وَهُوَ هُنَا إمْرَارُ الْعُضْوِ عَلَى الْعُضْوِ بِدَلِيلِ إجْزَاءِ الْخِرْقَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَهُوَ وَاجِبٌ لِنَفْسِهِ لَا لِإِيصَالِ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ مُقَارَنَتُهُ لِلْمَاءِ بَلْ يُجْزِئُ (وَلَوْ بَعْدَ) صَبِّ (الْمَاءِ) وَانْفِصَالِهِ مَا لَمْ يَجِفَّ الْجَسَدُ (أَوْ) وَلَوْ دَلَكَ (بِخِرْقَةٍ) يُمْسِكُ طَرَفَهَا بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَالطَّرَفَ الْآخَرَ بِالْيُسْرَى وَيُدَلِّكُ بِوَسَطِهَا فَإِنَّهُ يَكْفِي وَلَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الدَّلْكِ بِالْيَدِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَأَمَّا إنْ لَفَّهَا عَلَى يَدِهِ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي كِيسٍ فَدَلَكَ بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ مَعْنَى الدَّلْكِ بِالْيَدِ وَلَا يَنْبَغِي فِيهِ خِلَافٌ (أَوْ اسْتِنَابَةٌ) لَكِنْ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ بِالْيَدِ أَوْ الْخِرْقَةِ فَإِنْ اسْتَنَابَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ (وَإِنْ) (تَعَذَّرَ) الدَّلْكُ بِمَا ذُكِرَ (سَقَطَ) وَيَكْفِيهِ تَعْمِيمُ الْجَسَدِ بِالْمَاءِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ وُجُوبِ الدَّلْكِ بِالْخِرْقَةِ وَالِاسْتِنَابَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ بِالْيَدِ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَاسْتَظْهَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَتَى تَعَذَّرَ بِالْيَدِ سَقَطَ وَلَا يَجِبُ بِالْخِرْقَةِ وَلَا الِاسْتِنَابَةِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَيَكُونُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ
ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى السُّنَنِ فَقَالَ (وَسُنَنُهُ) أَيْ الْغُسْلِ مُطْلَقًا وَلَوْ مَنْدُوبًا كَعِيدٍ خَمْسَةٌ عَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ زِيَادَةِ الِاسْتِنْثَارِ (غَسْلُ يَدَيْهِ) ثَلَاثًا إلَى كُوعَيْهِ (أَوَّلًا) أَيْ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ (وَصِمَاخٌ) بِكَسْرِ الصَّادِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَحِينَئِذٍ فَيُغْنِي عَنْهُ لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ عَدَمِ وُجُوبِهِ كَمَا رَوَاهُ مَرْوَانُ الظَّاهِرِيُّ فَإِنَّهُ رَوَى نَدْبَهُ وَيَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ بِالتَّعْمِيمِ فِي الدَّلْكِ عَلَى الصَّوَابِ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ عج عَنْ زَرُّوقٍ مِنْ أَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ لَا تَكْفِي وَلَا بُدَّ مِنْ الْجَزْمِ بِالتَّعْمِيمِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي وُصُولِ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ إجْمَاعًا فَأَوْلَى الدَّلْكُ وَالْمُسْتَنْكِحُ يُلْهَى عَنْ الشَّكِّ وُجُوبًا وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ بَلْ يَعْمَلُ عَلَى التَّرَدُّدِ وَيَكْفِيهِ. قَالَهُ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ هُنَا إمْرَارُ الْعُضْوِ عَلَى الْعُضْوِ) أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ هُنَا خُصُوصُ الْيَدِ وَأَمَّا فِي الْوُضُوءِ فَهُوَ إمْرَارُ بَاطِنِ الْيَدِ لَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الدَّلْكِ إمْرَارُ الْعُضْوِ عَلَى الْعُضْوِ فِي الْمَحَلَّيْنِ وَلَوْ غَيْرَ بَاطِنِ الْيَدِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ وَاجِبٌ لِنَفْسِهِ لَا لِإِيصَالِ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَيُعِيدُ تَارِكُهُ أَبَدًا وَلَوْ تَحَقَّقَ وُصُولَ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ لِطُولِ مُكْثِهِ مَثَلًا فِي الْمَاءِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ وَاجِبٌ لِإِيصَالِ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ وَاخْتَارَهُ عج لِقُوَّةِ مُدْرَكِهِ وَلَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَوِيَّ الْمُدْرَكِ إلَّا أَنَّهُ ضَعِيفٌ فِي الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ مَا كَثُرَ قَائِلُهُ وَلَوْ كَانَ مُدْرَكُهُ ضَعِيفًا وَالضَّعِيفُ مَا قَلَّ قَائِلُهُ وَلَوْ قَوِيَ مُدْرَكُهُ (قَوْلُهُ: بَلْ يُجْزِئُ وَلَوْ بَعْدَ صَبِّ الْمَاءِ وَانْفِصَالِهِ) أَيْ عِنْدَ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ خِلَافًا لِلْقَابِسِيِّ فِي اشْتِرَاطِهِ الْمُقَارَنَةَ لِصَبِّ الْمَاءِ فَإِذَا انْغَمَسَ فِي الْمَاءِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ فَصَارَ الْمَاءُ مُنْفَصِلًا عَنْ جَسَدِهِ إلَّا أَنَّهُ مُبْتَلٌّ فَيَكْفِي الدَّلْكُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الْأَوَّلِ لَا عَلَى الثَّانِي الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ بِلَوْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بَلْ يُجْزِئُ وَلَوْ إلَخْ إلَّا أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ بَعْدَ صَبِّ الْمَاءِ مُبَالَغَةٌ فِي مُقَدَّرٍ وَالْمُحْوِجُ لِذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ وَالدَّلْكُ وَاجِبٌ هَذَا إذَا كَانَ مُقَارِنًا لِصَبِّ الْمَاءِ بَلْ وَلَوْ بَعْدَ الصَّبِّ خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ أَنَّهُ بَعْدَ الصَّبِّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَنَفْيُ الْوُجُوبِ يُجَامِعُ الْإِجْزَاءَ مَعَ أَنَّ الْمَرْدُودَ عَلَيْهِ يَقُولُ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَجِفَّ الْجَسَدُ) أَيْ وَإِلَّا فَلَا يُجْزِئُ الدَّلْكُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ صَارَ مَسْحًا لَا غُسْلًا (قَوْلُهُ: أَوْ وَلَوْ دَلَكَ بِخِرْقَةٍ) أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ بِخِرْقَةٍ عَطْفٌ عَلَى الظَّرْفِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ وَرَدَّ الْمُصَنِّفُ بِلَوْ هُنَا عَلَى مَنْ قَالَ لَا يَتَدَلَّك بِالْخِرْقَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ السَّلَفِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُعْتَمَدِ) أَيْ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ بَهْرَامُ عَنْ سَحْنُونٍ مِنْ عَدَمِ الْكِفَايَةِ بِالْخِرْقَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ بِالْيَدِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ عبق وَرَدَّ شَيْخُنَا ذَلِكَ وَاعْتَمَدَ الْكِفَايَةَ تَبَعًا لِشَيْخِهِ سَيِّدِي مُحَمَّدٍ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إنْ لَفَّهَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ خَفِيفَةً أَوْ كَانَتْ كَثِيفَةً إذْ لَا وَجْهَ لِلتَّقْيِيدِ بِالْخَفِيفَةِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ عج (قَوْلُهُ: فَإِنْ اسْتَنَابَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ) أَيْ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا تَبَعًا لِشَيْخِهِ الصَّغِيرِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخِرْقَةَ فِي مَرْتَبَةِ الْيَدِ فَيُخَيَّرُ فِي الدَّلْكِ بِأَيِّهِمَا وَأَمَّا الدَّلْكُ بِالِاسْتِنَابَةِ فَلَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ بِالْيَدِ وَالْخِرْقَةِ هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا تَبَعًا لِشَيْخِهِ وَعَلَى هَذَا فَأَوْ الْأُولَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِلتَّخْيِيرِ وَالثَّانِيَةُ لِلتَّنْوِيعِ وَقَالَ طفى الْحَقُّ أَنَّ الْخِرْقَةَ وَالِاسْتِنَابَةَ سَوَاءٌ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْيَدِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا كَمَا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي اشْتِرَاطِ تَعَذُّرِ الْيَدِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَحِينَئِذٍ فَأَوْ الْأُولَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِلتَّنْوِيعِ وَالثَّانِيَةُ لِلتَّخْيِيرِ اهـ (قَوْلُهُ: بِمَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الْيَدِ وَالْخِرْقَةِ وَالِاسْتِنَابَةِ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ) أَيْ قَائِلًا هَذَا هُوَ الْأَصْوَبُ وَالْأَشْبَهُ بِيُسْرِ الدِّينِ وَذَكَرَ ابْنُ الْقَصَّارِ مَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ كَلَامِ سَحْنُونٍ
[سُنَن الْغُسْل]
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مَنْدُوبًا) أَيْ وَلَا غَرَابَةَ فِي احْتِوَاءِ الْمَنْدُوبِ عَلَى سُنَّةٍ كَصَلَاةِ النَّافِلَةِ أَيْ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ فِعْلَ هَذَا الْمَنْدُوبِ سُنَّ لَهُ فِيهِ كَذَا (قَوْلُهُ: ثَلَاثًا) هَذَا التَّثْلِيثُ لَيْسَ مِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ بَلْ الْأُولَى سُنَّةٌ وَالْبَاقِي مَنْدُوبٌ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ التَّثْلِيثَ مِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ فِيهِمَا وَرَجَّحَ أَيْضًا (قَوْلُهُ: قَبْلَ إدْخَالِهَا فِي الْإِنَاءِ) أَيْ إذَا كَانَ الْمَاءُ غَيْرَ جَارٍ وَكَانَ يَسِيرًا وَأَمْكَنَ الْإِفْرَاغُ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا تَتَوَقَّفُ سُنِّيَّةُ غُسْلِهِمَا عَلَى الْأَوَّلِيَّةِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا أَيْ قَبْلَ إزَالَةِ الْأَذَى وَلَوْ بَعْدَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute