يَلْحَقُهُ دَيْنٌ وَيَخْدُمُ إلَى الْأَجَلِ، فَإِنْ قَالَ مَا ذَكَرَ فِي مَرَضِهِ عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ مِنْ الثُّلُثِ وَخَدَمَ الْوَرَثَةَ حَتَّى يُتِمَّ الْأَجَلَ بِمَوْتِ فُلَانٍ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ بِشَهْرٍ عَمَّا إذَا قَالَ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ مَثَلًا، فَإِنَّهُ يَكُونُ وَصِيَّةً مَا لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّدْبِيرَ أَوْ يُعَلِّقْهُ كَمَا تَقَدَّمَ
[دَرْسٌ] {بَابٌ} فِي أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ، وَالْمُكَاتَبُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْكِتَابِ بِمَعْنَى الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: ٤] أَيْ أَجَلٌ أَوْ مِنْ الْكَتْبِ بِمَعْنَى الْإِلْزَامِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: ١٨٣] أَيْ أَلْزَمَكُمْ وقَوْله تَعَالَى {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: ٥٤] أَيْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ وَالْعَبْدُ الْتَزَمَ لِسَيِّدِهِ أَدَاءَ النُّجُومِ وَهِيَ شَرْعًا عَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ عِتْقٌ عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ مِنْ الْعَبْدِ مَوْقُوفٌ عَلَى أَدَائِهِ فَخَرَجَ مَا عَلَى مَالٍ مُعَجَّلٍ فَقَطَاعَةٌ وَمُؤَجَّلٌ عَلَى أَجْنَبِيٍّ وَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَالٍ أَصْلًا كَالْعِتْقِ الْمُبَتَّلِ وَاَلَّذِي لِأَجَلٍ وَالتَّدْبِيرُ وَلَمْ يُعَرِّفْهَا الْمُصَنِّفُ، وَإِنَّمَا بَيَّنَ حُكْمَهَا فَقَالَ (نُدِبَ مُكَاتَبَةُ أَهْلِ التَّبَرُّعِ) بِكُلِّ مَالِهِ أَوْ بِبَعْضِهِ كَالزَّوْجَةِ وَالْمَرِيضِ أَيْ نُدِبَ لِأَهْلِ التَّبَرُّعِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ فَمُكَاتَبَةٌ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ وَمَحَلُّ النَّدْبِ إنْ طَلَبَ الرَّقِيقُ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ تُنْدَبْ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ أَهْلِ التَّبَرُّعِ لَا تُنْدَبُ مُكَاتَبَتُهُ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ شَيْءٌ آخَرُ، فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ سَفِيهًا كَانَتْ مُكَاتَبَتُهُ بَاطِلَةً، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ زَوْجَةً كَانَتْ صَحِيحَةً مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَالزَّوْجِ لَا بَاطِلَةً كَالْعِتْقِ؛ لِأَنَّهَا هُنَا بِعِوَضٍ، وَبُطْلَانُهَا مِنْ الصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا عِتْقٌ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ فَتَكُونُ صَحِيحَةً مُتَوَقِّفًا لُزُومُهَا عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِمَا (وَ) نُدِبَ لِسَيِّدِهِ (حَطُّ جُزْءٍ) مِنْ أَجْزَائِهَا عَنْهُ وَنُدِبَ أَنْ يَكُونَ (آخِرًا)
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ مَا ذَكَرَ فِي مَرَضِهِ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ فِي مَرَضِهِ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ ثُمَّ مَاتَ نُظِرَ هَلْ يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ أَمْ لَا، فَإِنْ حَمَلَهُ كَانَ كَالْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ فَيَسْتَمِرُّ يَخْدُمُ الْوَرَثَةَ إلَّا أَنْ يَمُوتَ فُلَانٌ فَيَعْتِقُ كُلُّهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ كَانَتْ الْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ فِي الْجُزْءِ الَّذِي لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ بَيْنَ اسْتِرْقَاقِهِ وَعِتْقِ مَحْمَلِ الثُّلُثِ بَتْلًا وَبَيْنَ عِتْقِ ذَلِكَ الْجُزْءِ، وَإِنْفَاذِ الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ مِنْ الثُّلُثِ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ، فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ فِي إنْفَاذِ الْوَصِيَّةِ وَعِتْقِ مَحْمَلِ الثُّلُثِ بَتْلًا (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَرِدْ بِهِ التَّدْبِيرُ أَوْ يُعَلِّقْهُ) أَيْ وَإِلَّا كَانَ تَدْبِيرًا عَلَى مَا اخْتَارَهُ عج خِلَافًا لِلَّقَانِيِّ (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ.
[بَابٌ فِي أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ]
{بَابٌ فِي الْكِتَابَةِ} (قَوْلُهُ: وَالْعَبْدُ الْتَزَمَ إلَخْ) هَذَا تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ أَوْ مِنْ الْكُتُبِ بِمَعْنَى الْإِلْزَامِ أَيْ لِأَنَّ الْعَبْدَ إلَخْ وَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الْعَبْدَ أَلْزَمَ نَفْسَهُ أَدَاءَ النُّجُومِ لِسَيِّدِهِ (قَوْلُهُ: عَتَقَ عَلَى مَالٍ) قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ صَوَابُهُ عَقْدٌ يُوجِبُ عِتْقًا عَلَى مَالٍ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ سَبَبٌ فِي الْعِتْقِ لَا نَفْسُهُ اهـ بْن (قَوْلُهُ: فَقَطَاعَةٌ) أَيْ فَهِيَ مُغَايِرَةٌ لِلْكِتَابَةِ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ كِتَابَةُ أُمِّ الْوَلَدِ وَيَجُوزُ عِتْقُهَا عَلَى مَالٍ مُعَجَّلٍ وَقَدْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ مُتَعَارَفَةً قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهُ قَالَهُ ابْنُ التِّينِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَقَوْلُ الرُّمَّانِيِّ الْكِتَابَةُ إسْلَامِيَّةٌ وَلَمْ تُعْرَفْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِلَافَ الصَّحِيحِ قِيلَ أَوَّلُ مَنْ كُوتِبَ فِي الْإِسْلَامِ أَبُو الْمُؤَمَّلِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعِينُوا أَبَا الْمُؤَمَّلِ فَأُعِينَ فَقَضَى كِتَابَتَهُ وَفَضَلَتْ عِنْدَهُ فَضْلَةٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْفِقْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَقِيلَ أَوَّلُ مَنْ كُوتِبَ فِي الْإِسْلَامِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ ثُمَّ بَرِيرَةُ اُنْظُرْ الزَّرْقَانِيَّ عَلَى الْمُوَطَّإِ.
(قَوْلُهُ: نُدِبَ مُكَاتَبَةُ أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِكُلِّ مَالِهِ إلَخْ) أَيْ نُدِبَ لِمَنْ هُوَ أَهْلٌ لَأَنْ يَتَبَرَّعَ بِكُلِّ مَالِهِ أَوْ بِبَعْضِهِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ فَالْأَوَّلُ هُوَ الرَّشِيدُ غَيْرُ الزَّوْجَةِ وَالْمَرِيضِ وَالثَّانِي الزَّوْجَةُ وَالْمَرِيضُ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا تُنْدَبُ) أَيْ مُكَاتَبَتُهُ بَلْ تُبَاحُ فَقَطْ، فَإِنْ قُلْت ظَاهِرٌ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣] . يَقْتَضِي وُجُوبَهَا إذَا طَلَبَهَا الرَّقِيقُ قُلْت الْأَمْرُ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ إمَّا بَيْعٌ أَوْ عِتْقٌ وَكِلَاهُمَا لَا يَجِبُ وَالْأَمْرُ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ لِغَيْرِ الْوُجُوبِ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢] . وَالصَّيْدُ بَعْدَ الْإِحْلَالِ لَا يَجِبُ إجْمَاعًا وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: ١٠] . وَالِانْتِشَارُ وَالِابْتِغَاءُ لَا يَجِبَانِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ إجْمَاعًا فَالْأَمْرُ فِيهِمَا لِلْإِبَاحَةِ وَكَذَا قَوْلُهُ {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: ٣٣] وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ غَرَرٍ فَالْأَصْلُ أَنْ لَا تَجُوزَ فَلَمَّا أَذِنَ الْمَوْلَى فِيهَا لِلنَّاسِ بِقَوْلِهِ {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: ٣٣] إلَخْ كَانَ أَمْرًا بَعْدَ مَنْعٍ وَالْأَمْرُ بَعْدَ الْمَنْعِ لِلْإِبَاحَةِ وَلَا يَرِدُ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ؛ لِأَنَّ اسْتِحْبَابَهَا ثَبَتَ بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى كَعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: ٧٧] .
(قَوْلُهُ: لَا تُنْدَبُ مُكَاتَبَتُهُ) أَيْ وَلَوْ طَلَبَ الرَّقِيقُ مِنْهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ) أَيْ هَلْ هِيَ صَحِيحَةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ شَيْءٌ آخَرُ (قَوْلُهُ: أَوْ زَوْجَةٌ) أَيْ فِي زَائِدِ الثُّلُثِ (قَوْلُهُ: كَالْعِتْقِ) تَشْبِيهٌ فِي الْمَنْفِيِّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ فَتَكُونُ صَحِيحَةً) أَيْ كَمَا أَنَّهَا تَصِحُّ مِنْ السَّكْرَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عِتْقٌ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ وَتَبْطُلُ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ الْبَيْعِ فَالسَّكْرَانُ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ الصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ مُسَاوَاةِ السَّفِيهِ لِلصَّبِيِّ هُوَ الْمَعْمُولُ عَلَيْهِ كَمَا لِشَيْخِنَا وَبِنَّ خِلَافًا لِمَا فِي عبق (قَوْلُهُ: وَنُدِبَ أَنْ يَكُونَ آخِرًا) أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ آخِرًا خَبَرٌ لِكَانَ الْمَحْذُوفَةِ مَعَ اسْمِهَا وَالْأَصْلُ وَحَطُّ جُزْءٍ يَكُونُ آخِرًا وَيَصِحُّ جَعْلُهُ حَالًا مِنْ جُزْءٍ، وَإِنْ كَانَ مَجِيءُ الْحَالِ مِنْ النَّكِرَةِ بِلَا مُسَوِّغٍ قَلِيلًا أَوْ تَمْيِيزًا مَحْمُولًا عَنْ الْمَفْعُولِ مُفَسِّرًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute