عَلَى مَنْ تَعْتِقُ بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ وَمَنْ قَالَ بِتَعْجِيلِ عِتْقِهَا، وَلَا مَفْهُومَ لِفَرٍّ وَلَا لِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ أَوْ هَرَبَ لِغَيْرِ دَارِ الْحَرْبِ فَكَذَلِكَ فَالْمَدَارُ عَلَى عَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِتَابَتِهِ.
(وَلَا تَجُوزُ) (كِتَابَتُهَا) أَيْ أُمِّ الْوَلَدِ أَيْ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَفُسِخَتْ (وَعَتَقَتْ إنْ) (أَدَّتْ) نُجُومَ الْكِتَابَةِ وَفَاتَ الْفَسْخُ حِينَئِذٍ وَلَا رُجُوعَ لَهَا فِيمَا أَدَّتْهُ إذْ لَهُ انْتِزَاعُ مَالِهَا مَا لَمْ يَمْرَضْ وَأَمَّا بِرِضَاهَا فَيَجُوزُ عَلَى الرَّاجِحِ؛ لِأَنَّ عَجْزَهَا عَنْ الْكِتَابَةِ لَا يُخْرِجُهَا عَمَّا ثَبَتَ لَهَا مِنْ أُمُومَةِ الْوَلَدِ.
(دَرْسٌ) (فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْوَلَاءِ) وَعَرَّفَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» وَاللُّحْمَةُ بِضَمِّ اللَّامِ عَلَى الْأَفْصَحِ وَقَدْ تُفْتَحُ أَيْ نِسْبَةٌ وَارْتِبَاطٌ كَنِسْبَةِ وَارْتِبَاطِ النَّسَبِ كَالْبُنُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْبُنُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (الْوَلَاءُ) ثَابِتٌ (لِمُعْتِقٍ) تَنْجِيزًا أَوْ تَأْجِيلًا أَوْ تَدْبِيرًا أَوْ كِتَابَةً أَوْ بِسِرَايَةٍ أَوْ تَمْثِيلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (وَإِنْ) كَانَ (بِبَيْعٍ) لِلْعَبْدِ (مِنْ نَفْسِهِ) بِعِوَضٍ مِنْ الْعَبْدِ يَدْفَعُهُ لِسَيِّدِهِ مُعَجَّلٌ أَوْ مُؤَجَّلٌ (أَوْ) كَانَ بِسَبَبِ (عِتْقِ غَيْرٍ) أَيْ غَيْرِهِ (عَنْهُ بِلَا إذْنٍ) فَأَوْلَى بِإِذْنٍ فَهَذَا دَاخِلٌ فِي الْإِعْيَاءِ، وَعِتْقُ الْغَيْرِ يَشْمَلُ النَّاجِزَ وَلِأَجَلٍ وَالْكِتَابَةَ وَالتَّدْبِيرَ كَأَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ مُعْتَقٌ لِأَجَلٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ مُدَبَّرٍ عَنْ فُلَانٍ
ــ
[حاشية الدسوقي]
أَسْلَمَ عَادَتْ لَهُ وَإِنْ مَاتَ كَانَتْ فَيْئًا.
(قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ) أَيْ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ بِتَعْجِيلِ عِتْقِهَا بِالْحُكْمِ إذَا فَرَّ لِدَارِ الْحَرْبِ وَلَا تُوقَفُ حَتَّى يُسْلِمَ أَوْ يَمُوتَ وَأَمَّا قَوْلُهُ يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ أَيْ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى حُكْمٍ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ) أَيْ مُكْرَهًا عَلَى دُخُولِهَا.
(قَوْلُهُ فَالْمَدَارُ) أَيْ فِي الْوَقْفِ عَلَى عَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِتَابَتِهِ فَمَتَى ارْتَدَّ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ اسْتِتَابَتِهِ فَإِنَّ أُمَّ وَلَدِهِ وَكَذَا أَمَتَهُ الْقِنَّ تُوقَفُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ بِرِدَّتِهِ
(قَوْلُهُ أَيْ بِغَيْرِ رِضَاهَا) اعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُكَاتِبَهَا فَظَاهِرٌ بِرِضَاهَا أَوْ بِغَيْرِ رِضَاهَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَعَلَيْهِ عَبْدُ الْحَقِّ وَحَمَلَهَا اللَّخْمِيُّ عَلَى عَدَمِ رِضَاهَا وَيَجُوزُ بِرِضَاهَا وَنَحْوِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ الْمُوَافِقَ لِلْمُدَوَّنَةِ فِي الْإِطْلَاقِ اُنْظُرْ بْن.
(قَوْلُهُ وَعَتَقَتْ إنْ أَدَّتْ نُجُومَ الْكِتَابَةِ) أَيْ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى تِلْكَ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ.
[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْوَلَاءِ]
ِ (قَوْلُهُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ) أَيْ نِسْبَةٌ وَارْتِبَاطٌ بَيْنَ الْعَتِيقِ وَمُعْتِقِهِ وَقَوْلُهُ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ كَالِارْتِبَاطِ الَّذِي هُوَ النَّسَبُ أَيْ كَالنَّسَبِ الَّذِي بَيْنَ الْأَبِ وَابْنِهِ، وَوَجْهُ الشُّبْهَةِ أَنَّ الْعَبْدَ حِينَ كَوْنِهِ رَقِيقًا كَالْمَعْدُومِ فِي نَفْسِهِ لِكَوْنِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْأَحْرَارِ وَالْمُعْتِقُ صَيَّرَهُ مَوْجُودًا كَمَا أَنَّ الْوَلَدَ كَانَ مَعْدُومًا وَالْأَبُ تَسَبَّبَ فِي وُجُودِهِ.
(قَوْلُهُ وَارْتِبَاطُ النَّسَبِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ الْوَلَاءُ لِمُعْتِقٍ) أَيْ وَلَوْ نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ فَنَفْيُهُ عَنْهُ لَغْوٌ كَأَنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ وَلَا وَلَاءَ لِي عَلَيْك خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ الْقَصَّارِ أَنَّ الْوَلَاءَ حِينَئِذٍ لِلْمُسْلِمِينَ كَذَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ إذَا كَانَ مُعَرَّفًا بِ أَلْ الْجِنْسِيَّةِ وَكَانَ خَبَرُهُ ظَرْفًا أَوْ جَارًّا وَمَجْرُورًا أَفَادَ الْحَصْرَ أَيْ حَصَرَ الْمُبْتَدَأَ فِي الْخَبَرِ كَالْكَرَمِ فِي الْعَرَبِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ قُرَيْشٍ أَيْ لَا كَرَمَ إلَّا فِي الْعَرَبِ وَلَا أَئِمَّةَ إلَّا مِنْ قُرَيْشٍ وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا وَلَاءَ إلَّا لِمُعْتِقٍ لَا لِغَيْرِهِ وَيَرِدُ عَلَى ذَلِكَ الْحَصْرِ ثُبُوتُ الْوَلَاءِ لِعَصَبَةِ الْمُعْتِقِ وَمَنْ أَعْتَقَ عَنْهُ غَيْرُهُ بِلَا إذْنٍ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِتْقِ وَالْمُعْتِقِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَمَنْ أَعْتَقَ عَنْهُ غَيْرُهُ بِلَا إذْنٍ وَالْمُنْجَرُّ إلَيْهِ الْوَلَاءُ مِنْ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ فِي حُكْمِ الْمُعْتِقِ أَوْ الْحَصْرُ إضَافِيٌّ أَيْ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ لَا لِغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا فَإِذَا بَاعَ شَخْصٌ عَبْدًا وَشَرَطَ عَلَى مُشْتَرِيهِ أَنْ يَعْتِقَهُ وَيَجْعَلَ الْوَلَاءَ لَهُ فَلَا يَلْزَمُ الشَّرْطُ، وَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَهُ لَا لِلْبَائِعِ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْهُ، وَكَوْنُ الْأَجْنَبِيِّ لَا وَلَاءَ لَهُ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ الْوَلَاءِ لِمَنْ أَعْتَقَ عَنْهُ غَيْرُهُ وَلِمَنْ انْجَرَّ لَهُ مِنْ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ الْوَلَاءُ لِمُعْتِقٍ مُسْتَغْرَقُ الذِّمَّةِ بِالتَّبِعَاتِ فَوَلَاءُ مَنْ أَعْتَقَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَجْرُ الْعِتْقِ لِأَرْبَابِ التَّبِعَاتِ وَهَذَا إذَا جُهِلَ أَرْبَابُ التَّبِعَاتِ فَإِنْ عُلِمُوا أَنْ أَجَازُوا عِتْقَهُ مَضَى وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُمْ وَإِنْ رَدُّوهُ رَدَّ وَاقْتَسَمُوا مَالَهُ.
(قَوْلُهُ لِمُعْتِقٍ) أَيْ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى.
(قَوْلُهُ أَوْ بِسِرَايَةٍ) أَيْ كَمَا فِي عِتْقِ الْجُزْءِ.
(قَوْلُهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ كَقَرَابَةٍ أَوْ اسْتِيلَادٍ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ) أَيْ الْعِتْقُ بِسَبَبِ بَيْعٍ لِلْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ فَإِذَا بَاعَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ مِنْ نَفْسِهِ بِمَالٍ وَخَرَجَ ذَلِكَ الْعَبْدُ حُرًّا فَالْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ الَّذِي بَاعَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَعْتَقَهُ بِسَبَبِ بَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا بَالَغَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ مِنْهُ الْمَالَ فَلَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ فَأَفَادَ بِالْمُبَالَغَةِ أَنَّ لَهُ الْوَلَاءَ عَلَيْهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى نَزْعِهِ مِنْهُ وَبَقَائِهِ رَقِيقًا. (قَوْلُهُ أَوْ مُؤَجَّلٍ) أَيْ سَوَاءٌ رَضِيَ بِهِ الْعَبْدُ أَوْ لَا وَمَا فِي عبق مِنْ تَقْيِيدِ الْمُؤَجَّلِ بِكَوْنِ الْعَبْدِ رَضِيَ بِهِ فَهُوَ سَهْوٌ كَمَا قَالَ بْن؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الرِّضَا إنَّمَا هُوَ فِي خُصُوصِ أُمِّ الْوَلَدِ تَعْتِقُ عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ وَأَمَّا الْقِنُّ فَتَعْتِقُهُ عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ مُعَجَّلٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاهُ. (قَوْلُهُ فَهَذَا دَاخِلٌ إلَخْ) أَيْ إنَّ قَوْلَهُ بِلَا إذْنٍ دَاخِلٍ فِي الْإِعْيَاءِ وَبِجَعْلِهِ دَاخِلًا فِي الْإِعْيَاءِ لَمْ يَأْتِ الْمُصَنِّفُ بِإِنْ وَحِينَئِذٍ فَيَنْدَفِعُ قَوْلُ الْبِسَاطِيِّ. (قَوْلُهُ بِلَا إذْنٍ) لَيْسَ بِجَيِّدٍ وَالْأَحْسَنُ لَوْ قَالَ وَإِنْ بِلَا إذْنٍ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ مَوْجُودٌ فِيمَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ وَمَا بَعْدَهَا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ خِلَافًا لِمَا فِي عبق مِنْ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ فَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ عَنْهُ اتِّفَاقًا وَنَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ أَبُو عُمَرَ