للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمْرَ الْعَبْدِ (لِلْإِمَامِ إنْ لَمْ يَعْرِفْ) الْمُلْتَقِطُ (مُسْتَحِقَّهُ) - بِكَسْرِ الْحَاءِ - أَيْ مَالِكَهُ وَصَدَّقَهُ الْعَبْدُ فَهَذَا مِنْ تَتِمَّةِ مَا قَبْلَهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا آنِفًا وَذَلِكَ بَعْدَ الرَّفْعِ إلَخْ فَإِنْ عَرَفَ مُسْتَحِقَّهُ لَمْ يَحْتَجْ لِرَفْعٍ وَمَحَلُّ الرَّفْعِ لِلْإِمَامِ (إنْ لَمْ يَخْشَ ظُلْمَهُ) وَإِلَّا لَمْ يَرْفَعْ.

(وَإِنْ أَتَى رَجُلٌ) أَبَقَ لَهُ عَبْدٌ مِنْ قُطْرٍ إلَى قَاضِي قُطْرٍ آخَرَ عِنْدَهُ آبِقٌ (بِكِتَابِ قَاضٍ) مِنْ قُطْرِهِ مَضْمُونُهُ (أَنَّهُ قَدْ) (شُهِدَ عِنْدِي أَنَّ صَاحِبَ كِتَابِي هَذَا فُلَانٌ) الْفُلَانِيُّ، خَبَرُ أَنَّ الثَّانِيَةِ: (هَرَبَ مِنْهُ عَبْدٌ وَوَصَفَهُ) فِي مَكْتُوبِهِ (فَلْيُدْفَعْ إلَيْهِ) وُجُوبًا (بِذَلِكَ) حَيْثُ طَابَقَ وَصْفُهُ الْخَارِجِيُّ مَا فِي الْكِتَابِ وَلَا يَبْحَثُ عَنْ بَيِّنَتِهِ وَلَا غَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

(دَرْسٌ) (بَابٌ) فِي الْقَضَاءِ وَأَحْكَامِهِ. وَهُوَ لُغَةً يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ مِنْهَا الْفَرَاغُ كَمَا فِي وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَمِنْهَا الْأَدَاءُ كَمَا فِي قَضَى زَيْدٌ دَيْنَهُ أَيْ أَدَّاهُ وَوَفَّاهُ وَمِنْهَا الْحُكْمُ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَالْقَاضِي الْحَاكِمُ أَيْ مَنْ لَهُ الْحُكْمُ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِالْفِعْلِ وَلَا يَسْتَحِقُّهُ شَرْعًا إلَّا مَنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ أَشَارَ لِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (أَهْلُ الْقَضَاءِ) (عَدْلٌ) أَيْ مُسْتَحِقُّهُ عَدْلٌ أَيْ عَدْلٌ شَهَادَةً وَلَوْ عَتِيقًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَالْعَدَالَةُ تَسْتَلْزِمُ الْإِسْلَامَ وَالْبُلُوغَ وَالْعَقْلَ وَالْحُرِّيَّةَ وَعَدَمَ الْفِسْقِ (ذَكَرٌ) مُحَقَّقٌ لَا أُنْثَى وَلَا خُنْثَى (فَطِنٌ) ضِدُّ الْمُغَفَّلِ الَّذِي يَنْخَدِعُ بِتَحْسِينِ الْكَلَامِ وَلَا يَتَفَطَّنُ لِمَا يُوجِبُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ وَتَنَاقُضَ الْكَلَامِ فَالْفَطِنَةُ جَوْدَةُ الذِّهْنِ وَقُوَّةُ إدْرَاكِهِ لِمَعَانِي الْكَلَامِ (مُجْتَهِدٌ إنْ وُجِدَ) فَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ الْمُقَلِّدِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ (وَإِلَّا) يُوجَدْ مُجْتَهِدٌ مُطْلَقٌ (فَأَمْثَلُ مُقَلِّدٍ) هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْقَضَاءِ وَهُوَ الَّذِي لَهُ فِقْهٌ كَامِلٌ بِضَبْطِ الْمَسَائِلِ الْمَنْقُولَةِ وَاسْتِخْرَاجِ مَا لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ بِقِيَاسٍ عَلَى الْمَنْقُولِ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ أَصْلٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ تَوْلِيَةُ الْمُقَلِّدِ مَعَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ

ــ

[حاشية الدسوقي]

الْعَبْدَ أَمْ لَا.

(قَوْلُهُ: أَمْرَ الْعَبْدِ) أَيْ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِمُدَّعِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ دَعْوَاهُ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَصَدَّقَهُ الْعَبْدُ. (قَوْلُهُ: فَهَذَا مِنْ تَتِمَّةِ مَا قَبْلَهُ) أَيْ وَلَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ الْتَقَطَ عَبْدًا لَا يَعْرِفُ سَيِّدَهُ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ لِلْإِمَامِ وَإِلَّا كَانَ مُكَرَّرًا مَعَ قَوْلِهِ قَبْلُ " فَإِنْ أَخَذَهُ رَفَعَ لِلْإِمَامِ ". (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَخْشَ ظُلْمَهُ) أَيْ انْتَفَتْ خَشْيَةُ ظُلْمِهِ أَيْ خَوْفُ ظُلْمِهِ بِأَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ ظُلْمًا وَأَوْلَى إذَا تَحَقَّقَ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ وَإِلَّا تَنْتَفِ خَشْيَةُ ظُلْمِهِ بِأَنْ ظَنَّ، أَوْ تَحَقَّقَ أَخْذَهُ ظُلْمًا لَمْ يَرْفَعْ.

(قَوْلُهُ: خَبَرُ أَنَّ الثَّانِيَةِ) لَا يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ مَحَطُّ الْفَائِدَةِ وَإِنَّمَا مَحَطُّهَا هَرَبَ إلَخْ فَالْأَوْلَى نَصْبُهُ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ اسْمِ أَنَّ وَأَنَّ " هَرَبَ " هُوَ الْخَبَرُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْخَبَرُ قِسْمَانِ قِسْمٌ تَتِمُّ الْفَائِدَةُ بِهِ نَفْسِهِ وَقِسْمٌ تَتِمُّ بِهِ الْفَائِدَةُ مَعَ تَابِعِهِ نَحْوُ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ وَمَا هُنَا مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْحَالَ قَيْدٌ فِي عَامِلِهَا وَوَصْفٌ لِصَاحِبِهَا. (قَوْلُهُ: هَرَبَ مِنْهُ) حَالٌ مِنْ " فُلَانٌ " عَلَى تَقْدِيرِ قَدْ؛ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْعِلْمِ، أَوْ خَبَرٌ ثَانٍ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةِ. (قَوْلُهُ: فَلْيُدْفَعْ إلَيْهِ بِذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ يَمِينِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ مَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَبْحَثُ عَنْ بَيِّنَتِهِ) أَيْ عَنْ حَالِهَا وَلَا يَطْلُبُ إحْضَارَهَا وَشَهَادَتَهَا عِنْدَهُ ثَانِيًا وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا لَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ فِي الْقَضَاءِ وَلَمْ يَفِدْ وَحْدَهُ أَيْ لَمْ يَفِدْ كِتَابُ الْقَاضِي وَحْدَهُ لِاحْتِمَالِ تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِهَذَا وَذَلِكَ لِخِفَّةِ الْأَمْرِ هُنَا أَلَا تَرَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ سَيِّدَهُ يَأْخُذُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا دَعْوَاهُ، أَوْ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى قَوْلَيْنِ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ طفي وَالثَّانِي ظَاهِرُ بْن. .

[بَابٌ فِي الْقَضَاءِ وَأَحْكَامِهِ]

(بَابٌ فِي الْقَضَاءِ) (قَوْلُهُ: أَهْلُ الْقَضَاءِ) أَيْ الْمُتَأَهِّلُ لَهُ وَالْمُسْتَحِقُّ لَهُ عَدْلٌ فَغَيْرُ الْعَدْلِ لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْجُمْهُورِ) أَيْ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ حَيْثُ قَالَ يُمْنَعُ تَوْلِيَةُ الْعَتِيقِ قَاضِيًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يُسْتَحَقَّ فَتُرَدَّ أَحْكَامُهُ. (قَوْلُهُ: تَسْتَلْزِمُ إلَخْ) أَيْ مِنْ اسْتِلْزَامِ الْكُلِّ لَا جُزْئِهِ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ وَصْفٌ مُرَكَّبٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ وَلَا يُغْنِي عَنْ الْعَدْلِ قَوْلُهُ: مُجْتَهِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ عَلَى الصَّحِيحِ. (قَوْلُهُ: لَا أُنْثَى وَلَا خُنْثَى) أَيْ فَلَا يَصِحُّ تَوْلِيَتُهُمَا لِلْقَضَاءِ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُمَا. (قَوْلُهُ: جَوْدَةُ الذِّهْنِ) أَيْ الْعَقْلِ فَمُجَرَّدُ الْعَقْلِ التَّكْلِيفِيِّ لَا يَكْفِي لِمُجَامَعَتِهِ لِلْغَفْلَةِ وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْقَاضِي غَيْرَ زَائِدِ فِي الْفَطَانَةِ كَمَا يَأْتِي فَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ أَصْلُ الْفَطَانَةِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَطِنٌ أَيْ ذُو فَطَانَةٍ فَهُوَ مِنْ بَابِ النَّسَبِ كَقَوْلِهِمْ فُلَانٌ لَبِنٌ وَتَمِرٌ أَيْ صَاحِبُ لَبَنٍ وَتَمْرٍ لَا مِنْ بَابِ الْمُبَالَغَةِ، أَوْ أَنَّ " فَطِنٌ " بِمَعْنَى فَاطِنٍ أَيْ جَيِّدِ الذِّهْنِ. (قَوْلُهُ: مُجْتَهِدٌ) أَيْ مُطْلَقٌ إنْ وُجِدَ قَالَ ح يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا وَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْعِلْمَ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحْسَنَةِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. (قَوْلُهُ: فَأَمْثَلُ مُقَلِّدٍ) أَيْ فَأَفْضَلُ مُقَلِّدٍ وَهُوَ مُجْتَهِدُ الْفَتْوَى وَالْمَذْهَبِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْأَمْثَلُ بَلْ يَصِحُّ تَوْلِيَةُ مَنْ هُوَ دُونَهُ مَعَ وُجُودِهِ حَيْثُ كَانَ عَالِمًا بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ يَصِحُّ تَوْلِيَةُ غَيْرِ الْعَالِمِ حَيْثُ شَاوَرَ الْعُلَمَاءَ. (قَوْلُهُ: لَهُ فِقْهٌ) أَيْ فَهْمٌ كَامِلٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِاعْتِبَارِ أَصْلٍ) أَيْ قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِقِيَاسٍ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ إلَخْ) أَيْ كَمَا أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَصِحُّ تَوْلِيَةُ غَيْرِ الْأَمْثَلِ مَعَ وُجُودِهِ كَمَا عَلِمْتَ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ كَوْنَهُ مُجْتَهِدًا مُطْلَقًا إنْ وُجِدَ غَيْرُ شَرْطٍ فِي صِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ وَكَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>