دَرْسٌ (بَابٌ)
ذَكَرَ فِيهِ مَوَاتَ الْأَرْضِ، وَإِحْيَاءَهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فَقَالَ (مَوَاتُ الْأَرْضِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (مَا سَلِمَ) أَيْ أَرْضٌ سَلِمَتْ أَيْ خَلَتْ (عَنْ الِاخْتِصَاصِ) بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْآتِيَةِ وَهُنَا تَمَّ التَّعْرِيفُ وَقَوْلُهُ (بِعِمَارَةٍ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَالِاخْتِصَاصُ كَائِنٌ بِسَبَبِ عِمَارَةٍ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ، أَوْ تَفْجِيرِ مَاءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَلَوْ انْدَرَسَتْ) تِلْكَ الْعِمَارَةُ فَإِنَّ الِاخْتِصَاصَ لِمَنْ عَمَّرَهَا بَاقٍ (إلَّا لِإِحْيَاءٍ) مِنْ آخَرَ بَعْدَ انْدِرَاسِهَا أَيْ مَعَ طُولِ زَمَانِهِ كَمَا فِي النَّقْلِ فَإِحْيَاؤُهَا مِنْ ثَانٍ قَبْلَ الطُّولِ لَا تَكُونُ لَهُ بَلْ لِلْأَوَّلِ كَمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا، أَوْ وُهِبَتْ لَهُ أَوْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ مِمَّنْ أَحْيَاهَا وَانْدَرَسَتْ فَإِنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ عَنْهَا وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ إلَّا الْحِيَازَةَ بِشُرُوطِهَا فِي غَيْرِ الْوَقْفِ كَمَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَفْهُومُ إلَّا لِإِحْيَاءٍ أَنَّهُ إنْ أَحْيَاهَا ثَانٍ بَعْدَ طُولٍ اخْتَصَّ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا فَإِنْ عَمَّرَهَا جَاهِلًا بِالْأَوَّلِ فَلَهُ قِيمَةُ بِنَائِهِ قَائِمًا لِلشُّبْهَةِ، وَإِلَّا فَمَنْقُوضًا وَهَذَا مَا لَمْ يَسْكُتْ الْأَوَّلُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِتَعْمِيرِ الثَّانِي، وَإِلَّا كَانَ سُكُوتُهُ دَلِيلًا عَلَى تَسْلِيمِهِ الْأَرْضَ لِمُعَمِّرِهَا (وَبِحَرِيمِهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ
ــ
[حاشية الدسوقي]
الَّذِي يَأْخُذُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِتْيَانِ بِهِ لَيْسَ جُعْلًا حَقِيقَةً بَلْ نَفَقَةً بِخِلَافِ مَا يَأْخُذُهُ عِنْدَ الْإِتْيَانِ بِهِ فَإِنَّهُ جُعْلٌ حَقِيقَةً فَغَلَبَتْ حَالَةُ عَدَمِ الْإِتْيَانِ بِهِ عَلَى حَالَةِ الْإِتْيَانِ بِهِ إذْ لَيْسَ الْعِوَضُ فِيهَا جُعْلًا حَقِيقَةً وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ مَتَى قَالُوا جُعْلُ الْمِثْلِ تَوَقَّفَ عَلَى التَّمَامِ بِخِلَافِ أُجْرَتِهِ.
[بَاب مَوَاتَ الْأَرْضِ وَإِحْيَاءَهَا]
. (بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) . (قَوْلُهُ: مَوَاتُ الْأَرْضِ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ. (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْمِيمِ) أَيْ لِأَنَّ الْمُوَاتَ - بِضَمِّ الْمِيمِ - الْمَوْتُ وَأَمَّا بِفَتْحِهَا فَيُطْلَقُ عَلَى الْمَيِّتِ وَعَلَى الْأَرْضِ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا وَلَا انْتِفَاعَ بِهَا فَهُوَ بِالْفَتْحِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ. (قَوْلُهُ: مَا سَلِمَ عَنْ الِاخْتِصَاصِ) اسْتَغْنَى بِالِاسْمِ الْمُحَلَّى بِأَلْ عَنْ أَنْ يَقُولَ عَنْ الِاخْتِصَاصَاتِ لِإِفَادَةِ الِاسْمِ الْمُحَلَّى الْعُمُومَ. (قَوْلُهُ: أَيْ أَرْضٌ سَلِمَتْ إلَخْ) أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ مَا وَاقِعَةٌ عَلَى أَرْضٍ وَحِينَئِذٍ فَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ فِي سَلِمَ مُرَاعَاةً لِلَفْظِ مَا. (قَوْلُهُ: وَهُنَا تَمَّ التَّعْرِيفُ) اُعْتُرِضَ هَذَا التَّعْرِيفُ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ حَرِيمَ الْبَلَدِ لَا يُسَمَّى مَوَاتًا لِعَدَمِ سَلَامَتِهِ مِنْ الِاخْتِصَاصِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ حَرِيمَ الْعِمَارَةِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَوَاتٌ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ الْمَوَاتَ قِسْمَانِ قَرِيبٌ مِنْ الْعُمْرَانِ وَبَعِيدٌ مِنْهُ فَالْقَرِيبُ يَفْتَقِرُ فِي إحْيَائِهِ لِإِذْنِ الْإِمَامِ دُونَ الْبَعِيدِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ " بِعِمَارَةِ " مِنْ جُمْلَةِ التَّعْرِيفِ فَيَدْخُلَ بِهِ فِي التَّعْرِيفِ كُلُّ مَا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِصَاصُ بِغَيْرِ الْعِمَارَةِ كَالْحَرِيمِ وَالْحِمَى وَيَكُونَ قَوْلُهُ " وَلَوْ انْدَرَسَتْ " مُبَالَغَةً فِيمَا فُهِمَ مِنْ أَنَّ الْمُعَمَّرَ لَيْسَ بِمَوَاتٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ فَالْمُعَمَّرُ لَيْسَ بِمَوَاتٍ بَلْ يَخْتَصُّ بِهِ مُعَمِّرُهُ وَلَوْ انْدَرَسَتْ عِمَارَتُهُ. (قَوْلُهُ: بِعِمَارَةٍ وَلَوْ انْدَرَسَتْ إلَّا لِإِحْيَاءٍ) حَاصِلُ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ التَّوْضِيحِ نَقْلًا عَنْ الْبَيَانِ أَنَّ الْعِمَارَةَ تَارَةً تَكُونُ نَاشِئَةً عَنْ مِلْكٍ وَتَارَةً تَكُونُ لِإِحْيَاءٍ وَيَحْصُلُ الِاخْتِصَاصُ بِهَا إذَا لَمْ تَنْدَرِسْ فِي الْقِسْمَيْنِ وَأَمَّا إذَا انْدَرَسَتْ فَإِنْ كَانَتْ عَنْ مِلْكٍ كَإِرْثٍ، أَوْ هِبَةٍ أَوْ شِرَاءٍ فَالِاخْتِصَاصُ بَاقٍ وَلَوْ طَالَ زَمَنُ الِانْدِرَاسِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَتْ لِإِحْيَاءٍ فَهَلْ الِاخْتِصَاصُ بَاقٍ، أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ فَالْأَوَّلُ يَقُولُ إنَّ انْدِرَاسَهَا لَا يُخْرِجُهَا عَنْ مِلْكِ مُحْيِيهَا وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُحْيِيَهَا وَهِيَ لِلْأَوَّلِ إنْ أَعْمَرَهَا غَيْرُهُ وَلَوْ طَالَ زَمَنُ انْدِرَاسِهَا وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَالثَّانِي يَقُولُ إنَّ انْدِرَاسَهَا يُخْرِجُهَا عَنْ مِلْكِ مُحْيِيهَا وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ إحْيَاؤُهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَى الثَّانِي دَرَجَ الْمُصَنِّفُ وَلَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا طَالَ زَمَنُ الِانْدِرَاسِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ إذَا عَلِمْت هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالِاخْتِصَاصُ بِعِمَارَةٍ أَيْ إذَا كَانَتْ نَاشِئَةً عَنْ مِلْكٍ أَوْ لِإِحْيَاءٍ " وَلَوْ " فِي قَوْلِهِ " وَلَوْ انْدَرَسَتْ " لِدَفْعِ التَّوَهُّمِ لَا لِلْخِلَافِ وَلَوْ عَبَّرَ بِإِنْ كَانَ أَوْلَى وَقَوْلُهُ: إلَّا لِإِحْيَاءٍ أَيْ إلَّا إذَا كَانَتْ لِأَجْلِ إحْيَاءٍ فَانْدِرَاسُهَا يُخْرِجُهَا عَنْ مِلْكِ مُحْيِيهَا كَمَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَيُقَيَّدُ ذَلِكَ بِالطُّولِ كَمَا عَلِمْت وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ بِعِمَارَةٍ مِنْ حَيْثُ شُمُولُهُ لِكَوْنِ الْعِمَارَةِ نَاشِئَةً عَنْ مِلْكٍ أَوْ لِإِحْيَاءٍ بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ بِأَنَّ الْعِمَارَةَ النَّاشِئَةَ عَنْ الْمِلْكِ مُسْتَغْنًى عَنْ ذِكْرِهَا؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْمِلْكِ كَافٍ فِي الِاخْتِصَاصِ وَلَا يَفْتَقِرُ لِلْعِمَارَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ لَأَجْلِ تَقْسِيمِ الْعِمَارَةِ فَتَأَمَّلْ اُنْظُرْ بْن.
(قَوْلُهُ: أَيْ مَعَ طُولِ زَمَانِهِ) أَيْ فَإِنَّهَا تَكُونُ لِلْآخَرِ الَّذِي أَحْيَاهَا بَعْدَ طُولِ زَمَنِ الِانْدِرَاسِ. (قَوْلُهُ: كَمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا) هَذَا تَنْظِيرٌ وَهُوَ مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا إذَا كَانَتْ الْعِمَارَةُ لِإِحْيَاءٍ. (قَوْلُهُ: وَمَفْهُومُ " إلَّا لِإِحْيَاءٍ " أَنَّهُ إنْ أَحْيَاهَا إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مَنْطُوقُ الِاسْتِثْنَاءِ لَا مَفْهُومُهُ فَالْأَوْلَى إبْدَالُ مَفْهُومٍ بِمَنْطُوقٍ، وَإِنَّمَا أَعَادَ هَذَا الْكَلَامَ مَعَ ذِكْرِهِ لَهُ أَوَّلًا لِأَجْلِ الدُّخُولِ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ عَمَّرَهَا إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَبْلَهُ) أَيْ الطُّولِ وَقَوْلُهُ: فَإِنْ عَمَّرَهَا أَيْ قَبْلَ طُولِ زَمَنِ الِانْدِرَاسِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ جَاهِلًا بَلْ عَالِمًا بِمُعَمِّرِهَا الْأَوَّلِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَطُلْ زَمَنُ الِانْدِرَاسِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ عَدَمُ كَوْنِهَا لِمَنْ أَحْيَاهَا قَبْلَ طُولِ زَمَنِ الِانْدِرَاسِ وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ يَسْكُت إلَخْ أَيْ وَحَلَفَ أَنَّ تَرْكَهُ لَهَا لَيْسَ إعْرَاضًا عَنْهَا وَأَنَّهُ عَلَى نِيَّةِ إعَادَتِهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ فَوَاتِهَا عَلَى مُحْيِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute