(وَبِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ) فِي الْأُولَى (يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْحَلِّ) احْتِمَالًا ظَاهِرًا؛ فَلِذَا لَمْ يُصَدَّقْ فِي إرَادَةِ حَلِّ الْيَمِينِ، وَالْكَفَّارَةُ فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ احْتَمَلَتْ يَمِينًا أُخْرَى لَكِنْ احْتِمَالًا غَيْرَ ظَاهِرٍ
دَرْسٌ (بَابٌ فِي الظِّهَارِ) {بَابٌ} ذَكَرَ فِيهِ الظِّهَارَ وَأَرْكَانَهُ وَكَفَّارَتَهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فَقَالَ (تَشْبِيهُ الْمُسْلِمِ) زَوْجًا أَوْ سَيِّدًا فَإِنْ ظَاهَرَ كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ ظِهَارٌ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ كُلُّ يَمِينٍ كَانَتْ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ إذَا أَسْلَمَ، الْمُكَلَّفِ وَإِنْ عَبْدًا أَوْ سَكْرَانَ بِحَرَامٍ لَا صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَسَكْرَانَ بِحَلَالٍ، وَمُكْرَهٍ (مَنْ تَحِلُّ) بِالْأَصَالَةِ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ فَيَشْمَلُ الْمُحَرَّمَةَ لِعَارِضٍ كَمُحْرِمَةٍ وَمُطَلَّقَةٍ رَجْعِيًّا وَسَوَاءٌ شَبَّهَهَا كُلَّهَا (أَوْ جُزْأَهَا) وَلَوْ حُكْمًا كَالشَّعْرِ وَالرِّيقِ (بِظَهْرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِتَشْبِيهِ " (مُحَرَّمٍ) أَصَالَةً فَلَا ظِهَارَ عَلَى مَنْ قَالَ لِإِحْدَى زَوْجَتَيْهِ أَنْت عَلَيَّ
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ وَبِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَحْتَمِلُ حَلَّ الْيَمِينِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّبَرُّكَ وَالتَّأْكِيدَ فَلِذَا لَمْ يُصَدَّقْ فِي إرَادَةِ حَلِّ الْيَمِينِ، وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ الَّتِي هِيَ إخْرَاجُ الْمَالِ فَلَا يُحْتَمَلُ غَيْرُ حَلِّ الْيَمِينِ بِلَا شَكٍّ، وَاحْتِمَالُ كَوْنِ الْكَفَّارَةِ لِيَمِينٍ أُخْرَى بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ يَمِينٍ ثَانِيَةٍ فَالتُّهْمَةُ فِي الْكَفَّارَةِ بَعِيدَةٌ
[بَاب الظِّهَار وَأَرْكَانَهُ وَكَفَّارَتَهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]
بَابٌ فِي الظِّهَارِ وَهُوَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ حَتَّى صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْ حُكْمِهِ بِالْكَرَاهَةِ وَيَنْبَغِي حَمْلُهَا عَلَى التَّحْرِيمِ (قَوْلُهُ: تَشْبِيهُ الْمُسْلِمِ) فِي ح ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا بُدَّ مِنْ أَدَاةِ التَّشْبِيهِ كَلَفْظِ مِثْلَ أَوْ الْكَافِ وَأَمَّا لَوْ حَذَفَهَا فَقَالَ أَنْتِ أُمِّي لَكَانَ خَارِجًا عَنْ الظِّهَارِ وَيَرْجِعُ لِلْكِنَايَةِ فِي الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ نَصَّ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَلَى أَنَّهُ مَظَاهِرُ اهـ وَسَلَّمَهُ ح وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ إذْ قَدْ نَصَّ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ أَنْتِ أُمِّي ظِهَارٌ وَنَصُّهُ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ قَالَ أَنْت أُمِّي فِي يَمِينٍ أَوْ غَيْرِ يَمِينٍ فَهُوَ مُظَاهِرٌ مُحَمَّدٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الطَّلَاقَ فَيَكُونَ الْبَتَاتُ وَلَا يَنْفَعُهُ أَنَّهُ نَوَى وَاحِدَةً اهـ وَقَدْ نَقَلَ ح عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْكِنَايَةِ أَوْ أَنْتِ أُمِّي أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى يَقُولُ: إنْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ فَطَلَاقٌ وَإِلَّا فَظِهَارٌ، وَإِنَّ الرَّجْرَاجِيَّ ذَكَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا رِوَايَةُ عِيسَى هَذِهِ وَالثَّانِي رِوَايَةُ أَشْهَبَ أَنَّهُ الطَّلَاقُ الْبَتَاتُ وَلَا يَلْزَمُهُ ظِهَارٌ؛ وَلِذَا مَشَى الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَأْتِي عَلَى أَنَّهُ ظِهَارٌ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ تَشْبِيهٌ إجْمَالًا؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْأَخَصُّ خَرَجَ نَحْوُ أَنْتِ أُمِّي وَإِنْ أُرِيدَ الْأَعَمُّ شَمِلَ الِاسْتِعَارَةَ نَحْوَ يَا أُمِّي وَيَا أُخْتِي وَلَيْسَ بِظِهَارٍ كَمَا قَالَهُ الرَّصَّاعُ اهـ بْن.
(قَوْلُهُ: زَوْجًا أَوْ سَيِّدًا) قَالَ ح وَهَلْ يَلْزَمُ ظِهَارُ الْفُضُولِيِّ إذَا أَمْضَاهُ الزَّوْجُ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ لُزُومُهُ كَالطَّلَاقِ اهـ بْن وَإِتْيَانُ الْمُصَنِّفِ بِالْوَصْفِ مُذَكَّرًا مُخْرِجٌ لِلنِّسَاءِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ تَظَاهَرَتْ امْرَأَةٌ مِنْ زَوْجِهَا لَمْ يَلْزَمْهَا شَيْءٌ لَا كَفَّارَةُ ظِهَارٍ وَلَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَقَالَتْ: أَنَا عَلَيْك كَظَهْرِ أُمِّي لَمْ يَلْزَمْهُ ظِهَارٌ كَمَا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ لَهَا الْفِرَاقَ أَوْ الْبَقَاءَ بِلَا غُرْمٍ فَإِنْ قَالَتْ: نَوَيْت بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يُعْمَلْ بِنِيَّتِهَا وَيَبْطُلُ مَا بِيَدِهَا كَمَا قَالَ عج خِلَافًا لِلشَّيْخِ سَالِمٍ الْقَائِلِ: إذَا قَالَتْ أَرَدْتُ بِهِ الطَّلَاقَ فَيَكُونُ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ يُنَاكِرَهَا الزَّوْجُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ ظَاهَرَ كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا لَوْ ظَاهَرَ كَافِرٌ، وَتَحَاكَمُوا إلَيْنَا فَالظَّاهِرُ أَنَّنَا نَطْرُدُهُمْ، وَلَا نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ} [المجادلة: ٢] وَالْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ فَيَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الظِّهَارِ بِالْمُؤْمِنِينَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّ الظِّهَارَ لَا يَلْزَمُ فِي الْإِمَاءِ، وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى الْمَشْهُورِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: ٣] فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْإِمَاءَ، لِخُرُوجِهَا مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ.
(قَوْلُهُ: وَمُطَلَّقَةٍ رَجْعِيًّا) أَيْ وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ شَبَّهَهَا كُلَّهَا إلَخْ) أَيْ كَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَظَهْرِ فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ (قَوْلُهُ: أَوْ جُزْأَهَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْجُزْءُ الَّذِي شَبَّهَهُ جُزْءًا حَقِيقَةً كَرَأْسِك أَوْ رِجْلِك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَانَ جُزْءًا حُكْمًا لَكِنَّ الْجُزْءَ الْحَقِيقِيَّ يَلْزَمُ بِهِ الظِّهَارُ اتِّفَاقًا، وَيُخْتَلَفُ فِي الْجُزْءِ الْحُكْمِيِّ فَيُتَّفَقُ عَلَى الظِّهَارِ إنْ شَبَّهَ يَدَهَا أَوْ رِجْلَهَا وَيُخْتَلَفُ فِي الشَّعْرِ وَالْكَلَامِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَإِنَّمَا يَلْزَمُ فِي الْأَجْزَاءِ الْمُتَّصِلَةِ لَا الْمُنْفَصِلَةِ كَالْبُصَاقِ وَمَا قِيلَ فِي الْجُزْءِ الْمُشَبَّهِ يُقَالُ فِي الْجُزْءِ الْمُشَبَّهِ بِهِ (قَوْلُهُ: كَالشَّعْرِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ شَعْرُك أَوْ رِيقُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَظَهْرِ فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ (قَوْلُهُ: مُحَرَّمٍ) إنْ ضُبِطَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْأَصَالَةِ لِإِخْرَاجِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ التَّشْبِيهِ بِامْرَأَتِهِ الْحَائِضِ أَوْ النُّفَسَاءِ أَوْ الْمُحْرِمَةِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَإِنْ ضُبِطَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْأَصَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يَكُونُ غَيْرَ أَصْلِيٍّ، وَالْمَحْرَمُ مَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا لِحُرْمَتِهَا أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute