عَلَى صِحَّةِ الْهِبَةِ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ) كَانَ الْمَمْلُوكُ الْقَابِلُ لِلنَّقْلِ شَرْعًا (مَجْهُولًا) أَيْ مَجْهُولَ الْعَيْنِ، أَوْ الْقَدْرِ لَهُمَا، أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَلَوْ خَالَفَ ظَنَّهُ بِكَثِيرٍ عَلَى التَّحْقِيقِ (أَوْ) كَانَ (كَلْبًا) مَأْذُونًا فِي اتِّخَاذِهِ؛ إذْ غَيْرُهُ لَا يُمْلَكُ.
(وَدَيْنًا) فَتَصِحُّ هِبَتُهُ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَلِغَيْرِهِ (وَهُوَ) أَيْ هِبَةُ الدَّيْنِ (إبْرَاءٌ إنْ وُهِبَ لِمَنْ) هُوَ (عَلَيْهِ) فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ (وَإِلَّا) يَهَبْهُ لِمَنْ عَلَيْهِ بَلْ لِغَيْرِهِ (فَكَالرَّهْنِ) أَيْ فَكَرَهْنِ الدَّيْنِ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ الْإِشْهَادُ وَكَذَا دَفْعُ ذِكْرِ الْحَقِّ أَيْ الْوَثِيقَةِ عَلَى قَوْلٍ وَقِيلَ هُوَ شَرْطُ كَمَالٍ كَالْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَلَوْ قَالَ فَكَرَهْنِهِ لَكَانَ أَظْهَرَ، وَشَبَّهَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي بَابِهِ لِشُهْرَتِهِ عِنْدَهُمْ.
(وَ) إنْ (رَهْنًا) أَيْ مَرْهُونًا يَصِحُّ هِبَتُهُ لِأَجْنَبِيٍّ حَيْثُ (لَمْ يُقْبَضْ) أَيْ لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ (وَ) قَدْ (أَيْسَرَ رَاهِنُهُ)
ــ
[حاشية الدسوقي]
الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ مِمَّنْ لَهُ التَّبَرُّعُ أَيْ دَائِمًا وَالْمَرِيضُ وَالزَّوْجَةُ لَيْسَ لَهُمَا التَّبَرُّعُ دَائِمًا فَأَتَى الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بِهَا لِإِدْخَالِهِمَا فَوَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ ضَمِيرَ بِهَا رَاجِعٌ لِلْهِبَةِ فَيَلْزَمُ شَرْطِيَّةُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ فَأُجِيبَ بِأَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْهِبَةِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا هِبَةٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا ذَاتٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ مِمَّنْ لَهُ التَّبَرُّعُ بِمَالٍ فَمَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ بِمَالٍ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ، أَوْ الْوَقْفِ فَلَهُ أَنْ يَهَبَ.
(قَوْلُهُ: عَلَى صِحَّةِ الْهِبَةِ) أَيْ هِبَةِ غَيْرِ الثَّوَابِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ خَالَفَ ظَنَّهُ بِكَثِيرٍ) أَيْ كَمَا إذَا وَهَبَ، أَوْ تَصَدَّقَ بِمِيرَاثِهِ مِنْ فُلَانٍ لِظَنِّهِ أَنَّهُ يَسِيرٌ فَإِذَا هُوَ كَثِيرٌ، أَوْ وَهَبَ لَهُ مَا فِي جَيْبِهِ ظَانًّا أَنَّهُ دِرْهَمٌ لِكَوْنِ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَجْعَلُ فِيهِ أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ فَوَجَدَ فِيهِ عَشَرَةَ مَحَابِيبَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْوَاضِحَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ لَهُ رَدُّ عَطِيَّتِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ إذَا عَلِمْت هَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ لَا فِي الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الشَّارِحِ إذْ الصِّحَّةُ لَا خِلَافَ فِيهَا كَمَا فِي بْن. (قَوْلُهُ: إذْ غَيْرُهُ لَا يُمْلَكُ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَصِحُّ هِبَتُهُ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَقْلٌ لِلْمِلْكِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْإِبْرَاءِ فَقِيلَ: إنَّهُ نَقْلٌ لِلْمِلْكِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْهِبَةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَقِيلَ إنَّهُ إسْقَاطٌ لِلْحَقِّ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَحْتَاجُ لِقَبُولٍ دُونَ الثَّانِي كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ فَإِنَّهُمَا مِنْ قَبِيلِ الْإِسْقَاطِ وَلَا تَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ فِيهِمَا لِقَبُولِ الْعِصْمَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ جَوَازُ تَأْخِيرِ الْقَبُولِ عَنْ الْإِيجَابِ كَمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ وَهُوَ صَرِيحُ نَقْلِ ابْنِ عَرَفَةَ وَنَصَّهُ ابْنُ عَتَّابٍ وَمَنْ سَكَتَ عَنْ قَبُولِ صَدَقَتِهِ زَمَانًا فَلَهُ قَبُولُهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ طَلَبَ غَلَّتَهَا حَلَفَ مَا سَكَتَ تَارِكًا لَهَا وَأَخَذَ الْغَلَّةَ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَكَالرَّهْنِ) أَيْ وَإِلَّا فَهِبَتُهُ كَرَهْنِ الدَّيْنِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً مِنْ زَيْدٍ بِعَشَرَةٍ لِأَجَلٍ وَيَرْهَنَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا دَيْنَهُ الَّذِي لَهُ عَلَى خَالِدٍ فَيَجُوزَ إنْ أَشْهَدَ عَلَى الرَّهْنِيَّةِ وَجَمَعَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَدَفَعَ لِلْبَائِعِ ذِكْرَ الدَّيْنِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا وَهَبَهُ الدَّيْنَ وَقَامَ بِذَلِكَ الدَّيْنِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ حُلِّفَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَا الْوَاهِبُ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ لَا يُحَلَّفُ لِيَسْتَحِقَّ غَيْرُهُ اُنْظُرْ ح وَإِنْ دَفَعَ الْمَدِينُ الدَّيْنَ لِلْوَاهِبِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْهِبَةِ ضَمِنَ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ فَكَالرَّهْنِ صِحَّةُ التَّصْيِيرِ فِي الْوَظَائِفِ وَهُوَ أَنْ يَتَجَمَّدَ لِإِنْسَانٍ مَالٌ مَعْلُومٌ مِنْ وَظِيفَةٍ، أَوْ جَامَكِيَّةٍ فَيُصَيِّرَهُ لِغَيْرِهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ التَّصْيِيرُ مِنْ غَيْرِ مُقَابَلَةِ شَيْءٍ بَلْ هِبَةٌ أَمَّا إنْ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ يُؤْخَذُ فِي مُقَابَلَةِ التَّصْيِيرِ فَالْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ نَقْدٍ بِنَقْدٍ نَسِيئَةً. (قَوْلُهُ: الْإِشْهَادُ) أَيْ عَلَى الْهِبَةِ كَمَا أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ رَهْنِ الدَّيْنِ يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَى الرَّهْنِ وَاشْتِرَاطُ الْإِشْهَادِ عَلَى الْهِبَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا حَصَلَ مَانِعٌ كَمَوْتِ الْوَاهِبِ وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا دَفْعُ ذِكْرِ الْحَقِّ) أَيْ فَإِنَّهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ هِبَةِ الدَّيْنِ وَرَهْنِهِ وَقَوْلُهُ: عَلَى قَوْلٍ هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ وَقَوْلُهُ: وَقِيلَ شَرْطُ كَمَالٍ هُوَ مَا فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ. (قَوْلُهُ: كَالْجَمْعِ بَيْنَهُ) أَيْ بَيْنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُرْتَهِنِ وَبَيْنَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ شَرْطُ كَمَالٍ بِاتِّفَاقٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ إذْ قَدْ قِيلَ إنَّهُ شَرْطُ صِحَّةٍ أَيْضًا فِيهِمَا كَمَا فِي بْن. (قَوْلُهُ: وَشَبَّهَ بِهِ) أَيْ بِرَهْنِ الدَّيْنِ وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ رَهْنَ الدَّيْنِ فِي بَابِهِ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: فَكَالرَّهْنِ إحَالَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ.
(قَوْلُهُ: وَرَهْنًا) حَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ رَهَنَ رَهْنًا فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ ثُمَّ وَهَبَهُ لِأَجْنَبِيٍّ فَإِنْ رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِهِبَةِ الرَّهْنِ لِذَلِكَ الْأَجْنَبِيِّ صَحَّتْ الْهِبَةُ مُطْلَقًا كَانَتْ قَبْلَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ لِلرَّهْنِ، أَوْ بَعْدَ قَبْضِهِ لَهُ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا، أَوْ مُعْسِرًا كَانَ الدَّيْنُ مِمَّا يُعَجَّلُ، أَوْ لَا وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمُرْتَهِنُ بِهِبَةِ الرَّهْنِ لِذَلِكَ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا كَانَتْ بَاطِلَةً وَقَعَتْ الْهِبَةُ قَبْلَ قَبْضِ الرَّهْنِ، أَوْ بَعْدَهُ كَانَ الدَّيْنُ مِمَّا يُعَجَّلُ أَمْ لَا وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا فَإِنْ وَقَعَتْ الْهِبَةُ قَبْلَ قَبْضِ الرَّهْنِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَإِنْ وَقَعَتْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِمَّا يُعَجَّلُ قُضِيَ عَلَى الرَّاهِنِ بِفَكِّ الرَّهْنِ وَتَعْجِيلِ الدَّيْنِ وَدَفْعِ الرَّهْنِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعَجَّلُ بَقِيَ الرَّهْنُ لِلْأَجَلِ فَإِذَا قُضِيَ الدَّيْنُ بَعْدَهُ دُفِعَ الرَّهْنُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِلَّا أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ وَبَطَلَتْ الْهِبَةُ. (قَوْلُهُ: يَصِحُّ هِبَتُهُ) أَيْ مِنْ الرَّاهِنِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ أَيْسَرَ رَاهِنُهُ) أَيْ بِالدَّيْنِ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute