(فِيمَا مَضَى) مِمَّا زَرَعَ أَوْ سَكَنَ (وَفُسِخَ الْبَاقِي) أَيْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ (مُطْلَقًا) أَشْبَهَ قَوْلُ أَحَدِهِمَا أَمْ لَا (وَإِنْ نَقَدَ) هَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ لَمْ يَنْقُدْ أَيْ، وَإِنْ زَرَعَ بَعْضًا وَقَدْ نَقَدَ (فَتَرَدُّدٌ) هَلْ الْقَوْلُ لِلْمُكْرِي لِتَرْجِيحِ جَانِبِهِ بِالنَّقْدِ، وَلَا فَسْخَ وَيَلْزَمُ الْمُكْتَرِيَ جَمِيعُ الْكِرَاءِ أَوْ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ بَلْ يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ لِلْأَشْبَهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْقُدْ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ.
(صِحَّةُ الْجُعْلِ) أَيْ الْعَقْدِ تَحْصُلُ (بِالْتِزَامِ) أَيْ بِسَبَبِ الْتِزَامِ (أَهْلِ الْإِجَارَةِ) أَيْ الْمُتَأَهِّلِ لِعَقْدِهَا (جُعْلًا) أَيْ عِوَضًا مَعْمُولُ " الْتِزَامِ " وَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّرْطَ قَاصِرٌ عَلَى الْجَاعِلِ دُونَ الْمَجْعُولِ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أُجِيبَ بِأَنَّهُ اكْتَفَى بِأَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، أَوْ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ فَائِدَةُ الِالْتِزَامِ مِنْ لُزُومِ الْعَقْدِ بَعْدَ الشُّرُوعِ بِخِلَافِ الْمَجْعُولِ لَهُ فَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ لُزُومٌ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ بَلْ وَلَا حُصُولُ قَبُولٍ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ سَمِعَ قَائِلًا يَقُولُ مَنْ يَأْتِينِي بِعَبْدِي الْآبِقِ مَثَلًا فَلَهُ كَذَا فَأَتَاهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَاطُؤٍ مَعَهُ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ كَمَا يَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ قَرِيبًا، وَقَوْلُهُ (عُلِمَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ صِفَةُ جُعْلٍ فَلَا يَصِحُّ بِمَجْهُولٍ (يَسْتَحِقُّهُ السَّامِعُ) مِنْ الْجَاعِلِ.
ــ
[حاشية الدسوقي]
بِالشَّبَهِ أَوْ لَمْ يُشْبِهْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَمْ يَنْقُدْ بِاتِّفَاقِ الْقَوْلَيْنِ.
(قَوْلُهُ: فِيمَا مَضَى) تَنَازَعَ فِيهِ جَمِيعُ الْعَوَامِلِ السَّابِقَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِرَبِّهَا وَلِرَبِّهَا مَا أَقَرَّ بِهِ وَقَوْلُهُ: وَوَجَبَ كِرَاءُ الْمِثْلِ (قَوْلُهُ: وَفُسِخَ الْبَاقِي) أَيْ لِدَعْوَى رَبِّهَا فِي كِرَاءِ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ أَكْثَرَ مِنْ دَعْوَى الْمُكْتَرِي (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَقَدَ) أَيْ، وَأَشْبَهَا مَعًا أَوْ أَشْبَهَ الْمُكْرِي فَقَطْ (قَوْلُهُ: أَوْ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ إلَخْ) الْأَوْلَى أَوْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا مَضَى وَيُفْسَخُ فِي الْبَاقِي مِثْلَ مَا إذَا لَمْ يَنْقُدْ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا نَقَدَ وَأَشْبَهَا أَوْ أَشْبَهَ الْمُكْرِي فَقَطْ، وَأَمَّا إذَا نَقَدَ وَلَمْ يُشْبِهَا أَوْ أَشْبَهَ الْمُكْتَرِي فَقَطْ فَحُكْمُ ذَلِكَ حُكْمُ مَا تَقَدَّمَ إذَا لَمْ يَنْقُدْ، هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ بْن مَا نَصُّهُ قَدْ أَجْمَلَ الْمُصَنِّفُ فِي ذِكْرِ هَذَا التَّرَدُّدِ وَيَتَبَيَّنُ بِذِكْرِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَشُرَّاحِهَا وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْأَوْجُهَ الْأَرْبَعَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ قَالَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْقُدْ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ مَفْهُومُهُ لَوْ نَقَدَ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّهَا، وَلَا تُفْسَخُ فِي بَقِيَّةِ السِّنِينَ وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ هَذَا إذَا لَمْ يَنْقُدْ أَيْ هَذَا الَّذِي سَمِعْتُهُ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ إذَا انْتَقَدَ، وَالْحُكْمُ عِنْدِي سَوَاءٌ فِيهِمَا. اهـ. وَاَلَّذِي قَالَهُ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا هُوَ أَنَّهُ إذَا انْتَقَدَ، وَأَتَى رَبُّ الْأَرْضِ بِمَا يُشْبِهُ أَوْ أَتَيَا مَعًا بِمَا يُشْبِهُ لَا يَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ فَيَكُونُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مُخَالِفًا لِمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا لَمْ يَنْقُدْ، فَمِنْ الشُّيُوخِ مَنْ حَمَلَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْتَقِدْ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَفْسَخُ فِي الْبَاقِي، وَأَمَّا إذَا انْتَقَدَ فَلَا يَفْسَخُ يُرِيدُ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَيَكُونُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مُوَافِقًا لِقَوْلِ الْغَيْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ يَفْسَخُ مُطْلَقًا فَيَكُونُ قَوْلُ الْغَيْرِ خِلَافًا، وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ يُونُسَ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْمَحَلَّ لِلتَّأْوِيلَيْنِ لَا لِلتَّرَدُّدِ.
[بَابٌ فِي أَحْكَامِ الْجَعَالَةِ]
(بَابٌ فِي الْجَعَالَةِ) (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُتَأَهِّلِ لِعَقْدِهَا) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَحَالَ عَاقِدَ الْإِجَارَةِ عَلَى الْبَيْعِ وَتَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ مَا نَصُّهُ وَشَرْطُ عَاقِدِهِ تَمْيِيزٌ إلَّا بِكَسْرٍ فَتَرَدُّدٌ وَلُزُومُهُ تَكْلِيفٌ إلَخْ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُحِلْ عَاقِدَ الْجُعْلِ عَلَى الْبَيْعِ بَلْ عَلَى الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْجُعْلَ لِلْإِجَارَةِ أَقْرَبُ، وَإِشَارَةً إلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي بَيْعِ الْمَنَافِعِ الْإِجَارَةُ وَالْجُعْلُ رُخْصَةٌ اتِّفَاقًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ عِوَضًا) بِهَذَا التَّفْسِيرِ يَسْقُطُ مَا قِيلَ: إنَّهُ جُعْلُ الْتِزَامِ الشَّيْءِ شَرْطًا لِنَفْسِهِ وَهُوَ فَاسِدٌ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْجُعْلِ الْأَوَّلِ الْعَقْدَ وَبِالثَّانِي الْعِوَضَ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ التَّبَادُرَ مِنْ قَوْلِهِ " الْتِزَامِ أَهْلِ الْإِجَارَةِ جُعْلًا " أَيْ دَفْعِ جُعْلٍ وَعِوَضٍ فَيَكُونُ كَلَامُهُ مُفِيدًا أَنَّ دَافِعَ الْعِوَضِ - وَهُوَ الْجَاعِلُ - يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُتَأَهِّلًا لِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَأَمَّا الْمَجْعُولُ لَهُ وَهُوَ الْعَامِلُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ أَيْضًا، وَإِذَا كَانَ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا فَلِمَ اقْتَصَرَ عَلَى اشْتِرَاطِهِ مِنْ الْمُجَاعِلِ فَقَطْ الدَّافِعِ لِلْعِوَضِ (قَوْلُهُ: أُجِيبَ إلَخْ) أَيْ وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ الْتِزَامِ أَهْلِ الْإِجَارَةِ جُعْلًا أَيْ دَفْعًا وَقَبُولًا أَيْ دَفْعَ جُعْلٍ وَقَبُولَهُ، بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ تَوَقُّفَ الْعَقْدِ عَلَى الِالْتِزَامِ الْمَذْكُورِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِالْتِزَامِ الصُّدُورُ أَيْ صِحَّةُ الْجُعْلِ بِصُدُورِ جُعْلٍ وَعِوَضٍ مِنْ أَهْلِ الْإِجَارَةِ، وَالْبَحْثُ لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيِّ وَالْجَوَابُ لعبق قَالَ شَيْخُنَا وَالْبَحْثُ سَاقِطٌ مِنْ أَصْلِهِ أَمَّا أَوَّلًا فَالشَّخْصُ قَدْ يَلْتَزِمُ مَالًا يَلْزَمُهُ وَأَمَّا ثَانِيًا فَشَرْطُ صِحَّةِ الْجُعْلِ الْتِزَامُ الْعِوَضِ بِشَرْطِ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ لَا مُطْلَقًا وَالْأَوَّلُ هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: عُلِمَ) أَيْ قَدْرُهُ وَهَذَا شَامِلٌ لِلْعَيْنِ وَغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى عِلْمِ الْعِوَضِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ شُرُوطِهِ مِثْلُ كَوْنِهِ طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ عِلْمِهِ وَحُصُولِ الصِّحَّةِ بِالْعِوَضِ الْمَجْهُولِ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْمَجْعُولِ عَلَيْهِ بَلْ تَارَةً يَكُونُ مَجْهُولًا كَالْآبِقِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الْجُعْلِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ أَنْ لَا يُعْلَمَ مَكَانُهُ فَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute