(وَزِيدَ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ) وَهُوَ الْخَلِيفَةُ وَصْفٌ خَامِسٌ وَهُوَ أَنَّهُ (قُرَشِيٌّ) فَلَا تَصِحُّ خِلَافَةُ غَيْرِ الْقُرَشِيِّ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْخِلَافَةَ فِي قُرَيْشٍ» وَقُرَيْشٌ قِيلَ هُوَ فِهْرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ هُوَ النَّضْرُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَبَّاسِيًّا وَلَا عَلَوِيًّا لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ - وَهُوَ تَيْمِيٌّ وَعُمَرَ - وَهُوَ عَدَوِيٌّ - وَعُثْمَانَ - وَهُوَ أُمَوِيٌّ وَعَلِيٍّ - وَهُوَ هَاشِمِيٌّ -، وَالْكُلُّ مِنْ قُرَيْشٍ ثُمَّ اسْتَقَرَّتْ الْخِلَافَةُ فِي بَنِي أُمَيَّةَ مَعَ كَثْرَةِ الْفِتَنِ، ثُمَّ فِي بَنِي الْعَبَّاسِ.
(فَحُكْمُ) الْمُقَلِّدِ وُجُوبًا مِنْ خَلِيفَةٍ أَوْ قَاضٍ (بِقَوْلِ مُقَلَّدِهِ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ بِالرَّاجِحِ مِنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ لَا بِقَوْلِ غَيْرِهِ وَلَا بِالضَّعِيفِ مِنْ مَذْهَبِهِ وَكَذَا الْمُفْتِي فَإِنْ حَكَمَ بِالضَّعِيفِ نُقِضَ حُكْمُهُ إلَّا إذَا لَمْ يَشْتَدَّ ضَعْفُهُ وَكَانَ الْحَاكِمُ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ وَتَرَجَّحَ عِنْدَهُ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِمُرَجِّحٍ مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ فَلَا يُنْقَضُ كَمَا لَوْ قَاسَ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ وَهُوَ أَهْلُهُ.
وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ ذَا بَصَرٍ وَكَلَامٍ وَسَمْعٍ فَلَا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْأَعْمَى، أَوْ الْأَبْكَمِ أَوْ الْأَصَمِّ (وَ) إنْ وَقَعَ (نَفَذَ حُكْمُ أَعْمَى وَأَبْكَمَ وَأَصَمَّ) الْوَاوُ بِمَعْنَى، أَوْ أَيْ لَا يُنْقَضُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ هَذِهِ الْأُمُورِ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ وِلَايَتِهِ ابْتِدَاءً وَلَا فِي صِحَّةِ دَوَامِهَا بَلْ هُوَ وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ فِي الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ وَلِذَا قَالَ (وَوَجَبَ عَزْلُهُ) وَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَمْرَانِ: عَدَمُ جَوَازِ وِلَايَتِهِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا وَصِحَّةُ حُكْمِهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ.
(وَلَزِمَ الْمُتَعَيَّنَ) أَيْ الْمُنْفَرِدَ فِي الْوَقْتِ بِشُرُوطِ الْقَضَاءِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
كَوْنُهُ مُقَلِّدًا أَمْثَلَ. (قَوْلُهُ: وَزِيدَ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَصْفٌ خَامِسٌ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ الْخَمْسَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي وِلَايَةِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ ابْتِدَاءً لَا فِي دَوَامِ وِلَايَتِهِ؛ إذْ لَا يَنْعَزِلُ بَعْدَ مُبَايَعَةِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ لَهُ بِطُرُوِّ فِسْقٍ كَنَهْبِ أَمْوَالٍ؛ لِأَنَّ عَزْلَهُ مُؤَدٍّ لِلْفِتَنِ فَارْتُكِبَ أَخَفُّ الضَّرَرَيْنِ، وَسُدَّ الذَّرِيعَةُ نَعَمْ إنْ طَرَأَ كُفْرُهُ وَجَبَ عَزْلُهُ وَنُبِذَ عَهْدُهُ. (قَوْلُهُ: وَقُرَيْشٌ) أَيْ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِي الْخَلِيفَةِ أَنْ يَكُونَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ هُوَ فِهْرٌ إلَخْ وَلُقِّبَ بِقُرَيْشٍ تَصْغِيرِ قِرْشٍ حَيَوَانٍ مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ يَفْتَرِسُ غَيْرَهُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الْبَحْرِيَّةِ لِافْتِرَاسِهِ لِأَعْدَائِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَبَّاسِيًّا) بَلْ وَلَا يُسْتَحَبُّ أَيْضًا فَقَدْ ذَكَرَ طفى أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ لَا أَفْضَلِيَّةَ لِعَبَّاسِيٍّ عَلَى غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا لعبق.
(قَوْلُهُ: بِقَوْلِ مُقَلَّدِهِ) لَا خُصُوصِيَّةَ لِقَوْلِهِ " مُقَلَّدِهِ " بَلْ وَكَذَا قَوْلُ أَصْحَابِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ إلَّا بِمَشْهُورِ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الشَّارِحِ سَوَاءٌ كَانَ قَوْلَ إمَامِهِ، أَوْ قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. (قَوْلُهُ: لَا بِقَوْلِ غَيْرِهِ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِقَوْلِ غَيْرِ مُقَلَّدِهِ أَيْ بِمَذْهَبٍ غَيْرِ مَذْهَبِ إمَامِهِ وَإِنْ حَكَمَ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحُكْمُ بِقَوْلِ إمَامِهِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ حَتَّى قِيلَ لَيْسَ مُقَلَّدُهُ رَسُولًا أُرْسِلَ إلَيْهِ بَلْ حَكَوْا خِلَافًا إذَا اشْتَرَطَ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا بِمَذْهَبِ إمَامِهِ فَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ الشَّرْطُ وَقِيلَ بَلْ ذَلِكَ يُفْسِدُ التَّوْلِيَةَ وَقِيلَ يَمْضِي الشَّرْطُ لِمَصْلَحَةٍ اُنْظُرْ ح. (قَوْلُهُ: أَيْ بِالرَّاجِحِ مِنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ) أَيْ كَرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَرِوَايَةِ غَيْرِهِ فِيهَا عَنْ الْإِمَامِ وَذَلِكَ لِتَقْدِيمِ رِوَايَةِ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا عَلَى قَوْلِهِ فِيهَا وَأَوْلَى فِي غَيْرِهَا وَكَذَا عَلَى رِوَايَتِهِ فِي غَيْرِهَا عَنْ الْإِمَامِ فَإِنْ لَمْ يَرْوِ عَنْ الْإِمَامِ أَحَدٌ فِيهَا شَيْئًا قُدِّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ فِي غَيْرِهَا عَنْ الْإِمَامِ وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمُفْتِي) أَيْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِفْتَاءُ إلَّا بِالرَّاجِحِ مِنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ لَا بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ وَلَا بِالضَّعِيفِ مِنْ مَذْهَبِهِ نَعَمْ يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِالضَّعِيفِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ إذَا تَحَقَّقَ الضَّرُورَةَ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي الْإِفْتَاءُ بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الضَّرُورَةَ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ كَمَا يَتَحَقَّقُهَا مِنْ نَفْسِهِ وَلِذَلِكَ سَدُّوا الذَّرِيعَةَ وَقَالُوا بِمَنْعِ الْفَتْوَى بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ خَوْفَ أَنْ لَا تَكُونَ الضَّرُورَةُ مُتَحَقِّقَةً لَا لِأَجْلِ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِالضَّعِيفِ وَلَوْ تَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ يَوْمًا مَا قَالَهُ بْن وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ صَدِيقَهُ بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ إذَا تَحَقَّقَ ضَرُورَتَهُ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الصَّدِيقِ لَا يَخْفَى عَلَى صَدِيقِهِ اهـ قَالَهُ الْأَمِيرُ فِي حَاشِيَةِ عبق. (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَهْلُهُ) أَيْ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْقِيَاسِ وَإِلَّا رُدَّ.
(قَوْلُهُ: الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ) فَالْمَعْنَى وَنَفَذَ حُكْمُ مَنْ اتَّصَفَ بِوَاحِدَةٍ فَقَطْ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَإِنْ اتَّصَفَ بِاثْنَتَيْنِ مِنْهَا أَوْ بِالثَّلَاثَةِ فَلَا تَنْعَقِدُ وِلَايَتُهُ كَمَا فِي ح عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِي بْن رَجَّحَ الْبَاجِيَّ وَابْنُ رُشْدٍ صِحَّةَ وِلَايَةِ مَنْ لَا يَكْتُبُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ وِلَايَةِ الْقَاضِي أَنْ يَعْرِفَ الْكِتَابَةَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. (قَوْلُهُ: فِي الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " وَاجِبٌ " أَيْ وَحَيْثُ كَانَ وَاجِبًا فِي الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ فَلَا تَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْقَاضِي ابْتِدَاءً وَلَا اسْتِمْرَارُ وِلَايَتِهِ إلَّا إذَا اتَّصَفَ بِعَدَمِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَإِنْ اتَّصَفَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ ابْتِدَاءً وَلَا اسْتِمْرَارًا مَعَ صِحَّةِ مَا وَقَعَ مِنْهُ الْحُكْمُ هَذَا وَتَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْأَعْمَى فِي الْفَتْوَى كَمَا فِي فَتَاوَى الْبُرْزُلِيِّ. (قَوْلُهُ: وَلِذَا) أَيْ وَلِأَجْلِ كَوْنِ عَدَمِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَاجِبًا بِالنَّظَرِ لِلِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ وَجَبَ عَزْلُهُ هَذَا إذَا كَانَ مُتَّصِفًا بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ حِينَ التَّوْلِيَةِ بَلْ وَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا بَعْدَهَا. (قَوْلُهُ: فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ كَلَام الْمُصَنِّفِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَنَفَذَ حُكْمُ أَعْمَى إلَخْ وَقَوْلَهُ وَوَجَبَ عَزْلُهُ. (قَوْلُهُ: عَدَمُ إلَخْ) هَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute