِ الصَّالِحِينَ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي الْحُرْمَةُ إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا كِتَابَةُ وَرَقَةٍ ذِكْرًا وَدُعَاءً وَتَعْلِيقُهَا فِي عُنُقِ الْمَيِّتِ فَحَرَامٌ وَيَجِبُ إخْرَاجُهَا إنْ لَمْ يَطُلْ الْأَمْرُ وَأَمَّا الْمُصْحَفُ فَيَجِبُ إخْرَاجُهُ مُطْلَقًا
[مِنْ لَا يَجِب تَغْسِيلهمْ]
(قَوْلُهُ اسْتِغْنَاءً) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ شَرَعَ أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ مُسْتَغْنِيًا بِذِكْرِ أَضْدَادِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ عَنْهَا لِأَنَّ الضِّدَّيْنِ مُتَلَازِمَانِ فَإِذَا حُكِمَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِالِانْتِفَاءِ كَانَ الثَّانِي ثَابِتًا وَلَا مَحَالَةَ لِأَنَّ الضِّدَّيْنِ لَا يَرْتَفِعَانِ (قَوْلُهُ وَبِنَفْيِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِذِكْرِ أَيْ وَاسْتِغْنَاءً بِنَفْيِ إلَخْ (قَوْلُهُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ) مِمَّنْ صَرَّحَ بِحُرْمَةِ تَغْسِيلِهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ (قَوْلُهُ فَقَطْ) احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ بَقِيَّةِ الشُّهَدَاءِ كَالْمَبْطُونِ وَالْغَرِيقِ وَالْحَرِيقِ وَمَيِّتِ الطَّاعُونِ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ (قَوْلُهُ وَلَا حَاجَةَ لَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ مُعْتَرَكٍ) أَيْ لِخُرُوجِ الشُّهَدَاءِ الْمَذْكُورِينَ بِقَوْلِهِ مُعْتَرَكٍ بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُغَسَّلُ شَهِيدُ مُعْتَرَكٍ يَقْتَضِي أَنَّ مَقْتُولَ الْحَرْبِيِّ الْكَافِرِ بِغَيْرِ مَعْرَكَةٍ يُغَسَّلُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُقْتَضَى مَوْضِعٍ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ لَا يُغَسَّلُ شَهِيدُ كَافِرٍ حَرْبِيٍّ بِغَيْرِ مَعْرَكَةٍ لِكَوْنِهِ لَهُ حُكْمُ مَنْ قُتِلَ بِهَا وَهُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ، وَتَبِعَهُ سَحْنُونٌ وَأَصْبَغُ وَابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ وَيَحْيَى الْقُرْطُبِيُّ فَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ غَسَّلَ أَبَاهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ حِينَ قَتَلَهُ عَدُوٌّ كَافِرٌ بِقُرْطُبَةَ حِينَ أَغَارَ عَلَيْهَا الْكُفَّارُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute