للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنَّ رَبَّهُ يُخَيَّرُ فِي الْفَاحِشِ مُطْلَقًا فِي الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ.

(وَرَفَا) الْجَانِي (الثَّوْبَ مُطْلَقًا) كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً أَفَاتَتْ الْمَقْصُودَ حَيْثُ أَرَادَ رَبُّهُ أَخْذَهُ وَنَقْصِهِ أَمْ لَمْ تُفِتْهُ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى أَرْشِ النَّقْصِ بَعْدَ رَفْوِهِ (وَفِي أُجْرَةِ الطَّبِيبِ قَوْلَانِ) قِيلَ تَلْزَمُ الْجَانِيَ عَلَى حُرٍّ، أَوْ رَقِيقٍ خَطَأً لَيْسَ فِيهِ مَالٌ مُقَرَّرٌ، أَوْ عَمْدًا لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِمَانِعٍ وَلَيْسَ فِيهِ مَالٌ مُقَرَّرٌ أَيْضًا

[دَرْسٌ] (فَصْلٌ)

(وَإِنْ زَرَعَ) غَاصِبٌ لِأَرْضٍ، أَوْ لِمَنْفَعَتِهَا (فَاسْتُحِقَّتْ) أَيْ الْأَرْضُ بِمَعْنَى قَامَ مَالِكُهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقَ الْمَعْرُوفَ الَّذِي هُوَ رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ بِثُبُوتِ مِلْكٍ قَبْلَهُ، إذْ الْكَلَامُ فِي الْغَاصِبِ، وَالْمُتَعَدِّي (فَإِنْ لَمْ يُنْتَفَعْ بِالزَّرْعِ) بِأَنْ لَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ الِانْتِفَاعَ بِهِ ظَهَرَ، أَوْ لَمْ يَظْهَرْ (أُخِذَ بِلَا شَيْءٍ) فِي مُقَابَلَةِ الْبَذْرِ، أَوْ الْعَمَلِ، وَإِنْ شَاءَ أَمَرَهُ بِقَلْعِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ بَلَغَ حَدَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَوْ لِرَعْيٍ (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَحِقِّ (قَلْعُهُ) أَيْ أَمْرُ رَبِّهِ بِقَلْعِهِ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ (إنْ لَمْ يَفُتْ وَقْتُ مَا تُرَادُ) الْأَرْضُ (لَهُ) مِمَّا زُرِعَ فِيهَا خَاصَّةً كَقَمْحٍ، أَوْ فُولٍ وَيُحْتَمَلُ مِمَّا زُرِعَ فِيهَا وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَرْجَحُ.

وَأَشَارَ لِقَسِيمِ قَوْلِهِ فَلَهُ قَلْعُهُ، وَهُوَ الشِّقُّ الثَّانِي مِنْ التَّخْيِيرِ بِقَوْلِهِ (وَلَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ) مَقْلُوعًا (عَلَى الْمُخْتَارِ) بَعْدَ إسْقَاطِ كُلْفَةِ قَلْعِهِ لَوْ قُلِعَ

ــ

[حاشية الدسوقي]

أَرْشِ النَّقْصِ لِئَلَّا يُحْرَمَ الْعَبْدُ مِنْ الْعِتْقِ (قَوْلُهُ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ) أَيْ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ (قَوْلُهُ فِي الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ) بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ.

(قَوْلُهُ الثَّوْبَ) أَيْ الَّتِي حَصَلَتْ فِيهَا الْجِنَايَةُ (قَوْلُهُ أَمْ لَمْ تُفِتْهُ) أَيْ وَتَعَيَّنَ أَخْذُهُ مَعَ نَقْصِهِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَوْنِ الْجَانِي يَلْزَمُهُ الرَّفْوُ فِي الْيَسِيرِ كَالْكَثِيرِ قَوْلُ عَبْدِ الْحَقِّ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ يُونُسَ بِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ إذْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّ الْجِنَايَةَ إذَا كَانَتْ يَسِيرَةً لَا يَلْزَمُ الْجَانِيَ رَفْوٌ، بَلْ أَرْشُ النَّقْصِ فَقَطْ اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى أَرْشِ النَّقْصِ بَعْدَ رَفْوِهِ) أَيْ فَيَأْخُذُهُ رَبُّهُ مَعَ أَخْذِ الثَّوْبِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ تَعَدَّى عَلَى ثَوْبِ شَخْصٍ فَأَفْسَدَهُ إفْسَادًا كَثِيرًا بِخَرْقِهِ، أَوْ شَرْمَطَتِهِ لَهُ، وَأَرَادَ رَبُّهُ أَخْذَهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ، أَوْ أَفْسَدَهُ يَسِيرًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَرْفُوهُ وَلَوْ زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ، ثُمَّ يَأْخُذَهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ الرَّفْوِ وَيَأْخُذَ أَرْشَ النَّقْصِ بَعْدَ الرَّفْوِ إنْ حَصَلَ بَعْدَهُ نَقْصٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجَانِيَ يَلْزَمُهُ شَيْئَانِ الرَّفْوُ، وَأَرْشُ النَّقْصِ بَعْدَ الرَّفْوِ لَا أَرْشُهُ قَبْلَهُ إذْ هُوَ كَثِيرٌ فَفِيهِ ظُلْمٌ عَلَى الْجَانِي وَبَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَرْقٌ مَثَلًا أَرْشُ النَّقْصِ قَبْلَ الرَّفْوِ عَشَرَةٌ وَبَعْدَهُ خَمْسَةٌ وَأُجْرَةُ الرَّفْوِ دِرْهَمٌ فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ أُجْرَةُ الرَّفْوِ وَخَمْسَةٌ أَرْشُهُ فِي نَقْصِهِ بَعْدَهُ لَا الْعَشَرَةُ الَّتِي هِيَ أَرْشُهُ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ وَفِي أُجْرَةِ الطَّبِيبِ) أَيْ وَقِيمَةِ الدَّوَاءِ (قَوْلُهُ قِيلَ تَلْزَمُ الْجَانِيَ أَيْ عَلَى حُرٍّ، أَوْ رَقِيقٍ) أَيْ، ثُمَّ يُنْظَرُ بَعْدَ الْبُرْءِ فَإِنْ بَرِئَ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا الْأَدَبَ فِي الْعَمْدِ، وَإِنْ بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ غَرِمَ النَّقْصَ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الرَّاجِحُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي عَدَمُ لُزُومِ الْأُجْرَةِ وَقِيمَةِ الدَّوَاءِ، ثُمَّ يُنْظَرُ بَعْدَ الْبُرْءِ فَإِنْ بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ غَرِمَ النَّقْصَ، وَإِنْ بَرِئَ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ خَطَأً إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي جُرْحٍ خَطَأٍ لَيْسَ فِيهِ مَالٌ مُقَرَّرٌ، أَوْ عَمْدٌ لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَإِمَّا لِإِتْلَافِهِ، أَوْ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ، أَوْ لِعَدَمِ الْمِثْلِ وَلَيْسَ فِيهِ مَالٌ مُقَرَّرٌ أَيْضًا أَمَّا لَوْ كَانَ فِيهِ مَالٌ مُقَرَّرٌ فَإِنَّ الْجَانِيَ لَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْقِصَاصُ فَإِنَّمَا يُقْتَصُّ مِنْ الْجَانِي وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ اتِّفَاقًا.

[فَصَلِّ زَرْع غَاصِب الْأَرْض أَوْ لِمَنْفَعَتِهَا فَاسْتَحَقَّتْ الْأَرْض]

(فَصْلٌ، وَإِنْ زَرَعَ فَاسْتُحِقَّتْ) (قَوْلُهُ غَاصِبٌ لِأَرْضٍ) أَيْ لِذَاتِهَا، إنَّمَا خُصَّ الْكَلَامُ بِالْغَاصِبِ، وَالْمُتَعَدِّي؛ لِأَنَّهُ الْمُصَنِّفُ شَبَّهَ بِهِ ذَا الشُّبْهَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالزَّارِعُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ إمَّا غَاصِبٌ، أَوْ مُتَعَدٍّ، أَوْ ذُو شُبْهَةٍ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ إلَخْ) .

قَالَ بْن الصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِحْقَاقِ هُنَا الِاسْتِحْقَاقُ الْمَعْرُوفُ إذْ الْمُرَادُ بِالْمِلْكِ الْمِلْكُ وَلَوْ بِحَسْبِ الظَّاهِرِ، أَوْ مُطْلَقُ الْكَوْنِ تَحْتَ الْيَدِ مَجَازًا بِقَرِينَةِ إضَافَةِ الرَّفْعِ إلَيْهِ إذْ الْمِلْكُ الْحَقِيقِيُّ لَا يُرْفَعُ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ بِثُبُوتِ مِلْكٍ) أَخْرَجَ بِهِ رَفْعَ الْمِلْكِ بِالْعِتْقِ قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ الْمِلْكِ الْمَرْفُوعِ أَخْرَجَ بِهِ رَفْعَ الْمِلْكِ بِثُبُوتِ مِلْكٍ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْبَيْعِ، وَالْإِرْثِ (قَوْلُهُ إذْ الْكَلَامُ فِي الْغَاصِبِ، وَالْمُتَعَدِّي) أَيْ وَلَا مِلْكَ لَهُمَا حَتَّى يُرْفَعَ (قَوْلُهُ، وَإِنْ شَاءَ أَمَرَهُ بِقَلْعِهِ) أَيْ فَالْخِيَارُ لِلْمُسْتَحِقِّ لَا لِلزَّارِعِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إبْقَائِهِ فِي الْأَرْضِ بِكِرَاءٍ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِبَيْعِ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَفُتْ وَقْتٌ مَا) أَيْ وَقْتُ زَرْعٍ تُرَادُ لَهُ، وَهَذَا شَرْطٌ فِي قَوْلِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ بِلَا شَيْءٍ وَفِي قَوْلِهِ فَلَهُ قَلْعُهُ (قَوْلُهُ مِمَّا زُرِعَ فِيهَا خَاصَّةً كَقَمْحٍ إلَخْ) فَإِنْ فَاتَ إبَّانُ مَا زُرِعَ فِيهَا مِنْ قَمْحٍ، أَوْ فُولٍ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُكَلِّفَ الْغَاصِبَ قَلْعَهُ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ تُزْرَعَ مَقْثَأَةً، أَوْ شَيْئًا آخَرَ غَيْرَ مَا زُرِعَ فِيهَا (قَوْلُهُ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَرْجَحُ) أَيْ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ تَابِعُ أَتْبَاعِ الْإِمَامِ وَحَمَلَ عَبْدُ الْحَقِّ الْمُدَوَّنَةِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ) .

قَالَ عبق وَكَمَا لَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ لَهُ إبْقَاؤُهُ لِزَارِعِهِ، وَأَخْذُ كِرَاءِ السَّنَةِ مِنْهُ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ بُلُوغُ الزَّرْعِ حَدَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَمْ يَفُتْ وَقْتُ مَا تُرَادُ لَهُ الْأَرْضُ دُونَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فِي الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ الزَّرْعُ حَدَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ إبْقَاؤُهُ، وَأَخْذُ كِرَائِهَا مِنْهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِيهِ يُؤَدِّي لِبَيْعِ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ لَمَّا مَكَّنَهُ الشَّرْعُ مِنْ أَخْذِهِ بِلَا شَيْءٍ فَأَبْقَاهُ لِزَارِعِهِ بِكِرَاءٍ كَانَ ذَلِكَ الْكِرَاءُ عِوَضًا عَنْهُ فِي الْمَعْنَى فَهُوَ بَيْعٌ لَهُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُخْتَارِ) أَيْ عَلَى مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِينَ.

وَقِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>