مِمَّا جَبَوْهُ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ كَخَرَاجِ الْأَرْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (أَوْ لِخَلْعِهِ) أَيْ، أَوْ خَالَفَتْهُ لِإِرَادَتِهَا خَلْعَهُ أَيْ عَزْلَهُ لِحُرْمَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ جَارٍ؛ إذْ لَا يُعْزَلُ السُّلْطَانُ بِالظُّلْمِ، وَالْفِسْقِ وَتَعْطِيلِ الْحُقُوقِ بَعْدَ انْعِقَادِ إمَامَتِهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ وَعْظُهُ وَقَوْلُهُ فِرْقَةٌ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا، فَالْوَاحِدُ قَدْ يَكُونُ بَاغِيًا وَقَوْلُهُ خَالَفَتْ الْإِمَامَ يُفِيدُ أَنَّهَا خَرَجَتْ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْمُغَالَبَةِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِهِ فَمَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْمُغَالَبَةِ كَاللُّصُوصِ لَا يَكُونُ بَاغِيًا (فَلِلْعَدْلِ قِتَالُهُمْ، وَإِنْ تَأَوَّلُوا) الْخُرُوجَ عَلَيْهِ لِشُبْهَةٍ قَامَتْ عِنْدَهُمْ وَيَجِبُ عَلَى النَّاسِ مُعَاوَنَتُهُ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا غَيْرُ الْعَدْلِ فَلَا تَجِبُ مُعَاوَنَتُهُ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَعْهُ وَمَا يُرَادُ مِنْهُ يَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْ الظَّالِمِ بِظَالِمٍ، ثُمَّ يَنْتَقِمُ مِنْ كِلَيْهِمَا كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُمْ عَلَيْهِ لِفِسْقِهِ وَجَوْرِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ.
(كَالْكُفَّارِ) أَيْ كَقِتَالِ الْكُفَّارِ بِأَنْ يَدْعُوَهُمْ أَوَّلًا لِلدُّخُولِ تَحْتَ طَاعَتِهِ مَا لَمْ يُعَاجِلُوهُ بِالْقِتَالِ وَيُقَاتِلُهُمْ بِالسَّيْفِ، وَالرَّمْيِ بِالنَّبْلِ، وَالْمَنْجَنِيقِ، وَالتَّغْرِيقِ، وَالتَّحْرِيقِ وَقَطْعِ الْمِيرَةِ، وَالْمَاءِ عَنْهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ نِسْوَةٌ، أَوْ ذَرَارِيُّ فَلَا نَرْمِيهِمْ بِالنَّارِ، لَكِنْ لَا نُسْبِي ذَرَارِيَّهُمْ وَلَا أَمْوَالَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَلَا يُسْتَرَقُّوا وَلَا يُحَرَّقُ شَجَرُهُمْ) وَلَا غَيْرُهُ، فَالْمُرَادُ وَلَا يُتْلَفُ مَالُهُمْ (وَلَا تُرْفَعُ رُءُوسُهُمْ) إذَا قُتِلُوا (بِأَرْمَاحٍ) أَيْ يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ بِالْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِمَحَلِّهِمْ فَقَطْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ (وَلَا يَدَعُوهُمْ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ لَا يَتْرُكُوهُمْ الْإِمَامُ وَنُوَّابُهُ وَلَوْ أَفْرَدَ لِلضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى الْإِمَامِ لَكَانَ أَنْسَبَ أَيْ لَا يَتْرُكُهُمْ (بِمَالٍ) يُؤْخَذُ مِنْهُمْ كَالْجِزْيَةِ أَيْ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ بَلْ إنْ تَرَكَهُمْ يَتْرُكُهُمْ مَجَّانًا إنْ كَفُّوا عَنْ بَغْيِهِمْ وَأَمِنَ مِنْهُمْ (وَاسْتُعِينَ
ــ
[حاشية الدسوقي]
بِأَدَائِهَا فَامْتَنَعُوا (قَوْلُهُ: مِمَّا جَبَوْهُ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ وَكَأَنْ يَأْمُرَهُمْ بِوَفَاءِ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الدَّيْنِ فَيَمْتَنِعُونَ (قَوْلُهُ: كَخَرَاجِ الْأَرْضِ) أَيْ الْعَنْوِيَّةِ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِدَفْعِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ فَامْتَنَعُوا وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْرِيفِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا كَلَّفَ النَّاسَ بِمَالٍ ظُلْمًا فَامْتَنَعُوا مِنْ إعْطَائِهِ فَأَتَى لِقِتَالِهِمْ فَيَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَلَا يَكُونُونَ بُغَاةً بِمُقَاتَلَتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْنَعُوا حَقًّا وَلَا أَرَادُوا خَلْعَهُ.
(قَوْلُهُ: لِحُرْمَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ) أَيْ، وَإِنَّمَا كَانُوا بُغَاةً إذَا خَالَفُوهُ لِأَجْلِ إرَادَةِ خَلْعِهِ لِحُرْمَةِ خَلْعِهِ، وَإِنْ جَارَ (قَوْلُهُ: إذْ لَا يُعْزَلْ إلَخْ) بَلْ وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ تَقْدِيمًا لِأَخَفِّ الْمَفْسَدَتَيْنِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَقُولَ عَلَيْهِ إمَامٌ عَدْلٌ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ، وَإِعَانَةُ ذَلِكَ الْقَائِمِ (قَوْلُهُ: وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ) هَذَا عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْخُرُوجُ عَلَى وَجْهِ الْمُغَالَبَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا إظْهَارُ الْقَهْرِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ، وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضٌ.
(قَوْلُهُ: لَا عَلَى سَبِيلِ الْمُغَالَبَةِ كَاللُّصُوصِ) أَيْ وَكَمَنْ يَعْتَزِلُوا الْأَئِمَّةَ وَلَا يُبَايِعُهُمْ وَلَا يُعَانِدُهُمْ كَمَا اتَّفَقَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ مَكَثَ شَهْرًا لَمْ يُبَايِعْ الْخَلِيفَةَ، ثُمَّ بَايَعَهُ (قَوْلُهُ: فَلِلْعَدْلِ قِتَالُهُمْ) اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى، أَوْ أَنَّهَا لِلِاخْتِصَاصِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَأَوَّلُوا الْخُرُوجَ عَلَيْهِ لِشُبْهَةٍ) أَيْ بِدَلِيلِ قِتَالِ أَبِي بَكْرٍ مَانِعِي الزَّكَاةِ لِزَعْمِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، أَوْصَى بِالْخِلَافَةِ لِعَلِيٍّ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِأَخْذِهَا الْمُصْطَفَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: ١٠٣] الْآيَةَ، وَالْمُبَالَغَةُ رَاجِعَةٌ لِقَوْلِهِ خَالَفَتْ الْإِمَامَ وَلِقَوْلِهِ فَلِلْعَدْلِ قِتَالُهُمْ (قَوْلُهُ: كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قِتَالُهُمْ) أَيْ مَعَ إصْرَارِهِ عَلَى الْفِسْقِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ وَيُقَاتِلَ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَدْعُوهُمْ أَوَّلًا لِلدُّخُولِ تَحْتَ طَاعَتِهِ) أَيْ وَمُوَافَقَةُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُعَاجِلُوهُ) أَيْ، وَإِلَّا فَلَا تَجِبُ الدَّعْوَى (قَوْلُهُ: وَالْمَنْجَنِيقِ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِابْنِ شَاسٍ الْقَائِلِ لَا تُنْصَبُ عَلَيْهِمْ الرَّعَّادَاتُ أَيْ الْمَجَانِيقُ.
(قَوْلُهُ وَقَطْعِ الْمِيرَةِ) الْمِيرَةُ فِي الْأَصْلِ الْإِبِلُ الَّتِي تَحْمِلُ الطَّعَامَ أُرِيدَ بِهَا هُنَا نَفْسُ الطَّعَامِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ لَا نُسْبِي ذَرَارِيَّهُمْ إلَخْ) خِلَافًا لِظَاهِرِ تَشْبِيهِ الْمُصَنِّفِ قِتَالَهُمْ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ سَبْيَهُمْ وَيُفِيدُ أَنَّهُمْ إذَا تَتَرَّسُوا بِذُرِّيَّةٍ تُرِكُوا إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى أَكْثَرِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مُسْلِمٌ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَلَا يُسْتَرَقُّوا) أَيْ إذَا ظَفِرْنَا بِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ النُّونَ مَعَ لَا النَّافِيَةِ، وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى قِلَّةٍ وَمِنْهُ خَبَرُ «لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا» وَلَيْسَتْ لَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَاهِيَةً؛ لِأَنَّ النَّهْيَ مِنْ الشَّارِعِ وَالْمُصَنِّفُ مُخْبِرٌ بِالْحُكْمِ لَا نَاهٍ اهـ عبق.
(قَوْلُهُ: وَلَا غَيْرُهُ) أَيْ كَزَرْعِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ (قَوْلُهُ: وَلَا تُرْفَعُ رُءُوسُهُمْ بِأَرْمَاحٍ) أَيْ لَا بِمَحَلِّ قَتْلِهِمْ وَلَا بِغَيْرِهِ هَذَا ظَاهِرُ الشَّارِحِ تَبَعًا لعبق وتت قَالَ بْن وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ إنَّمَا يُمْنَعُ حَمْلُ رُءُوسِهِمْ عَلَى الرِّمَاحِ لِمَحَلٍّ آخَرَ كَبَلَدٍ، أَوْ وَالٍ وَأَمَّا رَفْعُهَا عَلَى الرِّمَاحِ فِي مَحَلِّ قَتْلِهِمْ فَقَطْ فَجَائِزٌ كَالْكُفَّارِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكُفَّارِ وَالْبُغَاةِ فِي هَذَا وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ شَاسٍ فِي الْأُمُورِ الَّتِي يَمْتَازُ فِيهَا قِتَالُهُمْ عَنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ وَنَصُّهُ يَمْتَازُ قِتَالُ الْبُغَاةِ عَنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ بِأَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا أَنْ يَقْصِدَ بِالْقِتَالِ رَدْعَهُمْ لَا قَتْلَهُمْ وَأَنْ يَكُفَّ عَنْ مُدْبِرِهِمْ وَلَا يُجْهِزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَا تُقْتَلُ أَسْرَاهُمْ وَلَا تُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ وَلَا تُسْبَى ذَرَارِيِّهِمْ وَلَا يُسْتَعَانُ عَلَيْهِمْ بِمُشْرِكٍ وَلَا يُوَادِعُهُمْ عَلَى مَالٍ وَلَا تُنْصَبُ عَلَيْهِمْ الرَّعَّادَاتُ وَلَا تُحْرَقُ مَسَاكِنُهُمْ وَلَا يُقْطَعُ شَجَرُهُمْ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِمَحَلِّهِمْ فَقَطْ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ رُءُوسِهِمْ لِبَلَدٍ آخَرَ، أَوْ لِوَالٍ (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الدَّالِ) كَذَا ضَبَطَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ إذَا انْكَفُّوا عَنْ بَغْيِهِمْ بَعْدَ دَعْوَتِهِمْ لِلدُّخُولِ تَحْتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute