(أَوْ) لَمْ (يَذْكُرْ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ) أَوْ يَنْوِهِ أَوْ يَذْكُرْ مَكَانًا مِنْ الْأَمْكِنَةِ الَّتِي يَذْبَحُ فِيهَا كَمِنًى أَوْ مَوْضِعٍ مِنْ مَكَّةَ، وَأَوْ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى الْوَاوِ أَيْ فَلَا يُبْرِيهِ إلَّا نَفْيُ الثَّلَاثَةِ، وَاللُّزُومُ عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِهَا (وَالْأَحَبُّ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ لَفَظَ بِالْهَدْيِ أَوْ نَوَاهُ أَوْ ذَكَرَ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ أَوْ نَوَاهُ (كَنَذْرِ الْهَدْيِ) تَشْبِيهٌ لِإِفَادَةِ الْحُكْمِ أَيْ كَمَا يُسْتَحَبُّ فِي نَذْرِ الْهَدْيِ الْمُطْلَقِ نَحْوُ لِلَّهِ عَلَيَّ هَدْيٌ (بَدَنَةٌ ثُمَّ) عِنْدَ فَقْدِهَا (بَقَرَةٌ) فَإِنْ عَجَزَ فَشَاةٌ وَاحِدَةٌ وَالْأَحَبِّيَّةُ مُنَصَّبَةٌ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَإِلَّا فَالْهَدْيُ فِي نَفْسِهِ وَاجِبٌ (كَنَذْرِ الْحَفَاءِ) بِالْمَدِّ، وَهُوَ الْمَشْيُ بِلَا نَعْلٍ أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ الْحَفَاءُ فِي نَذْرِهِ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ حَفَاءً أَوْ حَبْوًا أَوْ زَحْفًا مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ حَرَجٌ، وَمَزِيدُ مَشَقَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ بَلْ يَمْشِي مُنْتَعِلًا عَلَى الْعَادَةِ وَيُنْدَبُ لَهُ الْهَدْيُ (أَوْ) نَذَرَ (حَمْلَ فُلَانٍ) عَلَى عُنُقِهِ لِمَكَّةَ (إنْ نَوَى التَّعَبَ) لِنَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ هُوَ مَاشِيًا، وَيَهْدِي نَدْبًا (وَإِلَّا) يَنْوِ التَّعَبَ بَلْ نَوَى بِحَمْلِهِ إحْجَاجَهُ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ (رَكِبَ) هُوَ فِي حَجِّهِ جَوَازًا (وَحَجَّ بِهِ) أَيْ الْمَحْلُوفِ بِحَمْلِهِ مَعَهُ إنْ رَضِيَ، وَإِلَّا حَجَّ وَحْدَهُ (بِلَا هَدْيٍ) عَلَيْهِ فِيهِمَا (وَلَغَا) بِالْفَتْحِ كَوَهَى فِعْلٌ لَازِمٌ يَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ يُقَالُ أَلْغَيْت الشَّيْءَ أَبْطَلْته أَيْ وَبَطَلَ قَوْلُ الشَّخْصِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ (عَلَيَّ الْمَسِيرُ) أَوْ الْإِتْيَانُ أَوْ الِانْطِلَاقُ (وَالذَّهَابُ وَالرُّكُوبُ لِمَكَّةَ) إلَّا أَنْ يَنْوِيَ إتْيَانَهَا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا فَيَلْزَمُ الْإِتْيَانُ وَيَرْكَبُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَاشِيًا فَيَلْزَمُ، وَإِنَّمَا لَغَا مَا ذَكَرَ دُونَ الْمَشْيِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا جَرَى بِلَفْظِ الْمَشْيِ دُونَ غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ الْوَارِدُ فِي السُّنَّةِ.
(وَ) لَغَا (مُطْلَقُ الشَّيْءِ) مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَكَّةَ لَفْظًا أَوْ نِيَّةً كَأَنْ يَقُولُ لِلَّهِ عَلَيَّ مَشْيٌ أَوْ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَلَيَّ مَشْيٌ (وَ) لَغَا قَوْلُهُ: عَلَيَّ (مَشْيٌ) أَيْ إتْيَانٌ (لِمَسْجِدٍ) غَيْرَ الثَّلَاثَةِ (وَإِنْ لِاعْتِكَافٍ) فِيهِ (إلَّا الْقَرِيبَ جِدًّا) بِأَنْ يَكُونَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَدُونَ (فَقَوْلَانِ) فِي لُزُومِ الْإِتْيَانِ لَهُ مَاشِيًا لِلصَّلَاةِ أَوْ الِاعْتِكَافِ وَعَدَمِ الْإِتْيَانِ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يَجِبُ فِعْلُ مَا نَذَرَهُ بِمَوْضِعِهِ كَمَنْ نَذَرَهُمَا بِمَسْجِدٍ بَعِيدٍ (تَحْتَمِلُهُمَا) أَيْ الْمُدَوَّنَةَ
ــ
[حاشية الدسوقي]
حُرًّا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ عَبْدًا لِغَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحُرِّ وَعَبْدِ الْغَيْرِ أَنَّ الْعَبْدَ يَصِحُّ مِلْكُهُ فَيُخْرِجُ عِوَضَهُ وَهُوَ قِيمَتُهُ، وَأَمَّا الْحُرُّ فَلَيْسَ مِمَّا يَصِحُّ مِلْكُهُ، وَلَا يُخْرِجُ عِوَضَهُ فَجَعَلَ عَلَيْهِ فِيهِ هَدْيٌ إذَا قَصَدَ الْقُرْبَةَ. اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَذْكُرْ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ) أَيْ فَإِنْ ذَكَرَهُ لَزِمَهُ هَدْيٌ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولُ لِلَّهِ عَلَيَّ نَحْرُ فُلَانٍ عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ أَوْ فِي مَكَّةَ أَوْ فِي مِنًى وَالْمُرَادُ بِمَقَامِ إبْرَاهِيمَ مَقَامُ الصَّلَاةِ، وَهُوَ الْحَجَرُ الَّذِي، وَقَفَ عَلَيْهِ عِنْدَ بِنَاءِ الْبَيْتِ، كَذَا قِيلَ، وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ يَدُلُّ لِذَلِكَ وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ الذِّكْرُ اللِّسَانِيُّ، وَقِيلَ إنَّ الْمُرَادَ بِمَقَامِ إبْرَاهِيمَ قِصَّتُهُ مَعَ وَلَدِهِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِذِكْرِهَا مُلَاحَظَتُهَا فَمَنْ لَاحَظَ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْهَدْيُ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ أَوْ يَنْوِهِ أَوْ يَذْكُرْ مَكَّةَ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى التَّقْرِيرِ الْأَوَّلِ لَا عَلَى الثَّانِي. اهـ عَدَوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَأَوْ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى الْوَاوِ) أَيْ إنَّ أَوْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ مَقَامَ إبْرَاهِيمِ بِمَعْنَى الْوَاوِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ لُزُومِ الْهَدْيِ عِنْدَ انْتِقَاءِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ لَا عِنْدَ انْتِفَاءِ أَحَدِهَا وَاللُّزُومُ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهَا كَذَا قَالَ الشَّارِحُ، وَلَا حَاجَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ أَوْ بَعْدَ النَّفْيِ لِنَفْيِ الْأَحَدِ الدَّائِرِ وَنَفْيُهُ بِانْتِفَاءِ الْجَمِيعِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْقَرِيبِ فِي عَدَمِ لُزُومِ الْهَدْيِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَلُزُومِهِ إنْ وُجِدَ أَحَدُهَا، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْبَاجِيَّ وَذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَخَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ ذَلِكَ التَّفْصِيلَ بِالْقَرِيبِ، وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَلَا يَلْزَمُهُ فِيهِ شَيْءٌ، وَلَوْ ذَكَرَ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ بِالْهَدْيِ أَوْ نَوَاهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْأَجْنَبِيِّ فِي لُزُومِ الْهَدْيِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ وَقَدْ رَدَّ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهَا بِلَوْ فِي قَوْلِهِ، وَلَوْ قَرِيبًا، اُنْظُرْ ح. (قَوْلُهُ: فَلَا يُبْرِيهِ) أَيْ مِنْ لُزُومِ النَّذْرِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَالْهَدْيُ فِي نَفْسِهِ وَاجِبٌ) أَيْ إنْ لَفَظَ بِالْهَدْيِ أَوْ نَوَاهُ أَوْ ذَكَرَ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ أَوْ نَوَاهُ (قَوْلُهُ: كَنَذْرِ الْحَفَاءِ) تَشْبِيهٌ بِقَوْلِهِ، وَلَا يَلْزَمُ بِمَالِي إلَخْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا رَكِبَ وَحَجَّ بِهِ) إنَّمَا يُحْمَلُ هَذَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَمَّا إذَا نَوَى إحْجَاجَهُ فَإِنَّ الْحَالِفَ لَا يَلْزَمُهُ حَجٌّ بَلْ يَدْفَعُ لِلرَّجُلِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مُؤْنَةِ الْحَجِّ فَقَطْ كَمَا فِي أَبِي الْحَسَنِ.
وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ تَارَةً يَحُجُّ الْحَالِفُ وَحْدَهُ، وَهَذَا إذَا أَرَادَ الْمَشَقَّةَ عَلَى نَفْسِهِ بِحَمْلِهِ عَلَى عُنُقِهِ وَتَارَةً يَحُجُّ الْمَحْلُوفُ بِهِ وَحْدَهُ إذَا أَرَادَ إحْجَاجَهُ مِنْ مَالِهِ وَتَارَةً يَحُجَّانِ جَمِيعًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ مَا فِي الْكَلَامِ الشَّارِحُ تَبَعًا لعبق اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ: فِيهِمَا) أَيْ فِيمَا إذَا رَضِيَ بِالْحَجِّ مَعَهُ أَوْ لَمْ يَرْضَ وَحَجَّ النَّادِرُ وَحْدَهُ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَغَا مَا ذَكَرَ دُونَ الْمَشْيِ) أَيْ مَعَ أَنَّ الْمَسِيرَ وَالذَّهَابَ مُسَاوِيَانِ لَهُ فِي الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ مُطْلَقُ الْوُصُولِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعُرْفَ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ جَرَى عُرْفٌ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَمْ يَكُنْ لَغْوٌ قَالَهُ شَيْخُنَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ أَصْلَ الْإِلْغَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَقَدْ اعْتَبَرَهَا أَشْهَبُ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَسَحْنُونٌ وَاللَّخْمِيُّ، وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ اعْتِبَارُ الرُّكُوبِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِمَكَّةَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا قَيَّدَ بِالْكَعْبَةِ لَزِمَ، وَهُوَ فَهْمُ ابْنِ يُونُسَ لِكَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ (قَوْلُهُ: وَلَغَا مُطْلَقُ الْمَشْيِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ بِانْفِرَادِهِ لَا طَاعَةَ فِيهِ، وَأَلْزَمُهُ أَشْهَبُ الْمَشْيَ لِمَكَّةَ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَكَّةَ) أَيْ فَإِنْ قَيَّدَ بِهَا لَزِمَهُ الْمَشْيُ سَوَاءٌ نَوَى صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ اعْتِكَافًا أَوْ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا بَلْ نَوَى مُطْلَقَ الْمَشْيِ لِمَكَّةَ (قَوْلُهُ: وَمَشْيٌ لِمَسْجِدٍ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ لِمَسْجِدٍ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لِاعْتِكَافٍ أَوْ صَلَاةٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ لِذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَيَفْعَلُ تِلْكَ الْعِبَادَةَ بِمَحَلِّهِ لِخَبَرِ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute