(عَلَى الْأَرْجَحِ) فَيُخَيِّرُ سَيِّدَهُ بَيْنَ فِدَائِهِ وَإِسْلَامِهِ فَيُبَاعُ فِيهَا وَقِيلَ بِذِمَّتِهِ يَتْبَعُ بِهَا إنْ عَتَقَ يَوْمًا مَا
(وَزَكَّى مُسَافِرٌ مَا مَعَهُ) مِنْ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نِصَابًا (وَمَا غَابَ) عَنْهُ إذَا كَانَ الْجَمِيعُ نِصَابًا فَأَكْثَرَ بِشَرْطَيْنِ فِي الْغَائِبِ أَشَارَ لِأَوَّلِهِمَا بِقَوْلِهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ) ثَمَّ (مُخْرَجٌ) عَنْهُ بِتَوْكِيلٍ أَوْ يَأْخُذُهَا الْإِمَامُ بِبَلَدِهِ وَأَشَارَ لِلثَّانِي بِقَوْلِهِ (وَلَا ضَرُورَةَ) عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَتِهِ وَنَحْوِهَا فِيمَا يُخْرِجُهُ مِمَّا مَعَهُ عَنْ الْغَائِبِ فَإِنْ اضْطَرَّ أَيْ احْتَاجَ آخِرَ الْإِخْرَاجِ لِبَلَدِهِ فَالْمُرَادُ بِالضَّرُورَةِ مَا يَشْمَلُ الْحَاجَةَ لِمَا يُنْفِقُهُ وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَلَا ضَرُورَةَ لِلْحَالِ
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى زَكَاةِ الْأَمْوَالِ أَتْبَعَهُ بِالْكَلَامِ عَلَى زَكَاةِ الْأَبْدَانِ وَهِيَ زَكَاةُ الْفِطْرِ فَقَالَ [دَرْسٌ] (فَصْلٌ) (يَجِبُ) وُجُوبًا (ثَابِتًا) (بِالسُّنَّةِ) فَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ» وَحَمْلُ الْفَرْضِ عَلَى التَّقْدِيرِ بَعِيدٌ لَا سِيَّمَا وَقَدْ خَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَادِيًا يُنَادِي فِي فِجَاجِ الْمَدِينَةِ أَلَا إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» (صَاعٌ) أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ كُلُّ مُدٍّ رِطْلٌ بِالْبَغْدَادِيِّ وَقَدْ حُرِّرَ الصَّاعُ فَوُجِدَ أَرْبَعَ حَفَنَاتٍ مُتَوَسِّطَةٍ
ــ
[حاشية الدسوقي]
هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الدَّفْعَ لَهُ حَيْثُ جَازَ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَالْأَخْذِ وَاجِبٌ كَدَفْعِهَا لِلْعَدْلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي ح وَالتَّوْضِيحِ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَرْجَحِ) مُقْتَضَى نَقْلِ الْمَوَّاقُ أَنَّ هَذَا تَرْجِيحٌ لِابْنِ يُونُسَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ الْأَوْلَى لَوْ عَبَّرَ بِالْفِعْلِ ثُمَّ رَأَيْت لَفْظَ ابْنِ يُونُسَ وَنَصُّهُ قِيلَ فَإِنْ غَرَّ عَبْدٌ فَقَالَ إنِّي حُرٌّ فَأَعْطَاهُ مِنْ زَكَاتِهِ فَأَفَاتَ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ نَظَرٌ هَلْ يَكُونُ فِي رَقَبَتِهِ كَالْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ أَوْ يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مُتَطَوِّعٌ بِالدَّفْعِ ابْنُ يُونُسَ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ جِنَايَةٌ إلَخْ وَبِهَذَا يَظْهَرُ صِحَّةُ تَعْبِيرِهِ بِالِاسْمِ دُونَ الْفِعْلِ اهـ بْن (قَوْلُهُ بَيْنَ فِدَائِهِ) أَيْ بِقَدْرِ مَا أَخَذَهُ مِنْ الزَّكَاةِ
(قَوْلُهُ مُسَافِرٌ) لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ كَذَلِكَ الْحَاضِرُ يُزَكِّي مَا مَعَهُ وَمَا غَابَ عَنْهُ كَذَا فِي خش وعبق وَأَصْلُهُ لِلشَّيْخِ سَالِمٍ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الشَّرْطَيْنِ فِي الْغَائِبِ فَقَطْ فَلَا يُؤَخِّرُ الْحَاضِرُ زَكَاةَ مَا غَابَ عَنْهُ مِنْ الْمَالِ لِضَرُورَةِ إنْفَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ خِلَافًا لَهُمَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَاضِرَ يُزَكِّي مَا حَضَرَ وَمَا غَابَ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ مُطْلَقًا وَلَوْ دَعَتْ الضَّرُورَةُ لِصَرْفِ مَا حَضَرَ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ لَا يُزَكِّيهِمَا إلَّا بِشَرْطَيْنِ (قَوْلُهُ مَا مَعَهُ مِنْ الْمَالِ) هَذَا شَامِلٌ لِلْمَاشِيَةِ يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سَاعٍ أَمَّا إنْ كَانَ لَهَا سَاعٍ فَإِنَّهَا تُزَكَّى فِي مَحَلِّهَا فَلَا يَشْمَلُهَا كَلَامُهُ اهـ بْن وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمُسَافِرَ يُزَكِّي مَا غَابَ عَنْهُ وَلَا يُؤَخِّرُ زَكَاتَهُ حَتَّى يَرْجِعَ لَهُ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَقَالَ أَيْضًا إنَّهُ يُؤَخِّرُ زَكَاتَهُ مُطْلَقًا اعْتِبَارًا بِمَوَاضِعِ الْمَالِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ فِي اعْتِبَارِ مَوْضِعِ الْمَالِ أَوْ الْمَالِكِ لَوْ مَاتَ شَخْصٌ وَلَا وَارِثَ لَهُ إلَّا بَيْتُ الْمَالِ بِبَلَدِ سُلْطَانٍ وَمَالُهُ بِبَلَدِ سُلْطَانٍ آخَرَ وَاَلَّذِي فِي أَجْوِبَةِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ مَالَهُ لِمَنْ مَاتَ بِبَلَدِهِ (قَوْلُهُ فِي الْغَائِبِ) أَيْ، وَأَمَّا مَا مَعَهُ فَيُزَكِّيهِ بِكُلِّ حَالٍ اتِّفَاقًا لِاجْتِمَاعِ الْمَالِ مَعَ رَبِّهِ (قَوْلُهُ أَوْ يَأْخُذُهَا) بِالْجَزْمِ عَطْفًا عَلَى يَكُنْ أَيْ وَلَمْ يَأْخُذْهَا الْإِمَامُ الَّذِي فِي بَلَدِ الْغَائِبِ (قَوْلُهُ وَلَا ضَرُورَةَ عَلَيْهِ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ عَنْ الْغَائِبِ مِمَّا مَعَهُ وَلَوْ كَانَ عَدَمُ الضَّرَرِ وَالِاحْتِيَاجِ بِوُجُودِ مُسَلِّفٍ (قَوْلُهُ أَيْ احْتَاجَ) أَيْ لِمَا يُخْرِجُهُ زَكَاةً عَنْ الْغَائِبِ فِي نَفَقَةٍ مَثَلًا وَقَوْلُهُ أُخِّرَ الْإِخْرَاجُ أَيْ عَنْ ذَلِكَ الْغَائِبِ عَنْهُ حَتَّى يَرْجِعَ لِبَلَدِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَحَلَّ إخْرَاجِ الْمُسَافِرِ عَمَّا غَابَ عَنْهُ إنْ لَمْ تَدْعُهُ الضَّرُورَةُ لِعَدَمِ إخْرَاجِهِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا لِمَا يُخْرِجُهُ زَكَاةً عَنْهُ وَلَوْ لِمَا يُوَصِّلُهُ فِي عَوْدِهِ لِوَطَنِهِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ عَمَّا مَعَهُ وَلَا يُخْرِجُ عَمَّا غَابَ عَنْهُ وَيُؤَخِّرُ الْإِخْرَاجَ عَنْهُ حَتَّى يَرْجِعَ لِبَلَدِهِ
[زَكَاةِ الْأَبْدَانِ وَهِيَ زَكَاةُ الْفِطْرِ]
(فَصْلٌ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ) (قَوْلُهُ زَكَاةِ الْأَبَدَانِ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِطْرِ الَّذِي أُضِيفَتْ إلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي قَوْلِهِمْ زَكَاةُ الْفِطْرِ الْفِطْرَةُ بِمَعْنَى الْخِلْقَةِ وَبِهِ قِيلَ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُقَابِلُ لِلصَّوْمِ لِوُجُوبِهَا عِنْدَهُ وَعَلَى هَذَا فَاخْتُلِفَ هَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْفِطْرُ الْجَائِزُ أَوْ الْوَاجِبُ فَلِذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِهَا بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ أَوْ بِفَجْرِهِ (قَوْلُهُ يَجِبُ بِالسُّنَّةِ) أَيْ لَا بِالْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ آيَاتِ الزَّكَاةِ الْعَامَّةِ السَّابِقَةِ عَلَيْهَا فَعُلِمَ أَنَّهَا غَيْرُ مُرَادَةٍ مِنْهَا أَوْ أَنَّهَا غَيْرُ صَرِيحَةٍ فِي وُجُوبِهَا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّ وُجُوبَهَا ثَبَتَ بِعُمُومِ {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] الْآيَةَ (قَوْلُهُ فِي رَمَضَانَ) أَيْ الْكَائِنِ فِي رَمَضَانَ أَيْ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَحُمِلَ الْفَرْضُ عَلَى التَّقْدِيرِ) كَمَا هُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ سُنَّةً وَقَوْلُهُ بَعِيدٌ أَيْ؛ لِأَنَّ فَرْضَ، وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ بِمَعْنَى قَدْرٌ لِكُلِّ نَقْلٍ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ إلَى الْوُجُوبِ فَيَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فِي فِجَاجِ الْمَدِينَةِ) أَيْ فِي طُرُقِهَا وَالصَّوَابُ فِي فِجَاجِ مَكَّةَ كَمَا فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَلَا يُقَالُ إنَّ فَرْضَهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَمَكَّةُ حِينَئِذٍ دَارُ حَرْبٍ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى فِيهَا النِّدَاءُ بِمَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بَعْثُ الْمُنَادِي يَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَنَةَ فَتْحِهَا، وَهُوَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَنَةَ حَجِّ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ، وَهُوَ سَنَةَ تِسْعٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَنَةَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهِيَ سَنَةُ عَشْرٍ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يَكُونَ بَعْثُ الْمُنَادِي عَقِبَ الْقَرْضِ وَلِذَا لَمْ يَقُلْ التِّرْمِذِيُّ بَعَثَ حِينَ فُرِضَتْ وَكَوْنُ الْبَعْثِ عَامَ الْفَتْحِ هُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمُبَادَرَةُ بِإِظْهَارِ الشَّعَائِرِ فِي الْبَلَدِ بِمُجَرَّدِ فَتْحِهَا وَلَا مُوجَبَ لِلتَّأْخِيرِ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ (قَوْلُهُ وَقَدْ حُرِّرَ الصَّاعُ) أَيْ الَّذِي هُوَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ وَقَوْلُهُ فَوُجِدَ أَرْبَعَ حَفَنَاتٍ إلَخْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute