(وَ) لَغَا (مَشْيٌ) أَيْ إتْيَانٌ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا (لِلْمَدِينَةِ) الْمُشَرَّفَةِ بِسَيِّدِ الْعَالَمِينَ (أَوْ إيلْيَاءَ) بِالْمَدِّ وَرُبَّمَا قُصِرَ، وَيُقَالُ أَيْلَةٌ كَنَخْلَةٍ بَيْتُ الْمَقْدِسِ (إنْ لَمْ يَنْوِ) أَوْ يَنْذُرْ (صَلَاةً) أَوْ صَوْمًا أَوْ اعْتِكَافًا (بِمَسْجِدَيْهِمَا أَوْ يُسَمِّهِمَا) أَيْ الْمَسْجِدَيْنِ فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ أَوْ سَمَّاهُمَا لَزِمَهُ الْإِتْيَانُ وَحِينَئِذٍ (فَيَرْكَبُ) ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ (وَهَلْ) لُزُومُ الْإِتْيَانِ فِي ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَ (إنْ كَانَ) النَّاذِرُ مُقِيمًا (بِبَعْضِهَا) فَاضِلًا أَوْ مَفْضُولًا (أَوْ) يَلْزَمُهُ (إلَّا لِكَوْنِهِ) مُقِيمًا (بِأَفْضَلَ) فَلَا يَلْزَمُهُ إتْيَانُ الْمَفْضُولِ (خِلَافٌ وَالْمَدِينَةُ) الْمُنَوَّرَةُ بِأَنْوَارِ أَفْضَلِ الْخَلْقِ (أَفْضَلُ) عِنْدَنَا مِنْ مَكَّةَ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ (ثُمَّ مَكَّةُ) فَبَيْتُ الْمَقْدِسِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ السَّمَاءَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَرْضِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ.
دَرْسٌ (بَابٌ) ذَكَرَ فِيهِ الْجِهَادَ (الْجِهَادُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَيَكُونُ (فِي أَهَمِّ جِهَةٍ) فَإِنْ اسْتَوَتْ الْجِهَات خُيِّرَ الْإِمَامُ (كُلَّ سَنَةٍ) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ الْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ (وَإِنْ) (خَافَ) الْمُجَاهِدُ (مُحَارِبًا) فِي طَرِيقِهِ أَوْ طَرْؤُهُ عَلَى مَالٍ أَوْ حَرِيمٍ حَالَ الِاشْتِغَالِ بِالْجِهَادِ فَلَا يَسْقُطُ الْجِهَادُ (كَزِيَارَةِ الْكَعْبَةِ) أَيْ إقَامَةِ الْمَوْسِمِ بِالْحَجِّ كُلَّ سَنَةٍ (فَرْضُ كِفَايَةٍ)
ــ
[حاشية الدسوقي]
هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» .
وَحَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ نَذَرَ الْإِتْيَانَ لِمَسْجِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لِأَجْلِ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ اعْتِكَافٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِ ن، وَكَذَا إذَا نَذَرَ إتْيَانَ ثَغْرٍ لِأَجْلِ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ لَزِمَهُ إتْيَانُهُ لَا لِاعْتِكَافٍ عَلَى مَا مَرَّ، وَأَمَّا إذَا نَذَرَ إتْيَانَ مَسْجِدٍ غَيْرَ الثَّلَاثَةِ لِأَجْلِ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ اعْتِكَافٍ فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ النَّاذِرِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ فَقَوْلَانِ قِيلَ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِ مَاشِيًا وَاسْتَقَرَّ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْمَشْيِ إلَى الْمَسْجِدِ مِنْ الْفَضْلِ مَا لَمْ يَأْتِ مِثْلُهُ فِي الرَّاكِبِ، وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِ أَصْلًا، وَإِذَا نَذَرَ الْإِتْيَانَ لِمَسْجِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِصَلَاةٍ أَوْ اعْتِكَافٍ لَزِمَهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا بِبَعْضِهَا، وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا هُوَ فِيهِ أَفْضَلُ فَلَا يَلْزَمُ قَوْلَانِ (قَوْلُهُ: وَلَغَا مَشْيٌ لِلْمَدِينَةِ أَوْ إيلْيَاءَ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ أَوْ السَّيْرَ أَوْ الذَّهَابَ لِلْمَدِينَةِ أَوْ لِإِيلِيَاء أَوْ حَلَفَ بِذَلِكَ وَحَنِثَ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِمَا لَا مَاشِيًا وَلَا رَاكِبًا، وَمَحَلُّ عَدَمِ لُزُومِ الْإِتْيَانِ إلَيْهِمَا إنْ لَمْ يَنْوِ أَوْ يَنْذُرَ صَلَاةً، وَلَوْ نَفْلًا أَوْ صَوْمًا أَوْ اعْتِكَافًا بِمَسْجِدَيْهِمَا أَوْ يُسَمِّ الْمَسْجِدَيْنِ لَا الْبَلَدَيْنِ فَإِنْ نَوَى صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ اعْتِكَافًا فِي الْمَسْجِدَيْنِ أَوْ سَمَّاهُمَا لَزِمَهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِمَا.
(قَوْلُهُ: وَالْمَدِينَةُ أَفْضَلُ) أَيْ لِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ «الْمَدِينَةُ خَيْرٌ مِنْ مَكَّةَ» نَقَلَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَحَيْثُ كَانَتْ الْمَدِينَةُ أَفْضَلَ فَيَكُونُ الثَّوَابُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْعَمَلِ فِي مَسْجِدِهَا مِنْ صَلَاةٍ أَوْ اعْتِكَافٍ أَكْثَرَ مِنْ الثَّوَابِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْعَمَلِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ.
[بَابٌ الْجِهَادَ]
(بَابٌ فِي الْجِهَادِ) (قَوْلُهُ: فَرْضُ كِفَايَةٍ) ظَاهِرُهُ مَعَ الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْجُزُولِيُّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ وَإِذْلَالِ الْكُفْرِ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ مَعَ الْخَوْفِ وَنَافِلَةٌ مَعَ الْأَمْنِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَقْوَى اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ فِي أَهَمِّ جِهَةٍ) أَيْ وَالْمَطْلُوبُ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ أَنْ يَكُونَ فِي أَهَمِّ جِهَةٍ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَاتٍ، وَكَانَ ضَرَرُهُ فِي بَعْضِهَا أَكْثَرَ مِنْ ضَرَرِهِ فِي غَيْرِهَا فَإِنْ أَرْسَلَ الْإِمَامُ لِغَيْرِ الْأَهَمِّ أَثِمَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ اللَّقَانِيِّ فَإِنْ اسْتَوَتْ الْجِهَاتُ فِي الضَّرَرِ خُيِّرَ الْإِمَامُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي يَذْهَبُ إلَيْهَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْلِمِينَ كِفَايَةٌ لِجَمِيعِ الْجِهَاتِ، وَإِلَّا وَجَبَ فِي الْجَمِيعِ، وَإِنْ كَانَ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ يُعَيَّنُ الْقِتَالُ فِيهَا، وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِتَقْدِيرِ " يَكُونُ " إلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي أَهَمِّ جِهَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ لَا بِالْجِهَادِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ فَرْضُ كِفَايَةٍ إلَّا إذَا تَعَدَّدَتْ الْجِهَةُ، وَفِيهَا أَهَمُّ وَغَيْرُهُ وَوَقَعَ فِي الْأَهَمِّ مِنْهَا مَعَ أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلَوْ كَانَ الْخَوْفُ فِي جِهَةٌ وَاحِدَةٍ أَوْ جِهَاتٍ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا أَهَمُّ أَوْ فِيهَا أَهَمُّ وَجَاهَدَ فِي غَيْرِهِ، وَقَدْ يُقَالُ لَا دَاعِيَ لِذَلِكَ التَّقْدِيرِ فَالْمُصَنِّفُ نَصَّ عَلَى الْمُتَوَهَّمِ إذْ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ فِي الْأَهَمِّ فَرْضُ عَيْنٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَيْضًا إذَا كَانَ الْخَوْفُ فِي جِهَةٍ أَوْ جِهَاتٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَهَمُّ أَوْ فِيهَا وَجَاهَدَ فِي غَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: كُلَّ سَنَةٍ) أَيْ بِأَنْ يُوَجِّهَ الْإِمَامُ كُلَّ سَنَةٍ طَائِفَةً وَيَزُجُّ بِنَفْسِهِ مَعَهَا أَوْ يُخْرِجَ بَدَلَهُ مَنْ يَثِقُ بِهِ لِيَدْعُوَهُمْ لِلْإِسْلَامِ وَيُرَغِّبَهُمْ فِيهِ ثُمَّ يُقَاتِلَهُمْ إذَا أَبَوْا مِنْهُ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَسْقُطُ الْجِهَادُ) أَيْ؛ لِأَنَّ قِتَالَ الْكُفَّارِ أَهَمُّ مِنْ قِتَالِ الْمُحَارِبِينَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قِتَالُ الْمُحَارِبِينَ أَفْضَلُ مِنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ وَصَوَّبَ ابْنُ نَاجِيٍّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَفْضَلَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَأَفْضَلِيَّتِهِ عَلَيْهِ خِلَافِيَّةٌ وَالنَّظَرُ ارْتِكَابُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ فَإِنْ اسْتَوَيَا قُوتِلَ الْكُفَّارُ (قَوْلُهُ: أَيْ إقَامَةِ الْمَوْسِمِ إلَخْ) أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ زِيَارَتَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute