فَقِيلَ يُسْقِطُهَا مُضِيُّ عِشْرِينَ عَامًا وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَقِيلَ مُضِيُّ ثَلَاثِينَ وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ أَصْلًا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يُسْقِطُهَا السَّنَتَانِ بَعِيدٌ جِدًّا وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْأَظْهَرَ فِي ذَلِكَ الِاجْتِهَادُ بِالنَّظَرِ فِي حَالِ الزَّمَنِ وَحَالِ النَّاسِ وَحَالِ الدِّينِ فَنَحْوُ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ أَقَلَّ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ النَّاسِ تَقْتَضِي الْأَعْضَاءَ وَالتَّرْكَ وَنَحْوُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ قَدْ لَا تَقْتَضِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
[دَرْسٌ] (بَابٌ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاءِ، وَالْقِصَاصِ) وَأَرْكَانُ الْقِصَاصِ ثَلَاثَةٌ الْجَانِي وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ، وَالْعِصْمَةُ، وَالْمُكَافَأَةُ، وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَشَرْطُهُ الْعِصْمَةُ، وَالْجِنَايَةُ وَشَرْطُهَا الْعَمْدُ، وَالْعُدْوَانُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى ذَلِكَ وَبَدَأَ بِالرُّكْنِ الْأَوَّلِ وَشُرُوطِهِ بِقَوْلِهِ (إنْ) (أَتْلَفَ مُكَلَّفٌ) أَيْ بَالِغٌ عَاقِلٌ وَلَوْ سَكِرَ حَرَامًا نَفْسًا، أَوْ طَرَفًا (وَإِنْ رَقَّ) الْمُكَلَّفُ فَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِمِثْلِهِ وَبِحُرٍّ إنْ شَاءَ الْوَلِيُّ وَلَهُ اسْتِحْيَاؤُهُ كَمَا سَيَأْتِي وَأَمَّا الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ فَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ عَمْدَهُمَا وَخَطَأَهُمَا سَوَاءٌ عَلَى أَنَّهُ لَا عَمْدَ لِلْمَجْنُونِ وَلِذَا لَوْ كَانَ يُفِيقُ أَحْيَانَا وَجَنَى حَالَ إفَاقَتِهِ اُقْتُصَّ مِنْهُ حَالَ إفَاقَتِهِ فَإِنْ جُنَّ بَعْدَ الْجِنَايَةِ اُنْتُظِرَتْ إفَاقَتُهُ فَإِنْ لَمْ يُفِقْ، فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَالسَّكْرَانُ بِحَلَالٍ كَالْمَجْنُونِ (غَيْرُ حَرْبِيٍّ) وَصْفٌ لِلْمُكَلَّفِ، فَالْحَرْبِيُّ لَا يُقْتَلُ قِصَاصًا بَلْ يُهْدَرُ دَمُهُ وَعَدَمُ عِصْمَتِهِ وَلِذَا لَوْ جَاءَ تَائِبًا بِإِيمَانٍ، أَوْ أَمَانٍ لَمْ يُقْتَلْ (وَلَا زَائِدُ حُرِّيَّةٍ) عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (أَوْ) زَائِدُ (إسْلَامٍ) بِأَنْ كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ فِيهِمَا
ــ
[حاشية الدسوقي]
كَانَ لَهُ حَقُّهُ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَالرَّدِّ وَإِنْ قَامَ بَعْدَ عَامٍ وَنَحْوِهِ مِنْ عِلْمِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَاخْتُلِفَ فِي الْكِتَابَةِ هَلْ تُحْمَلُ عَلَى الْعِتْقِ فَيَجْرِي فِيهَا مَا جَرَى فِيهِ أَوْ تُحْمَلُ عَلَى الْبَيْعِ فَيُقَالُ فِيهَا مَا قِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ (قَوْلُهُ مَضَى عِشْرِينَ عَامًا) أَيْ مَعَ حُضُورِ رَبِّهَا وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الطَّلَبِ بِهَا وَلَيْسَ لَهُ مَا يَمْنَعُهُ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ مَضَى ثَلَاثِينَ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْمُرَادُ مُضِيُّهَا مَعَ حُضُورِ رَبِّهَا وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الطَّلَبِ بِهَا (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ إلَخْ) هَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَنَصُّهُ إذَا تَقَرَّرَ الدَّيْنُ فِي الذِّمَّةِ وَثَبَتَ فِيهَا لَا يَبْطُلُ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ وَكَانَ رَبُّهُ حَاضِرًا سَاكِتًا قَادِرًا عَلَى الطَّلَبِ بِهِ لِعُمُومِ خَبَرِ «لَا يَبْطُلُ حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَإِنْ قَدُمَ» اهـ وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ التُّونُسِيُّ وَالْغُبْرِينِيُّ وَفِي الْمِعْيَارِ سُئِلَ سَيِّدِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْدُوسِيُّ عَمَّنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ بِرَسْمٍ وَلِلرَّسْمِ الْمَذْكُورِ مُدَّةُ نَحْوَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَمْ يَدَّعِ الْمِدْيَانُ قَضَاءَهُ وَرَبُّهُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ يَمْنَعُهُ مِنْ الطَّلَبِ بِهِ فَهَلْ يَبْطُلُ الدَّيْنُ بِتَقَادُمِ عَهْدِهِ أَمْ لَا فَأَجَابَ طُولُ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُبْطِلُ الدَّيْنَ عَنْ الْمِدْيَانِ الْمَذْكُورِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ بِرَسْمٍ وَطَالَتْ الْمُدَّةُ جِدًّا وَادَّعَى الْمِدْيَانُ قَضَاءَهُ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْقَضَاءِ مِنْ غَيْبَةٍ أَوْ إكْرَاهٍ أَوْ إنْكَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَقِيلَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْقَضَاءِ مَعَ يَمِينِهِ وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ رَسْمٍ فَقِيلَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْقَضَاءِ مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ مُحْتَاجًا وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ مَلِيًّا وَكَانَا حَاضِرَيْنِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مَا يَمْنَعُ مِنْ الطَّلَبِ اهـ كَلَامُ الْمِعْيَارِ.
[بَابٌ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاءِ وَالْقِصَاصِ وَأَرْكَانه]
بَابٌ فِي الدِّمَاءِ (قَوْلُهُ: وَأَرْكَانُ الْقِصَاصِ) أَيْ، وَالْأَرْكَانُ الَّتِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا تَحَقُّقُ الْقِصَاصِ (قَوْلُهُ: الْجَانِي) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ إلَّا مِنْ جَانٍ (قَوْلُهُ وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ، وَالْعِصْمَةُ) أَيْ بِإِيمَانٍ، أَوْ أَمَانٍ، فَالْمُرَادُ عِصْمَةٌ مَخْصُوصَةٌ وَقَوْلُهُ، وَالْمُكَافَأَةُ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ زَائِدٍ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِحُرِّيَّةٍ، أَوْ إسْلَامٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الْمُسَاوَاةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ الْمُرَادُ بِهَا مُكَافَأَةٌ مَخْصُوصَةٌ، وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَالْإِسْلَامِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، أَوْ نَقْصُهُ عَنْهُ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى ذَلِكَ) أَيْ إلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ وَشُرُوطِهَا (قَوْلُهُ: نَفْسًا، أَوْ طَرَفًا) الْأَوْلَى حَذْفُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي مَعْصُومًا عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي النَّفْسِ فَقَطْ، وَالْأَطْرَافُ، وَالْجِرَاحَاتُ سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِهِ هُنَا (قَوْلُهُ: فَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِمِثْلِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ فِي الْقَاتِلِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ؛ إذْ لَا عِبْرَةَ بِهَا فَتُقْتَلُ أُمُّ الْوَلَدِ مَثَلًا بِالْقِنِّ، وَالْعَكْسُ.
(قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ الْوَلِيُّ) أَيْ وَلِيُّ الْحُرِّ، وَالْعَبْدِ (قَوْلُهُ: وَلَهُ اسْتِحْيَاؤُهُ) أَيْ وَلِوَلِيِّ الْحُرِّ، وَالْعَبْدِ الْمَقْتُولِ أَنْ يَسْتَحْيِ ذَلِكَ الْعَبْدَ الْقَاتِلَ وَحِينَئِذٍ فَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُ فِي إسْلَامِهِ فِي الْجِنَايَةِ وَفِي فِدَائِهِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ وَدِيَةِ الْحُرِّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الصَّبِيُّ إلَخْ) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ مُكَلَّفٌ (قَوْلُهُ فَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُمَا) أَيْ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا (قَوْلُهُ: اُنْتُظِرَتْ إفَاقَتُهُ) أَيْ وَاقْتُصَّ مِنْهُ بَعْدَهَا (قَوْلُهُ: كَالْمَجْنُونِ) أَيْ فَلَا يُقْتَلُ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
(قَوْلُهُ: فَالْحَرْبِيُّ لَا يُقْتَلُ قِصَاصًا) أَيْ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ بَلْ يُهْدَرُ إلَخْ) أَيْ بَلْ يُقْتَلُ بِسَبَبِ هَدْرِ دَمِهِ وَقَوْلُهُ (وَعَدَمُ عِصْمَتِهِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ: وَلِذَا) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ قَتْلَهُ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ هَدْرِ دَمِهِ وَعَدَمِ عِصْمَتِهِ لَوْ جَاءَ أَيْ بَعْدَ جِنَايَتِهِ وَقَوْلُهُ (بِإِيمَانٍ) أَيْ مُلْتَبِسًا بِإِيمَانٍ وَقَوْلُهُ (لَمْ يُقْتَلْ) أَيْ بِمَنْ قَتَلَهُ قَبْلَ تَوْبَتِهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا زَائِدُ حُرِّيَّةٍ) بِالرَّفْعِ بِعَطْفِ لَا عَلَى غَيْرِ؛ لِأَنَّ لَا اسْمٌ بِمَعْنَى غَيْرِ ظَهَرَ إعْرَابُهَا فِيمَا بَعْدَهَا، أَوْ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى حَرْبِيٍّ وَلَا زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ (قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ فِيهِمَا) فَيُقْتَلُ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ زَائِدًا بِمَزِيَّةٍ كَعِلْمٍ، أَوْ شَجَاعَةٍ وَنَحْوِهِمَا وَيُقْتَلُ الْحُرُّ الْكَافِرُ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute