(وَلَوْ مَعَ وَالٍ) أَيْ أَمِيرٍ (جَائِرٍ) فِي أَحْكَامِهِ ظَالِمٍ فِي رَعِيَّتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَادِرًا يَنْقُضُ الْعَهْدَ فَلَا يَجِبُ مَعَهُ عَلَى الْأَصَحِّ (عَلَى كُلِّ حُرٍّ ذَكَرٍ مُكَلَّفٍ قَادِرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِفَرْضُ كِفَايَةٍ (كَالْقِيَامِ بِعُلُومِ الشَّرْعِ) غَيْرَ الْعَيْنِيِّ، وَهِيَ الْفِقْهُ وَالتَّفْسِيرُ وَالْحَدِيثُ وَالْعَقَائِدُ، وَمَا تَوَقَّفْت عَلَيْهِ مِنْ نَحْوٍ وَتَصْرِيفٍ وَمَعَانٍ وَبَيَانٍ وَحِسَابٍ وَأُصُولٍ لَا فَلْسَفَةٍ، وَهَيْئَةٍ، وَلَا مَنْطِقٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا عَرُوضٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَالْمُرَادُ بِالْقِيَامِ بِهَا حِفْظُهَا وَإِقْرَاؤُهَا وَتَدْوِينُهَا وَتَحْقِيقُهَا (وَالْفَتْوَى) وَهِيَ الْإِخْبَارُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْإِلْزَامِ (وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ) ، وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (وَالْقَضَاءِ) ، وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِالْحُكْمِ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ فَصْلِ الْخُصُومَاتِ وَرَفْعِ الْهَرْجِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ (وَالشَّهَادَةِ) أَدَاءً وَتَحَمُّلًا إنْ اُحْتِيجَ لِذَلِكَ (وَالْإِمَامَةِ) الْكُبْرَى (وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ) أَيْ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ أَيْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا بِشَرْطِ مَعْرِفَةِ كُلٍّ، وَأَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى ارْتِكَابِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ مَفْسَدَةً، وَأَنْ يَظُنَّ الْإِفَادَةَ.
وَالْأَوَّلَانِ شَرْطَانِ لِلْجَوَازِ فَيَحْرُمُ عِنْدَ فَقْدِهِمَا وَالثَّالِثُ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ فَيَسْقُطُ عِنْدَ عَدَمِ ظَنِّ الْإِفَادَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَمُرْتَكِبُهُ يَرَى تَحْرِيمَهُ لَا إنْ كَانَ يَرَى حِلَّهُ أَوْ يُقَلِّدُ مَنْ يَقُولُ بِالْحِلِّ (وَالْحِرَفِ الْمُهِمَّةِ) أَيْ الَّتِي بِهَا صَلَاحُ النَّاسِ، وَإِقَامَةُ مَعَاشِهِمْ كَالْخِيَاطَةِ وَالنَّجَّارَةِ وَالْحِيَاكَةِ وَالْفِلَاحَةِ لَا كَقَصْرِ ثَوْبٍ وَنَقْشٍ وَطَرْزٍ (وَرَدِّ السَّلَامِ) ، وَلَوْ مِنْ قَارِئِ قُرْآنٍ وَآكِلٍ أَوْ مُصَلٍّ لَكِنْ بِالْإِشَارَةِ، وَلَا يَطْلُبُ بِالرَّدِّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا وَكَذَا يَجِبُ الرَّدُّ عَلَى مُلَبٍّ وَمُؤَذِّنٍ وَمُقِيمٍ لَكِنْ بَعْدَ الْفَرَاغِ إنْ بَقِيَ الْمُسْلِمُ لَا عَلَى قَاضِي حَاجَةٍ وَوَاطِئٍ، وَلَا عَلَى مُسْتَمِعِ خُطْبَةٍ كَشَابَّةٍ (وَتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ) وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ (وَفَكِّ الْأَسِيرِ) ، وَلَوْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يُفَكُّ بِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَلْ يَتَعَيَّنُ فِي مَالِهِ.
(وَتَعَيَّنَ) الْجِهَادُ (بِفَجْءِ الْعَدُوِّ) عَلَى قَوْمٍ (وَإِنْ) تَوَجَّهَ الدَّفْعُ (عَلَى امْرَأَةٍ)
ــ
[حاشية الدسوقي]
لِطَوَافٍ فَقَطْ أَوْ عُمْرَةٍ، وَأَفْرَدَ هَذَا عَنْ نَظَائِرِهِ الْآتِيَةِ لِمُشَارَكَتِهِ لِلْجِهَادِ فِي الْوُجُوبِ كُلَّ سَنَةٍ بِخِلَافِ الْأُمُورِ الْآتِيَةِ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ لَا فِي كُلِّ سَنَةٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فَرْضِيَّةَ إقَامَةِ الْمَوْسِمِ تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الشَّعِيرَةِ، وَإِنْ لَمْ يُلَاحِظُوا فَرْضَ الْكِفَايَةِ نَعَمْ ثَوَابُ الْفَرْضِ يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّتِهِ قَالَهُ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَعَ وَالٍ جَائِرٍ) رَدَّ بِلَوْ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يُغَازِي مَعَهُ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ غَادِرًا يَنْقُضُ الْعَهْدَ) أَيْ وَلَوْ مَعَ كَافِرٍ عَلَى الظَّاهِرِ قَالَهُ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: عَلَى كُلِّ حُرٍّ إلَخْ) هَذَا يَشْمَلُ الْكَافِرَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ بِأَنْ يَقْتُلَ غَيْرَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالْفُرُوعِ كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ كَيْفَ يَكُونُ الْجِهَادُ وَاجِبًا عَلَى الْكَافِرِ وَقَدْ عَدَّ ابْنُ رُشْدٍ الْإِسْلَامَ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ كَمَا نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ. اهـ. بْن، وَقَدْ يُقَالُ لَا يَرِدُ هَذَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَ ابْنِ رُشْدٍ الْوُجُوبُ الَّذِي يُطَالَبُ بِسَبَبِهِ الْإِمَامُ وَوُلَاةُ الْأُمُورِ، وَالْكُفَّارُ لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ وَإِنْ قُلْنَا بِخِطَابِهِمْ بِالْفُرُوعِ وَأَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَلَيْهَا عَذَابًا زَائِدًا عَلَى عَذَابِ الْكُفَّارِ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ الْفِقْهُ) أَيْ الْعُلُومُ الشَّرْعِيَّةُ غَيْرُ الْعَيْنِيِّ الْفِقْهِ إلَخْ.
وَأَمَّا الْوَاجِبُ الْعَيْنِيُّ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِي مَعْرِفَةِ بَابٍ مُعَيَّنٍ بَلْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ لَا يَقْدُمَ عَلَى أَمْرٍ مِنْ طَهَارَةٍ وَصَلَاةٍ وَغَيْرِهِمَا حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ، وَلَوْ بِالسُّؤَالِ عَنْهُ (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ) فَقَدْ نَهَى عَنْ قِرَاءَتِهِ الْبَاجِيَّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَعِيَاضٌ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ تَعَلُّمِهِ لِتَوَقُّفِ الْعَقَائِدِ عَلَيْهِ وَتَوَقُّفِ إقَامَةِ الدِّينِ عَلَيْهَا وَرَدَّ ذَلِكَ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ عَقَائِدِ الدِّينِ إلَّا الْعَقِيدَةُ الَّتِي يُشَارِكُ فِيهَا الْعَوَامُّ وَإِنَّمَا يَتَمَيَّزُ عَنْهُمْ بِصِفَةِ الْمُجَادَلَةِ.
(قَوْلُهُ: وَهِيَ الْإِخْبَارُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْإِلْزَامِ) لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْقِيَامِ بِعُلُومِ الشَّرْعِ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (قَوْلُهُ: وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ بِإِطْعَامِ جَائِعٍ وَسِتْرِ عَوْرَةٍ حَيْثُ لَمْ تَفِ الصَّدَقَاتُ وَلَا بَيْتُ الْمَالِ بِذَلِكَ، وَبِالْمُعَاوَنَةِ عَلَى رَدِّ مَا أَخَذَهُ اللِّصُّ لِصَاحِبِهِ، وَبِرَدِّ الظَّالِمِ عَلَى الْمَظْلُومِ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْإِخْبَارُ) فِيهِ نَظَرٌ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْقَضَاءَ إنْشَاءُ الْإِخْبَارِ بِالْحُكْمِ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ (قَوْلُهُ: مَعْرِفَةُ كُلٍّ) أَيْ مِنْ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَظُنَّ الْإِفَادَةَ) لَا يَخْفَى أَنَّ ظَنَّ الْإِفَادَةِ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ التَّأْدِيَةِ إلَى مُنْكَرٍ أَكْبَرَ مِنْهُ لَكِنَّ ثَمَرَةَ التَّعْدَادِ تَظْهَرُ عِنْدَ اخْتِلَالِ الْقُيُودِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اخْتَلَّ الثَّانِي يَحْرُمُ، وَإِذَا اخْتَلَّ الثَّالِثُ يَجُوزُ أَوْ يُنْدَبُ (قَوْلُهُ: وَآكِلٍ) الَّذِي ذَكَرَهُ ح فِي بَابِ الْأَذَانِ أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْآكِلِ، وَلَا يَرِدُ اُنْظُرْهُ، وَذَكَرَ عج أَنَّ السَّلَامَ كَمَا يُطْلَبُ مِنْ الْقَادِمِ يُطْلَبُ مِنْ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ، وَأَنَّهُ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا السَّلَامُ عَلَى الْكُفَّارِ فَإِنْ سَلَّمُوا عَلَيْنَا بِإِخْلَاصٍ وَجَبَ عَلَيْنَا الرَّدُّ. (قَوْلُهُ: كَشَابَّةٍ) أَيْ سَلَّمَ عَلَيْهَا بَالِغٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهَا الرَّدُّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ لَا يَحْصُلُ لَهُمْ ضَرَرٌ بِذَلِكَ، وَإِلَّا ارْتَكَبَ أَخَفَّ الضَّرَرَيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ تَوَجَّهَ الدَّفْعُ عَلَى امْرَأَةٍ وَرَقِيقٍ) فِيهِ إنْ تَوَجَّهَ الدَّفْعُ هُوَ عَيْنُ فَرْضِيَّةِ الْجِهَادِ عَلَيْهِمْ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَتَوَجَّهَ الدَّفْعُ بِفَجْءِ الْعَدُوِّ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَإِنْ كَانَ التَّوَجُّهُ عَلَى امْرَأَةٍ وَهَذَا غَيْرُ مَعْقُولٍ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلَى امْرَأَةٍ مُبَالَغَةً فِي مَحْذُوفٍ، وَالْمَعْنَى: وَتَعَيَّنَ بِفَجْءِ الْعَدُوِّ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْأَحَدُ امْرَأَةً، كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا قَالَ الْجُزُولِيُّ: وَيُسْهَمْ إذْ ذَاكَ لِلْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute