للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دَرْسٌ] (بَابٌ) فِي الْغَصْبِ، وَأَحْكَامِهِ

(الْغَصْبُ أَخْذُ مَالٍ) أَيْ اسْتِيلَاءٌ عَلَيْهِ (قَهْرًا) عَلَى وَاضِعِ يَدِهِ عَلَيْهِ (تَعَدِّيًا) أَيْ ظُلْمًا (بِلَا حِرَابَةٍ) فَأَخْذُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الْغَصْبَ وَغَيْرَهُ كَأَخْذِ إنْسَانٍ مَالَهُ مِنْ مُودِعٍ، أَوْ مَدِينٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ، وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ أَيْ أَخْذُ آدَمِيٍّ مَالًا، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ الْمَالِ الذَّوَاتُ فَخَرَجَ التَّعَدِّي، وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ كَسُكْنَى دَارٍ وَرُكُوبِ دَابَّةٍ مَثَلًا وَقَوْلُهُ قَهْرًا حَالٌ مُقَارِنَةٌ لِعَامِلِهَا خَرَجَ بِهِ السَّرِقَةُ وَنَحْوُهَا إذْ لَا قَهْرَ حَالَ الْأَخْذِ. وَإِنْ حَصَلَ الْقَهْرُ بَعْدَهُ كَمَا خَرَجَ الْمَأْخُوذُ اخْتِيَارًا كَعَارِيَّةٍ وَسَلَفٍ، وَهِبَةٍ وَقَوْلُهُ تَعَدِّيًا خَرَجَ بِهِ الْمَأْخُوذُ قَهَرَا بِحَقٍّ كَالدَّيْنِ مِنْ مَدِينٍ مُمَاطِلٍ، أَوْ مِنْ غَاصِبٍ، وَالزَّكَاةِ كُرْهًا مِنْ مُمْتَنِعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْقُيُودُ تَشْمَلُ الْحِرَابَةَ قَالَ بِلَا حِرَابَةٍ لِإِخْرَاجِهَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا غَيْرُ حَقِيقَةِ الْغَصْبِ مِنْ حَيْثُ تَرَتُّبِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْحِرَابَةَ دُونَ الْغَصْبِ.

(وَأُدِّبَ) غَاصِبٌ (مُمَيِّزٌ) صَغِيرٌ، أَوْ كَبِيرٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَمَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَمْ يُمَيِّزْ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ عَفَا عَنْهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، وَإِنَّمَا أُدِّبَ الصَّبِيُّ؛ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ الْفَسَادِ، وَإِصْلَاحِ حَالِهِ كَمَا تُضْرَبُ الدَّابَّةُ لِذَلِكَ (كَمُدَّعِيهِ) أَيْ كَمَا يُؤَدَّبُ مُدَّعِي الْغَصْبِ (عَلَى صَالِحٍ) ، وَهُوَ مَنْ لَا يُتَّهَمُ بِهِ لَا خُصُوصُ الصَّالِحِ عُرْفًا، وَهُوَ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادِهِ حَسْبَ الْإِمْكَانِ بِخِلَافِ مُدَّعِيهِ عَلَى فَاسِقٍ، أَوْ مَجْهُولِ حَالٍ فَلَا يُؤَدَّبُ وَحَلَفَ الْفَاسِقُ إنْ لَمْ تَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، وَإِلَّا ضَمِنَ إنْ حَلَفَ الْمُدَّعِي (وَفِي حَلِفِ الْمَجْهُولِ) (قَوْلَانِ) قِيلَ يَحْلِفُ لِيَبْرَأَ مِنْ الْغُرْمِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاسْتَحَقَّ فَإِنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ

ــ

[حاشية الدسوقي]

[بَابٌ فِي الْغَصْبِ وَأَحْكَامِهِ]

بَابٌ فِي الْغَصْبِ) (قَوْلُهُ فِي الْغَصْبِ) أَيْ فِي بَيَانِ حَقِيقَتِهِ (قَوْلُهُ أَيْ اسْتِيلَاءٌ عَلَيْهِ) يَعْنِي لَيْسَ الْأَخْذُ الْحِسِّيُّ بِالْفِعْلِ لَازِمًا، بَلْ مَتَى حَالَ الظَّالِمُ بَيْنَ الْمَالِ وَرَبِّهِ وَلَوْ أَبْقَاهُ بِمَوْضِعِهِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ رَبُّهُ كَانَ غَاصِبًا وَاعْتِرَاضُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَخْذُ مَالٍ إلَخْ بِأَنَّهُ يَشْمَلُ أَخْذَ الْمَنَافِعِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا مُتَمَوَّلَةٌ يُعَاوَضُ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّهُ تَعَدٍّ، وَالْغَصْبُ لِلذَّاتِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَخْذُ مَالٍ غَيْرَ مَنْفَعَةٍ لِأَجْلِ إخْرَاجِ التَّعَدِّي فَأَجَابَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ، وَالْمُتَبَادَرُ إلَخْ (قَوْلُهُ أَخْذِ آدَمِيٍّ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًّا سَوَاءٌ كَانَ أَجْنَبِيًّا، أَوْ قَرِيبًا غَيْرَ، وَالِدٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ ذَلِكَ الْآدَمِيِّ بَالِغًا (قَوْلُهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ) أَيْ وَخَرَجَ نَحْوُ ذَلِكَ كَأَخْذِ الْأَبِ الْغَنِيِّ، وَالْجَدِّ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ قَهْرًا عَنْهُ فَلَا يُسَمَّى غَصْبًا، وَإِنَّمَا خَرَجَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَدِّيًا؛ لِأَنَّ الْمُتَعَدِّيَ مَنْ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي الْأَخْذِ شَرْعِيَّةً، وَالْأَبَ، وَالْجَدَّ لَهُمَا شُبْهَةٌ لِخَبَرِ: «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» . وَحِينَئِذٍ فَلَا يُحْكَمُ لِذَلِكَ بِحُكْمِ الْغَصْبِ، وَهُوَ الْحُرْمَةُ، وَالْأَدَبُ.

(قَوْلُهُ وَأُدِّبَ) أَيْ وُجُوبًا بَعْدَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ مَا غَصَبَهُ (قَوْلُهُ صَغِيرٌ، أَوْ كَبِيرٌ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا، أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ وَقِيلَ غَيْرُ الْبَالِغِ لَا يُؤَدَّبُ وَحَكَى الْقَوْلَيْنِ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ شَعْبَانَ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ) أَيْ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ فَلَا يُؤَدَّبُ.

(قَوْلُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) عِلَّةٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأُدِّبَ مُمَيِّزٌ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَجْرِي فِي الْبَالِغِ، وَالصَّغِيرِ وَقَوْلُهُ بَعْدُ، وَإِنَّمَا إلَخْ عِلَّةٌ أُخْرَى لِتَأْدِيبِ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَفَا عَنْهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ) أَيْ خِلَافًا لِلْمُتَيْطِيِّ حَيْثُ قَالَ لَا يُؤَدَّبُ إذَا عَفَا عَنْهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ (قَوْلُهُ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ) أَيْ وَتَأْدِيبُ الْغَاصِبِ الْمُمَيِّزِ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فَلَا يُحَدُّ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْأَسْوَاطِ كَالْحُدُودِ (قَوْلُهُ كَمُدَّعِيهِ عَلَى صَالِحٍ) .

قَالَ فِي النَّوَادِرِ مَحَلُّ أَدَبِ مَنْ ادَّعَاهُ عَلَى صَالِحٍ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى وَجْهِ الْمُشَاتَمَةِ لَا إنْ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ التَّظَلُّمِ نَقَلَهُ بْن فَإِذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ الْغَصْبُ عَلَى وَجْهِ التَّظَلُّمِ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، بَلْ إنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً غَرِمَ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ، وَهُوَ مَنْ لَا يُتَّهَمُ بِهِ) أَيْ وَلَوْ اُتُّهِمَ بِغَيْرِهِ كَزِنًا وَسُكْرٍ، قَالَهُ شَيْخُنَا.

وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالصَّالِحِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ، وَالدِّينِ، فَعَلَى هَذَا لَا يُؤَدَّبُ مَنْ ادَّعَاهُ عَلَى مَنْ يُتَّهَمُ بِالزِّنَا، وَالسُّكْرِ.

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مُدَّعِيهِ عَلَى فَاسِقٍ) أَيْ، وَهُوَ مَنْ يُشَارُ إلَيْهِ بِالْغَصْبِ وَلَمْ يَكُنْ مُشْتَهِرًا بِهِ (قَوْلُهُ، أَوْ مَجْهُولِ حَالٍ) ، وَهُوَ مَنْ لَا يُعْرَفُ بِخَيْرٍ وَلَا بِشَرٍّ (قَوْلُهُ وَحَلَفَ الْفَاسِقُ) أَيْ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ شَخْصٌ أَنَّهُ غَصَبَ كَذَا وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ تَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْفَاسِقِ بِالْغَصْبِ (قَوْلُهُ، وَإِلَّا ضَمِنَ) أَيْ، وَإِلَّا يَحْلِفُ الْفَاسِقُ ضَمِنَ مَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِهِ أَنَّهُ غَصَبَهُ (قَوْلُهُ وَفِي حَلِفِ الْمَجْهُولِ حَالُهُ) أَيْ إذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غَصَبَ كَذَا أَيْ وَعُدِمَ حَلِفُهُ قَوْلَانِ، وَأَمَّا إذَا اُدُّعِيَ عَلَى مَنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالْغَصْبِ فَإِنَّهُ يُهَدَّدُ ذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيُسْجَنُ لَعَلَّهُ يُخْرِجُ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا حَلَفَ وَبَرِئَ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاسْتَحَقَّ، فَظَهَرَ لَك أَنَّ الْأَقْسَامَ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ إمَّا صَالِحٌ، وَإِمَّا فَاسِقٌ يُشَارُ إلَيْهِ بِالْغَصْبِ وَلَمْ يَشْتَهِرْ بِهِ، وَإِمَّا مَجْهُولٌ حَالُهُ، وَإِمَّا مَشْهُورٌ بِالْغَصْبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>