وَمُرَادُهُ بِالدِّيَةِ الْمُؤَدَّى فَيَشْمَلُ دِيَةَ الْجُرْحِ، وَالْكَافِرَ وَقِيمَةَ الْعَبْدِ وَغُرَّةَ الْجَنِينِ فَإِنْ كَانَ الْجَرْحُ عَمْدًا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ اُقْتُصَّ فِيهِ بِالشَّاهِدِ، وَالْيَمِينِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ) (نَكَلَ) الْمُدَّعَى عَنْ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ (بَرِئَ الْجَارِحُ) وَمَنْ مَعَهُ (إنْ حَلَفَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ جَارِحٍ، أَوْ غَيْرِهِ (وَإِلَّا) يَحْلِفُ غَرِمَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ إلَّا فِي جَرْحِ الْعَمْدِ فَإِنَّهُ إنْ نَكَلَ فِيهِ (حُبِسَ) فَإِنْ طَالَ حَبْسُهُ عُوقِبَ وَأُطْلِقَ فَعِبَارَتُهُ تُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْجَنِينَ كَالْجُرْحِ لَا قَسَامَةَ فِيهِ فَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ (فَلَوْ) (قَالَتْ) امْرَأَةٌ حَامِلٌ (دَمِي وَجَنِينِي عِنْدَ فُلَانٍ) وَمَاتَتْ (فَفِيهَا الْقَسَامَةُ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا لَوْثٌ (وَلَا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ وَلَوْ اسْتَهَلَّ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ، فَهُوَ كَالْجُرْحِ لَا قَسَامَةَ فِيهِ، وَإِنْ اسْتَهَلَّ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهَا قَتَلَنِي فُلَانٌ وَقَتَلَ فُلَانًا مَعِي وَذَلِكَ مُلْغًى فِي فُلَانٍ.
[دَرْسٌ] . (بَابٌ ذَكَرَ فِيهِ الْبَغْيَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) ، وَهُوَ لُغَةً التَّعَدِّي وَبَغَى فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ اسْتَطَالَ عَلَيْهِ وَشَرْعًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ طَاعَةِ مَنْ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ بِمُغَالَبَةٍ وَلَوْ تَأَوُّلًا اهـ وَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِطَاعَةٍ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ طَاعَتِهِ فِي مَكْرُوهٍ يَكُونُ بَاغِيًا وَقِيلَ لَا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي الْمَكْرُوهِ أَيْ الْمُجْمَعِ عَلَى كَرَاهَتِهِ، فَالْمُمْتَنِعُ لَا يَكُونُ بَاغِيًا، وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِحْدَاثِ فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَهُوَ رَدٌّ فَإِذَا أَمَرَ النَّاسَ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ أَدَاءِ فَرْضِ الصُّبْحِ لَمْ يُتْبَعْ وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْ تَعْرِيفِهِ شَرْعًا بِتَعْرِيفِ الْبَاغِيَةِ لِاسْتِلْزَامِهِ تَعْرِيفَهُ فَقَالَ (الْبَاغِيَةُ فِرْقَةٌ) أَيْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (خَالَفَتْ الْإِمَامَ) الَّذِي ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ عَلَيْهِ وَيَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ لَمْ تَثْبُتْ إمَامَتُهُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ لَمْ يُسَلِّمُوا لَهُ الْإِمَامَةَ لِظُلْمِهِ وَنَائِبُ الْإِمَامِ مِثْلُهُ.
(لِمَنْعِ حَقٍّ) لِلَّهِ، أَوْ لِآدَمِيٍّ وَجَبَ عَلَيْهَا كَزَكَاةٍ وَكَأَدَاءِ مَا عَلَيْهِمْ
ــ
[حاشية الدسوقي]
أَنَّ سَيِّدَ الْعَبْدِ كَذَلِكَ إذَا تَعَدَّدَ اهـ عبق (قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُ بِالدِّيَةِ إلَخْ) أَيْ فَمُرَادُهُ بِالدِّيَةِ اللُّغَوِيَّةُ لَا الشَّرْعِيَّةُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعِي) أَيْ مُدَّعِي الْجَرْحِ وَقَتْلِ الْكَافِرِ، وَالْعَبْدِ، وَالْجَنِينِ (قَوْلُهُ: وَمَنْ مَعَهُ) أَيْ، وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِقَتْلِ الْكَافِرِ، أَوْ الْعَبْدِ، أَوْ الْجَنِينِ وَقَوْلُهُ إنْ حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا يَحْلِفْ) أَيْ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ غَرِمَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ) أَيْ فِي غَيْرِ حَبْسِ سَنَةٍ وَلَا ضَرْبِ مِائَةٍ (قَوْلُهُ: عُوقِبَ وَأُطْلِقَ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَمَرِّدًا، وَإِلَّا خُلِّدَ فِي السِّجْنِ (قَوْلُهُ: تُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ) أَيْ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ عِبَارَتِهِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَحْلِفْ يُحْبَسُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَهَلَّ) أَيْ حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ مُلْغًى فِي فُلَانٍ) أَيْ وَذَلِكَ الْقَوْلُ مُلْغًى مِنْ الْمَرْأَةِ فِي فُلَانٍ بِخِلَافِ الْعَدْلِ الْمُعَايِنِ لِلضَّرْبِ إذَا قَالَ دَمُهَا وَدَمُ جَنِينِهَا عِنْدَ فُلَانٍ فَلَا يَكُونُ لَغْوًا بَلْ إنْ كَانَ خَطَأً كَانَتْ الْقَسَامَةُ مُتَعَدِّدَةً فِي النَّفْسِ، وَالْجَنِينِ وَتُؤْخَذُ دِيَةُ الْمَرْأَةِ، وَالْجَنِينِ.
[بَابٌ ذَكَرَ فِيهِ الْبَغْيَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]
(بَابٌ ذُكِرَ فِي الْبَغْيِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْقَتْلِ، وَالْجُرْحِ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ عَلَى مَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَالْعُقُوبَةَ بِسَفْكِ الدَّمِ مَا دُونَهُ، وَهِيَ سَبْعٌ الْبَغْيُ، وَالرِّدَّةُ، وَالزِّنَا، وَالْقَذْفُ، وَالسَّرِقَةُ، وَالْحِرَابَةُ، وَالشُّرْبُ وَبَدَأَ بِالْبَغْيِ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُهَا مَفْسَدَةً؛ إذْ فِيهِ؛ إذْهَابُ النَّفْسِ، وَالْأَمْوَالِ غَالِبًا.
(قَوْلُهُ وَبَغَى فُلَانٌ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ بَغَى فُلَانٌ إلَخْ وَقَوْلُهُ اسْتَطَالَ عَلَيْهِ أَيْ تَعَدَّى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَأَوُّلًا) أَيْ هَذَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الِامْتِنَاعُ غَيْرَ مُتَأَوَّلٍ فِيهِ بَلْ وَلَوْ كَانَ مُتَأَوَّلًا فِيهِ (قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ بِطَاعَةٍ) أَيْ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ بِمُغَالَبَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِالِامْتِنَاعِ (قَوْلُهُ يَكُونُ بَاغِيًا) أَيْ؛ لِأَنَّ طَاعَتَهُ فِيمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ مَنْدُوبٍ، أَوْ مَكْرُوهٍ وَاجِبَةٌ (قَوْلُهُ: فَالْمُمْتَنِعُ) أَيْ مِنْ إطَاعَتِهِ فِي الْمَكْرُوهِ وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَيْ الْمَكْرُوهَ (قَوْلُهُ: مِنْ الْإِحْدَاثِ فِي الدِّينِ) أَيْ مِنْ الْأُمُورِ الْمُحْدَثَةِ عَلَى الدِّينِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْهُ وَقَوْلُهُ، وَهُوَ رَدٌّ أَيْ مَرْدُودٌ عَلَى فَاعِلِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ وَاسْتَغْنَى عَنْ تَعْرِيفِهِ) أَيْ تَعْرِيفِ الْبَغْيِ وَقَوْلُهُ لِاسْتِلْزَامِهِ أَيْ لِاسْتِلْزَامِ تَعْرِيفِ الْبَاغِيَةِ تَعْرِيفَ الْبَغْيِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَاغِي مُشْتَقٌّ مِنْ الْبَغْيِ وَمَعْرِفَةُ الْمُشْتَقِّ تَسْتَلْزِمُ مَعْرِفَةَ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَقَّ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا الْمُشْتَقُّ مِنْهُ، فَالْمُشْتَقُّ مِنْهُ جُزْءٌ مِنْ مَفْهُومِ الْمُشْتَقِّ وَمَعْرِفَةُ الْكُلِّ تَسْتَلْزِمُ مَعْرِفَةَ الْجُزْءِ (قَوْلُهُ: خَالَفَتْ الْإِمَامَ) اعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى تَثْبُتُ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ إمَّا بِإِيصَاءِ الْخَلِيفَةِ الْأَوَّلِ لِمُتَأَهِّلٍ لَهَا، وَإِمَّا بِالتَّغَلُّبِ عَلَى النَّاسِ؛ لِأَنَّ مَنْ اشْتَدَّتْ وَطْأَتُهُ بِالتَّغَلُّبِ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ وَلَا يُرَاعَى فِي هَذَا شُرُوطُ الْإِمَامَةِ؛ إذْ الْمَدَارُ عَلَى دَرْءِ الْمَفَاسِدِ وَارْتِكَابِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ.
وَأَمَّا بَيْعَةُ أَهْلِ الْحَلِّ، وَالْعَقْدِ، وَهُمْ مَنْ اجْتَمَعَ فِيهِمْ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ الْعِلْمُ بِشُرُوطِ الْإِمَامِ، وَالْعَدَالَةُ، وَالرَّأْيُ وَشُرُوطُ الْإِمَامِ الْحُرِّيَّةُ، وَالْعَدَالَةُ، وَالْفَطَانَةُ وَكَوْنُهُ قُرَيْشِيًّا وَكَوْنُهُ ذَا نَجْدَةٍ وَكِفَايَةٍ فِي الْمُعْضِلَاتِ اُنْظُرْ بْن وَبَيْعَةُ أَهْلِ الْحَلِّ كَمَا فِي ح بِالْحُضُورِ، وَالْمُبَاشَرَةِ بِصَفْقَةِ الْيَدِ، وَإِشْهَادِ الْغَائِبِ مِنْهُمْ وَيَكْفِي الْعَامِّيَّ اعْتِقَادُ أَنَّهُ تَحْتَ أَمْرِهِ فَإِنْ أَضْمَرَ خِلَافَ ذَلِكَ فَسَقَ وَدَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» (قَوْلُهُ: وَيَزِيدُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ أَنَّ الْإِمَامَ الْحُسَيْنَ خَالَفَ الْيَزِيدَ وَخَرَجَ عَنْ طَاعَتِهِ، وَالْحَالُ أَنَّ الْيَزِيدَ هُوَ الْإِمَامُ فِي وَقْتِهِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ الْحُسَيْنُ وَأَتْبَاعُهُ بُغَاةً، وَهُوَ بَاطِلٌ (قَوْلُهُ: وَنَائِبُ الْإِمَامِ مِثْلُهُ) أَيْ فِي كَوْنِ مُخَالَفَتِهِ تُعَدُّ بَغْيًا (قَوْلُهُ: كَزَكَاةٍ) أَيْ أَمَرَهُمْ