فَلَا تَصِحُّ فِي حُرٍّ وَلَا مِلْكِ غَيْرٍ بِخِلَافِ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي نَظِيرِ عِوَضٍ (يُنْقَلُ) أَيْ يَقْبَلُ النَّقْلَ شَرْعًا خَرَجَ أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبُ (مِمَّنْ لَهُ تَبَرُّعٌ بِهَا) وَهُوَ مَنْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فَخَرَجَ السَّفِيهُ وَالصَّبِيُّ وَمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ وَالسَّكْرَانُ وَالْمَرِيضُ وَالزَّوْجَةُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لَكِنَّ هِبَتَهُمَا مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ صَحِيحَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْوَارِثِ وَالزَّوْجِ كَمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ وَأَمَّا السَّفِيهُ وَالصَّغِيرُ فَبَاطِلَةٌ كَالْمُرْتَدِّ وَضَمِيرُ " بِهَا " عَائِدٌ عَلَى الْهِبَةِ وَالْمُرَادُ مَنْ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالْهِبَةِ فِي غَيْرِ هِبَةٍ لِئَلَّا يَلْزَمَ شَرْطُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ كَأَنَّهُ قَالَ مِمَّنْ لَهُ التَّبَرُّعُ بِالْهِبَةِ وَقْفًا، أَوْ صَدَقَةً أَيْ أَنَّ مَنْ لَهُ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَهَبَ تِلْكَ الذَّاتَ وَمَنْ لَا فَلَا فَالْمَرِيضُ وَالزَّوْجَةُ إذَا أَرَادَا هِبَةَ ثُلُثِهِمَا صَحَّ لَهُمَا؛ لِأَنَّ لَهُمَا أَنْ يَتَبَرَّعَا بِهِ فَلَوْ لَمْ يَأْتِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بِهَا لَوَرَدَ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ وَالْمَرِيضُ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَ لَهُمَا التَّبَرُّعُ دَائِمًا كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِ لَوْ لَمْ يَأْتِ بِمَا ذُكِرَ.
وَبَالَغَ
ــ
[حاشية الدسوقي]
فِي الْوَقْفِ عَلَى أَهْلٍ لِلتَّمَلُّكِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ هُنَا ذَلِكَ كَمَا حَذَفَ مِنْ الْوَقْفِ التَّصْرِيحَ بِالْوَقْفِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ هُنَا مِمَّنْ لَهُ تَبَرُّعٌ بِهَا؛ لِأَنَّ الْبَابَيْنِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ بَلْ سَائِرُ التَّبَرُّعَاتِ كَذَلِكَ وَأَشَارَ لِلرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ بِقَوْلِهِ وَصَحَّتْ إلَخْ وَلِلرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْوَاهِبُ بِقَوْلِهِ مِمَّنْ لَهُ تَبَرُّعٌ بِهَا وَأَشَارَ لِلرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الصِّيغَةُ بِقَوْلِهِ بِصِيغَةٍ، أَوْ مُفْهِمِهَا. (قَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ فِي حُرٍّ) أَيْ وَلَا فِي كَلْبٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُمْلَكُ.
(قَوْلُهُ: وَلَا مِلْكِ غَيْرٍ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ هِبَةَ الْفُضُولِيِّ بَاطِلَةٌ بِخِلَافِ بَيْعِهِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ فَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ إمْضَاءِ الْمَالِكِ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْعَقْدِ تَرَتَّبَ أَثَرُهُ عَلَيْهِ مِنْ جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَهِبَتِهِ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ بَيْعَهُ فِي نَظِيرِ عِوَضٍ يَعُودُ عَلَى الْمَالِكِ بِخِلَافِ هِبَتِهِ وَمِثْلُهَا وَقْفُهُ وَصَدَقَتُهُ وَعِتْقُهُ فَمَتَى صَدَرَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ فُضُولِيٍّ كَانَ بَاطِلًا وَلَوْ أَجَازَهُ الْمَالِكُ كَمَا ذَكَرَهُ خش فِي أَوَّلِ الْوَقْفِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا هُنَا وَفِي الْوَقْفِ حَيْثُ قَالَ فِي الْوَقْفِ صَحَّ وَقْفُ مَمْلُوكٍ وَقَالَ هُنَا وَصَحَّتْ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ فَظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمَمْلُوكِ: وَقْفُهُ وَهِبَتُهُ بَاطِلٌ وَلَوْ أَجَازَهُ الْمَالِكُ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ وَقْفَهُ وَهِبَتَهُ وَصَدَقَتَهُ وَعِتْقَهُ كَبَيْعِهِ فِي أَنَّ كُلًّا صَحِيحٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَإِنْ أَمْضَاهُ الْمَالِكُ مَضَى وَإِنْ رَدَّهُ رُدَّ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ إذَا أَجَازَهُ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ صَادِرًا مِنْهُ قَالَ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِأَنْ يُرَادَ بِالصِّحَّةِ الصِّحَّةُ التَّامَّةُ الَّتِي لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى شَيْءٍ وَتَقَدَّمَ هَذَا فِي بَابِ الْوَقْفِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ يَقْبَلُ النَّقْلَ شَرْعًا) أَيْ يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ لِمِلْكٍ آخَرَ شَرْعًا هَذَا إذَا قَبِلَ النَّقْلَ بِجَمِيعِ أَوْجُهِهِ الشَّرْعِيَّةِ بَلْ وَلَوْ قَبِلَهُ فِي الْجُمْلَةِ أَيْ بِبَعْضِ الْوُجُوهِ فَدَخَلَ بِهَذَا جِلْدُ الْأُضْحِيَّةَ وَكَلْبُ الصَّيْدِ فَإِنَّهُمَا وَإِنْ لَمْ يَقْبَلَا النَّقْلَ بِالْبَيْعِ لَكِنَّهُمَا يَقْبَلَانِهِ بِالتَّبَرُّعِ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْهِبَةِ وَخَرَجَ الْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ النَّقْلَ بِوَجْهٍ مِنْ الْأَوْجُهِ النَّاقِلَةِ لِلْمِلْكِ شَرْعًا.
(قَوْلُهُ: مِمَّنْ لَهُ تَبَرُّعٌ بِهَا) الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ " فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ يُنْقَلُ " لِيَتَّصِلَ قَوْلُهُ: وَإِنْ مَجْهُولًا وَمَا بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ؛ لِأَنَّهُ مُبَالَغَةٌ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: فَخَرَجَ السَّفِيهُ وَالصَّبِيُّ) أَيْ وَكَذَا الْمَجْنُونُ وَالْمُرْتَدُّ. (قَوْلُهُ: فِيمَا زَادَ إلَخْ) رَاجِعٌ لِلْمَرِيضِ وَالزَّوْجَةِ فَقَطْ وَأَمَّا هِبَتُهُمَا لِلثُّلُثِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّ هِبَتَهُمَا مَا زَادَ إلَخْ) هَذَا تَفْصِيلٌ فِي مَفْهُومِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِمَّنْ لَهُ التَّبَرُّعُ بِهَا وَحِينَئِذٍ فَلَا يُعْتَرَضُ بِهِ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْبُطْلَانَ فِي الْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ غَيْرَ أَهْلِ التَّبَرُّعِ لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَدِينًا، أَوْ مَرِيضًا، أَوْ زَوْجَةً فِي زَائِدِ ثُلُثِهِمَا، أَوْ كَانَ غَيْرَهُمْ وَسَوَاءٌ أَجَازَ رَبُّ الدَّيْنِ وَالزَّوْجُ وَالْوَارِثُ مَا صَدَرَ مِنْ الْمَدِينِ وَالْمَرِيضِ وَالزَّوْجَةِ أَمْ لَا. (قَوْلُهُ: مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْوَارِثِ وَالزَّوْجِ) أَيْ عَلَى إجَازَتِهِمَا. (قَوْلُهُ: عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ) أَيْ عَلَى إجَازَتِهِ. (قَوْلُهُ: كَالْمُرْتَدِّ) أَيْ وَكَذَلِكَ السَّكْرَانُ وَالْمَجْنُونُ وَقَوْلُهُ: فَبَاطِلَةٌ أَيْ وَلَوْ أَجَازَهَا الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ الْمَالِ لِحَقِّ أَنْفُسِهِمْ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْهِبَةِ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا هِبَةً بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مِقْدَارٌ مِنْ الْمَالِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَالْمُرَادُ مَنْ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالْهِبَةِ الْأَوْلَى بِالْمَالِ وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالْهِبَةِ الذَّاتُ الَّتِي تُوهَبُ. (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ هِبَةٍ) أَيْ كَوَقْفٍ وَصَدَقَةٍ وَقَوْلُهُ: لِئَلَّا أَيْ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِئَلَّا إلَخْ. (قَوْلُهُ: كَأَنَّهُ قَالَ مِمَّنْ لَهُ التَّبَرُّعُ بِالْهِبَةِ) أَيْ بِالذَّاتِ الَّتِي تُوهَبُ وَقَوْلُهُ: أَيْ أَنَّ مَنْ لَهُ ذَلِكَ التَّبَرُّعُ بِالذَّاتِ الَّتِي تُوهَبُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا لَيْسَا لَهُمَا التَّبَرُّعُ دَائِمًا) أَيْ بَلْ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِالثُّلُثِ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ) أَيْ التَّبَرُّعُ دَائِمًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِمَا ذُكِرَ) أَيْ بِقَوْلِهِ بِهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ مِمَّنْ لَهُ التَّبَرُّعُ لَخَرَجَ الْمَرِيضُ وَالزَّوْجَةُ؛ إذْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute