لَا يَتَصَدَّقُ بِالْكَثِيرِ بَلْ يُؤَدَّبُ صَاحِبُهُ وَيُتْرَكُ لَهُ أَيْ حَيْثُ يُؤْمَنُ أَنْ يَغُشَّ بِهِ وَإِلَّا بِيعَ عَلَيْهِ مِمَّنْ يُؤْمَنُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى) أَوْ وَرِثَ أَوْ وَهَبَ لَهُ (كَذَلِكَ) أَيْ مَغْشُوشًا فَلَا يُنْزَعُ مِنْهُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ بَلْ يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ لُبْسٍ أَوْ يَبِيعُهُ مِمَّنْ لَا يَغُشُّ (إلَّا) الْمُشْتَرِي (الْعَالِمُ) بِغِشِّهِ (لِيَبِيعَهُ) لِمَنْ يَغُشُّ بِهِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِ قَبْلَ بَيْعِهِ أَوْ بَعْدَهُ إنْ رُدَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ بِفَوَاتِهِ أَوْ ذَهَابِ الْمُشْتَرِي فَفِي ثَمَنِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي قَدَّمَهَا الْمُصَنِّفُ فَالتَّصَدُّقُ بِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَبِعْهُ أَوْ بَاعَهُ وَرُدَّ عِنْدَ عَدَمِ الْفَوَاتِ وَهَذَا الرَّدُّ هُوَ الْمُعَبِّرُ عَنْهُ بِالْفَسْخِ فِيمَا مَرَّ وَالتَّصَدُّقُ بِثَمَنِهِ فِيمَا إذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ جُزْئِيَّاتِ الْغِشِّ مُدْخِلًا مَا لَمْ يَذْكُرْهُ تَحْتَ الْكَافِ بِقَوْلِهِ (كَبَلِّ الْخُمُرِ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ خِمَارٍ بِكَسْرِهَا (بِالنَّشَاءِ) لِظُهُورِ صَفَاقَتِهَا وَمَزْجِ لَبَنٍ بِمَاءٍ وَسَمْنٍ بِغَيْرِهِ (وَسَبْكِ ذَهَبٍ جَيِّدٍ بِرَدِيءٍ) لِإِيهَامِ جَوْدَةِ الْجَمِيعِ، وَلَوْ قَالَ: وَخَلْطِ جَيِّدٍ بِرَدِيءٍ، كَانَ أَعَمَّ. وَمِنْهُ خَلْطُ لَحْمِ الذَّكَرِ بِلَحْمِ الْأُنْثَى وَلَحْمِ الضَّأْنِ بِلَحْمِ الْمَعْزِ (وَنَفْخِ اللَّحْمِ) بَعْدَ سَلْخِهِ كَمَا يُفِيدُهُ إضَافَةُ نَفْخٍ إلَى اللَّحْمِ فَلَيْسَ هَذَا قَيْدًا زَائِدًا عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ يُغَيِّرُ طَعْمَ اللَّحْمِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ سَمِينٌ بِخِلَافِ يَسِيرِ مَاءٍ بِلَبَنٍ لِإِخْرَاجِ زُبْدِهِ أَوْ بِعَصِيرٍ لِيَتَعَجَّلَ تَخْلِيلَهُ وَنَفْخُ جِلْدِ اللَّحْمِ قَبْلَ سَلْخِهِ لِاحْتِيَاجِهِ لِذَلِكَ فَفِيهِ صَلَاحٌ وَمَنْفَعَةٌ
(عِلَّةُ) حُرْمَةِ (طَعَامِ الرِّبَا) أَيْ الطَّعَامُ الْمُخْتَصُّ بِالرِّبَا أَيْ رِبَا الْفَضْلِ يَعْنِي الرِّبَا فِي الطَّعَامِ (اقْتِيَاتٌ) أَيْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِاسْتِعْمَالِهِ بِحَيْثُ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ وَفِي مَعْنَى الِاقْتِيَاتِ إصْلَاحُ الْقُوتِ كَمِلْحٍ وَتَابِلٍ (وَادِّخَارٌ) بِأَنْ لَا يَفْسُدَ بِتَأْخِيرِهِ إلَى الْأَمَدِ الْمُبْتَغَى مِنْهُ عَادَةً وَلَا حَدَّ لَهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ بَلْ هُوَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ (وَهَلْ) يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ كَوْنُهُ مُتَّخِذًا (لِغَلَبَةِ الْعَيْشِ) بِأَنْ يَكُونَ غَالِبُ اسْتِعْمَالِهِ اقْتِيَاتَ الْآدَمِيِّ بِالْفِعْلِ كَقَمْحٍ وَذُرَةٍ أَوْ أَنْ لَوْ اسْتَعْمَلَ كَلُوبِيَا أَوْ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ (تَأْوِيلَانِ) وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الْبَيْضِ وَالتِّينِ وَالْجَرَادِ وَالزَّيْتِ وَقَدْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَيْضِ وَالزَّيْتِ عَلَى أَنَّهُمَا رِبَوِيَّانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ فَقَطْ، وَذَكَرَ فِي الْجَرَادِ الْخِلَافَ فِي رِبَوِيَّتِهِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعِلَّةِ وَذَكَرَ أَنَّ التِّينَ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ وَكَوْنُهُ مُتَّخِذًا لِلْعَيْشِ غَالِبًا، وَأَمَّا رِبَا النَّسَاءِ فَعِلَّتُهُ مُجَرَّدُ الطُّعْمِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي فَتَدْخُلُ الْفَاكِهَةُ وَالْخُضَرُ كَبِطِّيخٍ وَقِثَّاءٍ، أَوْ بُقُولٌ كَخَسٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ
(كَحَبٍّ) مُرَادُهُ بِهِ بِالْبُرِّ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ (وَشَعِيرٍ وَسُلْتٍ) وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِشَعِيرِ النَّبِيِّ (وَهِيَ) أَيْ الثَّلَاثَةُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَكَسَرَهُ وَلَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ، فَإِنَّهُ يُرَدُّ لِرَبِّهِ (قَوْلُهُ: لَا يَتَصَدَّقُ بِالْكَثِيرِ) أَيْ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ، فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَنْهُ عَلَى مَا قَالَ الْحَطَّابُ وَقَالَ عج إنَّهُ يُطْرَحُ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: لِيَبِيعَهُ) أَيْ إذَا اشْتَرَاهُ لِيَبِيعَهُ مِمَّنْ يَغُشُّ بِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ أَحْدَثَ الْغِشَّ لِيَغُشَّ بِهِ وَحِينَئِذٍ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِ قَبْلَ بَيْعِهِ (قَوْلُهُ: فَالتَّصَدُّقُ بِهِ مَحْمُولٌ إلَخْ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إنَّ بَيْنَ قَوْلِهِ هُنَا يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مُشْتَرِيهِ الْعَالِمِ بِغِشِّهِ لِيَغُشَّ بِهِ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفَسْخُ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَغُشُّ بِهِ تَنَافٍ
[فَصْلٌ عِلَّةُ حُرْمَةِ طَعَامِ الرِّبَا]
دَرْسٌ فَصْلٌ عِلَّةُ طَعَامِ الرِّبَا اقْتِيَاتٌ وَادِّخَارٌ (قَوْلُهُ: حُرْمَةِ) إنَّمَا قَدَّرَ حُرْمَةَ دَفْعًا لِمَا يُقَالُ: إنَّ الذَّوَاتَ كَالطَّعَامِ لَا تُعَلَّلُ، وَإِنَّمَا تُعَلَّلُ الْأَحْكَامُ (قَوْلُهُ: أَيْ الطَّعَامُ الْمُخْتَصُّ بِالرِّبَا) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ فَوَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الطَّعَامَ الرِّبَوِيَّ لَا يَتَّصِفُ بِالْحُرْمَةِ فَأَجَابَ بِأَنَّ فِي الْكَلَامِ قَلْبًا، وَالْأَصْلُ: عِلَّةُ حُرْمَةِ الرِّبَا فِي الطَّعَامِ أَوْ أَنَّ فِيهِ حَذْفَ مُضَافٍ ثَانٍ أَيْ عِلَّةُ حُرْمَةِ رِبَا الطَّعَامِ الرِّبَوِيِّ تَأَمَّلْ، وَالْمُرَادُ بِالْعِلَّةِ الْعَلَامَةُ لَا الْبَاعِثُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَبْعَثَ الْمَوْلَى أَمْرٌ مِنْ الْأُمُورِ عَلَى أَمْرٍ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ الْبَاعِثُ الَّذِي يَبْعَثُ الْمُكَلَّفَ عَلَى الِامْتِثَالِ (قَوْلُهُ: أَيْ رِبَا الْفَضْلِ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّبَا هُنَا رِبَا الْفَضْلِ، وَأَمَّا رِبَا النَّسَاءِ فَسَيَأْتِي أَنَّ عِلَّةَ حُرْمَتِهِ مُجَرَّدُ الطُّعْمِيَّةِ وُجِدَ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ أَوْ وُجِدَ الِاقْتِيَاتُ فَقَطْ أَوْ لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) أَيْ كَمَا قَالَ ابْنُ نَاجِيٍّ وَحَكَى التَّادَلِيُّ حَدَّهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ (قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ) أَيْ فَالْمَرْجِعُ فِيهِ لِلْعُرْفِ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الِادِّخَارِ مُعْتَادًا فَلَا عِبْرَةَ بِادِّخَارِ الرُّمَّانِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ لِأَنَّهُ نَادِرٌ (قَوْلُهُ: لِغَلَبَةِ الْعَيْشِ) أَيْ لِلْعَيْشِ غَالِبًا.
(قَوْلُهُ: أَوْ أَنْ لَوْ اُسْتُعْمِلَ) أَيْ أَوْ يَكُونُ غَالِبًا اسْتِعْمَالُهُ اقْتِيَاتُ الْآدَمِيِّ أَنْ لَوْ اُسْتُعْمِلَ (قَوْلُهُ: تَأْوِيلَانِ) الْأَوَّلُ قَوْلُ الْقَاضِيَيْنِ وَتَأَوَّلَ ابْنُ مَرْزُوقٍ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ وَالثَّانِي تَأْوِيلُ ابْنِ رُشْدٍ وَالْأَكْثَرُ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ اهـ بْن (قَوْلُهُ: فَتَدْخُلُ الْفَاكِهَةُ) أَيْ فَتَدْخُلُ الْفَاكِهَةُ وَمَا بَعْدَهَا فِي عِلَّةِ رِبَا النَّسَاءِ الْمَذْكُورَةِ اتَّحَدَ الْجِنْسُ أَوْ اخْتَلَفَ، وَلَوْ قَالَ: فَتَدْخُلُ أَيْ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْفَاكِهَةِ وَمَا بَعْدَهَا أَيْ تَتَحَقَّقُ فِيهِمَا كَانَ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَبِطِّيخٍ وَقِثَّاءٍ) أَيْ وَلَيْمُونٍ وَنَارِنْجٍ (قَوْلُهُ: وَنَحْوَ ذَلِكَ) أَيْ وَنَحْوَ الْخَسِّ كَكُرَّاثٍ وَجَزَرٍ وَقُلْقَاسٍ وَكُرُنْبٍ
(قَوْلُهُ: الْبُرِّ) هُوَ الْقَمْحُ خَاصَّةً (قَوْلُهُ: لَكَانَ أَحْسَنَ) أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute