للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا يُعْطَى الْغَنِيُّ فَإِنْ عَيَّنَ كَوَلَدِي زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَفَاطِمَةَ فَإِنَّهُ يُسَوَّى بَيْنَهُمْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ (وَلَمْ يُخْرَجْ سَاكِنٌ) بِوَصْفِ اسْتِحْقَاقِ فَقْرٍ فَاسْتَغْنَى (لِغَيْرِهِ) وَلَوْ مُحْتَاجًا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ الِاحْتِيَاجُ فِي الِابْتِدَاءِ وَكَذَا لَوْ سَكَنَ الْأَوَّلُ بِوَصْفِ طَلَبِ عِلْمٍ مَا لَمْ يَتْرُكْ الطَّلَبَ فَإِنَّهُ يُخْرَجُ كَمَا لَوْ سَكَنَ بِوَصْفٍ، ثُمَّ زَالَ كَأَحْدَاثِ قَوْمِي أَوْ صِغَارِهِمْ (إلَّا بِشَرْطٍ) مِنْ الْمُحَبِّسِ أَنَّ مَنْ اسْتَغْنَى يُخْرَجُ لِغَيْرِهِ فَيُعْمَلُ بِشَرْطِهِ (أَوْ سَفَرِ انْقِطَاعٍ) فَيَأْخُذُهُ غَيْرُهُ فَإِنْ سَافَرَ لِيَعُودَ فَلَا يُخْرَجُ أَيْ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ وَلَهُ حَبْسُ مِفْتَاحِهِ لَا كِرَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ انْتِفَاعٍ لَا مَنْفَعَةٍ وَقِيلَ: يُكْرِيهِ إلَى أَنْ يَعُودَ (أَوْ) سَفَرٍ (بَعِيدٍ) يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُ عَوْدِهِ مِنْهُ

[دَرْسٌ] (بَابٌ) (الْهِبَةُ) بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ) أَيْ تَمْلِيكُ ذَاتٍ وَأَمَّا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ فَإِمَّا وَقْفٌ، وَإِمَّا عَارِيَّةٌ إنْ قُيِّدَ بِزَمَنٍ وَلَوْ عُرْفًا، وَإِمَّا عُمْرِيٌّ إنْ قُيِّدَ بِحَيَاةِ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ فِي دَارٍ وَنَحْوِهَا وَيَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ بَقِيَّةُ كَلَامِهِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بِلَا عِوَضٍ هِبَةُ الثَّوَابِ وَسَتَأْتِي فَالتَّعْرِيفُ لِهِبَةِ غَيْرِ الثَّوَابِ وَتُسَمَّى هَدِيَّةً وَفِي كَلَامِهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ لِوَجْهِ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَلِثَوَابِ الْآخِرَةِ صَدَقَةٌ) وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ وَالتَّمْلِيكُ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ صَدَقَةٌ سَوَاءٌ قَصَدَ الْمُعْطِي أَيْضًا أَمْ لَا، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ تَمْلِيكُ ذَاتٍ بِلَا عِوَضٍ لِوَجْهِ الْمُعْطَى فَقَطْ هِبَةٌ، وَلِثَوَابِ الْآخِرَةِ صَدَقَةٌ كَانَ أَبَيْنَ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ يُوهِمُ أَنَّ الْهِبَةَ مُقَسَّمٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هِيَ قِسْمٌ مِنْ التَّمْلِيكِ أَوْ الْإِعْطَاءِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّمْلِيكَ كَالْجِنْسِ لَهُمَا وَيَفْتَرِقَانِ بِالْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ وَتَدْخُلُ الزَّكَاةُ فِي تَعْرِيفِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَشْمَلُ الْوَاجِبَةَ وَالْمَنْدُوبَةَ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ هُنَا الثَّانِيَ لِتَقَدُّمِ الْوَاجِبَةِ (وَصَحَّتْ) أَيْ الْهِبَةُ (فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ) لِلْوَاهِبِ

ــ

[حاشية الدسوقي]

يُفَضَّلُ الْأَعْلَى فَإِنْ كَانَ فَضْلٌ أُعْطِيَ لِلْأَسْفَلِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَغَيْرُهُ يُسَوَّى بَيْنَهُمْ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَجْوِبَتِهِ وَبِهِ الْعَمَلُ وَرَجَّحَهُ اللَّخْمِيُّ وَقَالَ إنَّهُ أَحْسَنُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّهُ أَقْرَبُ، لَكِنْ الْقَوْلَانِ الْأَخِيرَانِ فِي الْمُعَقَّبِ فَقَطْ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَمَّا مَنْ لَا يُحَاطُ بِهِمْ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ يُقْسَمُ مَا عَلَى غَيْرِ الْمُنْحَصِرِ بِالِاجْتِهَادِ اتِّفَاقًا اهـ بْن. (قَوْلُهُ: وَلَا يُعْطَى الْغَنِيُّ) هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ " أَهْلَ الْحَاجَةِ " وَعِبَارَةُ عبق وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَهْلَ الْحَاجَةِ أَنَّ الْغَنِيَّ لَا يُعْطَى شَيْئًا وَأَنَّهُمْ إنْ تَسَاوَوْا فَقْرًا، أَوْ غِنًى أُوثِرَ الْأَقْرَبُ بِالِاجْتِهَادِ وَأُعْطِيَ الْفَضْلُ لِمَنْ يَلِيهِ فَإِنْ تَسَاوَوْا فَقْرًا، أَوْ غِنًى وَلَمْ يَكُنْ أَقْرَبُ وَلَمْ يَسَعْهُمْ أُكْرِيَ عَلَيْهِمْ وَقُسِمَ كِرَاؤُهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوَاءِ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَحَدُهُمْ بِمَا يَصِيرُ لِأَصْحَابِهِ مِنْ الْكِرَاءِ وَيَسْكُنَ فِيهَا فَلَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي ح. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ) أَيْ الْمُوَلَّى يُسَوِّي بَيْنَهُمْ أَيْ فِي الْغَلَّةِ وَالسُّكْنَى. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُخْرَجْ) مِثْلُ السُّكْنَى فِي ذَلِكَ الْغَلَّةُ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يُخْرَجْ سَاكِنٌ لِغَيْرِهِ وَلَوْ مُحْتَاجًا فِيمَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ وَأَعْقَابِهِمْ، أَوْ عَلَى كَوَلَدِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ وَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ، أَوْ عَلَى الشَّبَابِ، أَوْ الصِّغَارِ أَوْ الْأَحْدَاثِ فَإِنَّ مَنْ زَالَ وَصْفُهُ بَعْدَ سُكْنَاهُ يُخْرَجُ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ كَمَا لَوْ سَكَنَ بِوَصْفٍ أَيْ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ الْوَقْفِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي عُلِّقَ بِوَصْفٍ وَقَدْ زَالَ فَيَزُولُ الِاسْتِحْقَاقُ بِزَوَالِهِ وَأَمَّا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَالِاسْتِحْقَاقُ لَمْ يُعَلَّقْ بِالْفَقْرِ بَلْ بِغَيْرِهِ وَالْفُقَرَاءُ مُقْتَضٍ لِتَقْدِيمِهِ فَقَطْ وَالْمَعْنَى الَّذِي عُلِّقَ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ بَاقٍ لَمْ يَزُلْ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ خُرُوجِهِ عَدَمُ سُقُوطِ حَقِّهِ، وَإِلَّا فَهُوَ قَدْ خَرَجَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ وَأَخَذَ أَبُو الْحَسَنِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ فَإِنْ سَافَرَ لِيَعُودَ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ أَنَّ مَنْ قَامَ مِنْ الْمَسْجِدِ لِوُضُوءٍ مَثَلًا فَهُوَ أَحَقُّ بِمَوْضِعِهِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُكْرِيهِ إلَى أَنْ يَعُودَ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ الْبَاجِيَّ وَغَيْرِهِ وَفِي حَمْلِ سَفَرِهِ مَعَ جَهْلِ حَالِهِ عَلَى الِانْقِطَاعِ، أَوْ الرُّجُوعِ قَوْلَانِ وَظَاهِرُ ابْنِ عَرَفَةَ تَرْجِيحُ الثَّانِي.

[بَابٌ الْهِبَةُ]

ُ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ ". (قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ) أَيْ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ تَمْلِيكُ ذَاتٍ وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إنَّ تَعْرِيفَ الْمُصَنِّفِ لِلْهِبَةِ غَيْرُ مَانِعٍ لِصَدَقَةٍ بِتَمْلِيكِ الْإِنْكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَتَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ وَبِالْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ لِلتَّصَرُّفِ.

وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ تَمْلِيكُ الذَّاتِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي فَخَرَجَ مَا ذُكِرَ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ) أَيْ وَالْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْهِبَةُ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ. (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ قَصَدَ إلَخْ) لَكِنْ إذَا قَصَدَ الْمُعْطِي بِالْكَسْرِ بِالْعَطِيَّةِ ثَوَابَ الْآخِرَةِ فَقَطْ فَهِيَ صَدَقَةٌ اتِّفَاقًا وَإِنْ قَصَدَ ثَوَابَ الْآخِرَةِ مَعَ وَجْهِ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ فَصَدَقَةٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَعِنْدَ الْأَقَلِّ مَا أَعْطَى لَهُمَا مَعًا فَهُوَ هِبَةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كَلَامَهُ يُوهِمُ أَنَّ الْهِبَةَ مُقَسَّمٌ) أَيْ أَنَّ الْهِبَةَ تَنْقَسِمُ إلَى الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْسِيمِ الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ وَإِلَى غَيْرِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ وَوَجْهُ الْإِيهَامِ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ قَوْلَهُ وَلِثَوَابِ الْآخِرَةِ إلَخْ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِلَا عِوَضٍ. (قَوْلُهُ: وَيَفْتَرِقَانِ بِالْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ) أَيْ فَإِذَا قَصَدَ بِتَمْلِيكِ الذَّاتِ وَجْهَ الْمُعْطَى فَقَطْ كَانَ هِبَةً وَإِنْ قَصَدَ ثَوَابَ الْآخِرَةِ سَوَاءٌ قَصَدَ وَجْهَ الْمُعْطَى أَيْضًا أَمْ لَا فَهُوَ صَدَقَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَصَحَّتْ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ أَرْكَانَ الْهِبَةِ أَرْبَعَةٌ: الْمَوْهُوبُ لَهُ وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ التَّصْرِيحَ بِهِ هُنَا لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>