وَكَذَا إنْ سَاوَاهُ وَاسْتَظْهَرَ (مِنْ تَبَرُّعِهِ) بِعِتْقٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ حَمَالَةٍ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ هُوَ ذَلِكَ وَلَهُمْ رَدُّهُ حَيْثُ عَلِمُوا وَمِنْ التَّبَرُّعِ قَرْضٌ لِعَدِيمٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ ضَيَاعِ مَالِ الْغَيْرِ وَلَيْسَ مِنْهُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ كَكِسْرَةٍ لِسَائِلٍ وَنَفَقَةِ عِيدَيْنِ وَأُضْحِيَّةٍ وَنَفَقَةِ ابْنِهِ وَأَبِيهِ دُونَ سَرَفٍ فِي الْجَمِيعِ وَخَرَجَ بِتَبَرُّعِهِ تَصَرُّفُهُ الْمَالِيُّ كَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَمِنْهُ هِبَةُ الثَّوَابِ (و) لِلْغَرِيمِ مَنْعُهُ (مِنْ سَفَرِهِ) أَيْ الْمَدِينِ مُطْلَقًا وَلَوْ لَمْ يُحِطْ الدَّيْنُ بِمَالِهِ (إنْ حَلَّ) الدَّيْنُ (بِغَيْبَتِهِ) وَأَيْسَرَ وَلَمْ يُوَكِّلْ فِي قَضَائِهِ وَلَمْ يَضْمَنْهُ مُوسِرٌ (وَ) لَهُ مَنْعُهُ مِنْ (إعْطَاءِ غَيْرِهِ) مِنْ الْغُرَمَاءِ بَعْضَ مَا بِيَدِهِ (قَبْلَ) حُلُولِ (أَجَلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ فَيَرْجِعُ لِلتَّبَرُّعِ (أَوْ) إعْطَاءِ غَيْرِهِ (كُلَّ مَا بِيَدِهِ) وَلَوْ حَلَّ الدَّيْنُ (كَإِقْرَارِهِ) أَيْ الْمَدِينِ (لِمُتَّهَمٍ عَلَيْهِ) كَابْنِهِ وَأَخِيهِ وَزَوْجَةٍ يَمِيلُ إلَيْهَا وَصَدِيقٍ مُلَاطِفٍ فَلِلْغَرِيمِ مَنْعُهُ مِنْهُ (عَلَى الْمُخْتَارِ وَالْأَصَحُّ) بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَّهَمِ عَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُفْلِسِ الْآتِي أَنَّ هَذَا أَخَفُّ مِنْ ذَلِكَ (لَا) مَنْعُهُ مِنْ إعْطَاءِ (بَعْضِهِ) أَيْ بَعْضِ مَا بِيَدِهِ لِبَعْضِ غُرَمَائِهِ الْحَالِّ دَيْنُهُ وَيَجُوزُ لَهُ هُوَ أَيْضًا ذَلِكَ
ــ
[حاشية الدسوقي]
الشَّيْخُ عَلِيٌّ السَّنْهُورِيُّ لَكِنَّ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ يُفِيدُهُ بَلْ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يُفِيدُ تَرْجِيحَهُ كَمَا كَتَبَ ذَلِكَ بَعْضُ تَلَامِذَةِ ابْنِ عبق نَقْلًا عَنْهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا إنْ سَاوَاهُ وَاسْتَظْهَرَ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ إتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي الزَّائِدِ وَكَذَا فِي الْمُسَاوِي بَلْ النَّقْلُ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا أَحَاطَ بِبَعْضِ مَالِهِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ التَّبَرُّعِ إذَا كَانَ التَّبَرُّعُ يُنْقِصُ مَالَهُ عَنْ الدَّيْنِ فَإِذَا كَانَتْ حَمَالَتُهُ الَّتِي تَحَمَّلَ بِهَا لَا يَحْمِلُهَا مَا فَضَلَ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ فَلَا تَجُوزُ وَتُفْسَخُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ يَحْمِلُهَا مَا فَضَلَ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَهِيَ جَائِزَةٌ فِي الْحُكْمِ سَائِغَةٌ فِي فِعْلِهَا اُنْظُرْ بْن فَإِذَا كَانَ يَمْلِكُ مِائَةً وَعَلَيْهِ خَمْسُونَ دِينَارًا، فَإِنْ تَحَمَّلَ بِأَرْبَعِينَ جَازَ وَإِنْ تَحَمَّلَ بِسِتِّينَ مُنِعَ.
(قَوْلُهُ مِنْ تَبَرُّعِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِمُنِعَ (قَوْلُهُ أَوْ حَمَالَةٍ) أَيْ لِأَنَّهَا مِنْ نَاحِيَةِ الصَّدَقَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ هُوَ) أَيْ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ، وَقَوْلُهُ ذَلِكَ أَيْ التَّبَرُّعُ الْمَذْكُورُ (قَوْلُهُ حَيْثُ عَلِمُوا) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ طُولِ زَمَانٍ (قَوْلُهُ وَمِنْ التَّبَرُّعِ قَرْضٌ لِعَدِيمٍ) الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ لِعَدِيمٍ لِمَا يَأْتِي لَهُ فِي الْإِعْطَاءِ قَبْلَ الْأَجَلِ (قَوْلُهُ وَأُضْحِيَّةٍ) أَيْ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ تَبَرُّعًا وَنَفَقَةُ ابْنِهِ وَأَبِيهِ أَيْ الْمُعْدَمَيْنِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَلَيْسَتْ تَبَرُّعًا، وَأَمَّا إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ فَيُمْنَعُ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ (قَوْلُهُ وَخَرَجَ بِتَبَرُّعِهِ تَصَرُّفُهُ الْمَالِيُّ) أَيْ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ بِمُجَرَّدِ إحَاطَةِ الدَّيْنِ بِمَالِهِ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بِالتَّفْلِيسِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَهُوَ قِيَامُ الْغُرَمَاءِ عَلَيْهِ وَأَوْلَى بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ فَيُمْنَعُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ بِالتَّبَرُّعَاتِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَلَوْ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ وَمِنْ التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ الَّذِي لَا يُمْنَعُ مِنْهُ (قَوْلُهُ أَيْ الْمَدِينُ مُطْلَقًا) أَيْ لَا بِقَيْدِ إحَاطَةِ الدَّيْنِ بِمَالِهِ فَفِي كَلَامِهِ اسْتِخْدَامٌ؛ لِأَنَّ مِنْ وَاقِعَةٌ عَلَى الْمَدِينِ بِقَيْدِ كَوْنِهِ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ بِدَلِيلِ الصِّلَةِ أَوْ الصِّفَةِ وَضَمِيرُ سَفَرِهِ رَاجِعٌ لِلْمَدِينِ الْأَعَمِّ (قَوْلُهُ بِغَيْبَتِهِ) أَيْ وَأَمَّا إنْ كَانَ الدَّيْنُ لَا يَحِلُّ فِي غَيْبَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَحِلُّ فِي غَيْبَتِهِ وَلَكِنَّهُ ثَابِتُ الْعُسْرِ فَلَا يَمْنَعُهُ أَوْ كَانَ مُوسِرًا وَوَكَّلَ فِي قَضَائِهِ إذَا حَلَّ أَوْ ضَمِنَهُ مُوسِرٌ فَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ السَّفَرِ وَمَحَلُّ عَدَمِ مَنْعِهِ إذَا كَانَ لَا يَحِلُّ فِي غَيْبَتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِاللَّدَدِ وَإِلَّا كَانَ لِلْغَرِيمِ مَنْعُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَرَاخَى فِي الرُّجُوعِ مِنْ السَّفَرِ لَدَدًا (قَوْلُهُ وَإِعْطَاءُ غَيْرِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ) أَيْ، وَأَمَّا دَفْعُهُ بَعْضَ مَا بِيَدِهِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ بَعْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ سَلَفٌ) أَيْ لِأَنَّ مَنْ عَجَّلَ مَا أَجَّلَ عُدَّ مُسَلِّفًا وَالسَّلَفُ مِنْ جُمْلَةِ التَّبَرُّعِ فَيَرُدُّ كُلَّ مَا أَعْطَاهُ لِلْغَيْرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَرُدُّ كُلَّ مَا أَعْطَاهُ لِذَلِكَ الْغَيْرِ بَلْ بَعْضَهُ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمُؤَجَّلِ أَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ مُعَجَّلًا فَالزَّائِدُ عَلَى قِيمَتِهِ مُؤَجَّلًا هِبَةٌ تُرَدُّ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ أَوْ إعْطَاءُ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَانِعِ لَهُ مِنْ الْغُرَمَاءِ كُلَّ مَا بِيَدِهِ، وَمِثْلُ إعْطَاءِ الْكُلِّ مَا إذَا بَقِيَ فِي يَدِهِ فَضْلَةٌ لَا يُعَامِلُهُ النَّاسُ عَلَيْهَا، فَإِنْ وَقَعَ وَأَعْطَى جَمِيعَ مَا بِيَدِهِ لِبَعْضِ الْغُرَمَاءِ بَعْدَ الْأَجَلِ كَانَ لِغَيْرِهِ رَدُّ الْجَمِيعِ عَلَى الظَّاهِرِ وَلَا يَبْقَى الْبَعْضُ الْجَائِزُ مَعَ الْحُلُولِ مِنْ بَابِ صَفْقَةٍ جَمَعَتْ حَلَالًا وَحَرَامًا فَسَدَتْ كُلُّهَا (قَوْلُهَا عَلَى الْمُخْتَارِ) أَيْ عَلَى مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ خِلَافٍ حَكَاهُ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ مَا حَكَاهُ وَأَنْ لَا يَجُوزُ أَحْسَنُ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحِّ) أَيْ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَضَى بِهِ قَاضِي الْجَمَاعَةِ حِينَ نَزَلَتْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةُ بِقَفِصَةٍ وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ إنَّهُ الْمَشْهُورُ (قَوْلُهُ وَسَوَاءٌ إلَخْ) هَذَا تَعْمِيمٌ فِي اعْتِبَارِ إقْرَارِهِ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ) أَيْ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ الْآخَرُ وَهُوَ الرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُفْلِسِ وَمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ مِنْ أَنَّ إقْرَارَ كُلٍّ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ إنَّمَا يَمْضِي إذَا كَانَ دَيْنُ الْغُرَمَاءِ ثَابِتًا بِالْإِقْرَارِ لَا بِالْبَيِّنَةِ كَمَا أَنَّ إقْرَارَ كُلٍّ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ لَا يَمْضِي سَوَاءٌ كَانَ دَيْنُ الْغُرَمَاءِ ثَابِتًا بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ) أَيْ بَيْنَ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ حَيْثُ جَازَ إقْرَارُهُ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي لِلْغُرَمَاءِ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ وَبَيْنَ الْمُفْلِسِ حَيْثُ جَازَ إقْرَارُهُ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ دَيْنُ الْغُرَمَاءِ ثَابِتًا بِالْإِقْرَارِ لَا بِالْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ أَخَفُّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute