(وَصَحَّ) هُنَا الِاسْتِثْنَاءُ الْمَعْنَوِيُّ كَقَوْلِهِ (لَهُ الدَّارُ، وَالْبَيْتُ لِي) فَإِنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ لَهُ جَمِيعُ الدَّارِ إلَّا الْبَيْتَ فَإِنْ تَعَدَّدَتْ بُيُوتُهَا وَلَمْ يُعَيِّنْ جُرِيَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَك أَحَدُ ثَوْبَيْنِ إلَخْ (وَ) صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ (بِغَيْرِ الْجِنْسِ كَأَلْفٍ) مِنْ الدَّرَاهِمِ مَثَلًا (إلَّا عَبْدًا) (وَسَقَطَتْ) مِنْ الْأَلْفِ (قِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَلَزِمَهُ وَمَا بَقِيَ فَإِنْ اسْتَغْرَقَتْ قِيمَةَ الْمُقَرِّ بِهِ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ، وَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ وَلَوْ قَالَ لَهُ عِنْدِي عَبْدٌ إلَّا ثَوْبًا طُرِحَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَفِي لَهُ عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَشْرَةَ دَنَانِيرَ طُرِحَ صَرْفُهَا مِنْهَا.
(وَإِنْ أَبْرَأَ فُلَانًا مِمَّا لَهُ قِبَلَهُ) أَيْ جِهَتَهُ (أَوْ مِنْ كُلِّ حَقٍّ، أَوْ أَبْرَأَهُ) ، وَأَطْلَقَ (بَرِئَ مُطْلَقًا) مِنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ مَعْلُومَةً، أَوْ مَجْهُولَةً وَدَائِعَ، أَوْ غَيْرَهَا (وَ) بَرِئَ أَيْضًا (مِنْ) الْبَدَنِيَّةِ مِثْلِ حَدِّ (الْقَذْفِ) مَا لَمْ يَبْلُغْ الْإِمَامَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ السَّتْرَ عَلَى نَفْسِهِ (وَ) بَرِئَ مِنْ مَالِ (السَّرِقَةِ) لَا الْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ لَيْسَ لِأَحَدٍ إسْقَاطُهُ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْبَرَاءَةِ مُطْلَقًا (فَلَا تُقْبَلُ) بَعْدَ ذَلِكَ (دَعْوَاهُ) أَيْ دَعْوَى الْمُبَرِّئِ بِحَقٍّ بِنِسْيَانٍ، أَوْ جَهْلٍ (، وَإِنْ بِصَكٍّ) أَيْ وَثِيقَةٍ عُلِمَ تَقَدُّمُهُ عَلَى الْبَرَاءَةِ، أَوْ جُهِلَ الْحَالُ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ لَهُ (أَنَّهُ) أَيْ الْحَقُّ الْمُدَّعَى بِهِ حَصَلَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ (وَإِنْ أَبْرَأَهُ مِمَّا مَعَهُ) بِأَنْ قَالَ لَهُ أَبْرَأْتُك مِمَّا مَعَك (بَرِئَ مِنْ الْأَمَانَةِ) كَوَدِيعَةٍ وَقِرَاضٍ، وَأَبْضَاعٍ (لَا الدَّيْنِ) فَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ لَا مَعَهُ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْعُرْفُ عَدَمُ تَنَاوُلِ مَعَ لِمَا فِي الذِّمَّةِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْعُرْفُ تَسَاوِي مَعَ لِعِنْدَ وَعَلَى بَرِئَ مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ يَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ إذَا أَبْرَأَهُ مِمَّا مَعَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ، بَلْ مُجَرَّدُ دَيْنٍ وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِمَّا عَلَيْهِ بَرِئَ مِنْ الدَّيْنِ لَا الْأَمَانَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَقَطْ فَيَبْرَأُ مِنْهَا، وَإِنْ
ــ
[حاشية الدسوقي]
الْمُقَرُّ بِهَا (قَوْلُهُ وَصَحَّ لَهُ الدَّارُ) أَيْ الَّتِي بِيَدِي، أَوْ الدَّارُ الْفُلَانِيَّةُ، أَوْ هَذِهِ الدَّارُ (قَوْلُهُ، وَالْبَيْتُ لِي) أَيْ، وَالْبَيْتُ الْفُلَانِيُّ مِنْهَا لِي وَنَظِيرُ هَذَا الْمِثَالِ هَذَا الْخَاتَمُ لِفُلَانٍ وَفَصُّهُ لِي عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَعَدَّدَتْ بُيُوتُهَا وَلَمْ يُعَيِّنْ) أَيْ الْبَيْتَ الَّذِي لَهُ بِأَنْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ وَلِي بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِهَا فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِتَعْيِينِهِ فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ جَرَى عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ كَأَلْفٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ إلَخْ) أَيْ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ الدَّنَانِيرِ، أَوْ الدَّرَاهِمِ إلَّا عَبْدًا وَكَذَا يَصِحُّ عَكْسُهُ نَحْوُ عَلَيَّ عَبْدٌ إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَيُقَوَّمُ الْعَبْدُ وَتُسْقَطُ الْعَشَرَةُ مِنْ قِيمَتِهِ وَيُلْزَمُ الْبَاقِيَ مِنْ الْقِيمَةِ (قَوْلُهُ وَسَقَطَتْ قِيمَتُهُ) أَيْ يَوْمَ الِاسْتِثْنَاءِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ لِلْمُقِرِّ اُذْكُرْ صِفَةَ الْعَبْدِ فَإِذَا ذَكَرَهَا قُوِّمَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَطُرِحَتْ قِيمَتُهُ مِنْ الْأَلْفِ فَمَا بَقِيَ فَهُوَ الْمُقَرُّ بِهِ اللَّازِمُ لِلْمُقِرِّ فَإِنْ ادَّعَى جَهْلَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَسْقُطَ قِيمَةُ عَبْدٍ مِنْ أَعْلَى الْعَبِيدِ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ إنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْمُحَقَّقِ، وَهَذَا فِي فَرْضِ الْمُصَنِّفِ وَفِي عَكْسِهِ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ أَدْنَى عَبْدٍ وَتَسْقُطُ الْعَشَرَةُ مَثَلًا مِنْهَا (قَوْلُهُ فَإِنْ اسْتَغْرَقَتْ إلَخْ) أَيْ فَإِنْ اسْتَغْرَقَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْأَلْفَ الْمُقَرَّ بِهَا وَقَوْلُهُ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ أَيْ وَلُزُومُ الْأَلْفِ الْمُقَرِّ بِهَا بِتَمَامِهَا (قَوْلُهُ طُرِحَ صَرْفُهَا) أَيْ صَرْفُ الدَّنَانِيرِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَلَزِمَ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّرَاهِمِ.
(قَوْلُهُ، وَإِنْ أَبْرَأَ) أَيْ شَخْصٌ فُلَانًا، أَوْ كُلَّ رَجُلٍ وَتَبْطُلُ الْبَرَاءَةُ مَعَ إبْهَامِ الْمُقَرِّ لَهُ كَأَبْرَيْتُ رَجُلًا كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا وَقَوْلُهُ، وَإِنْ أَبْرَأَ فُلَانًا أَيْ بِإِحْدَى صِيَغٍ ثَلَاثٍ كَمَا بَيَّنَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ الْبَرَاءَةُ مُطْلَقًا أَيْ مِنْ كُلِّ حَقٍّ مَالِيٍّ، أَوْ بَدَنِيٍّ إلَّا إذَا وَقَعَتْ بِصِيغَةٍ مِنْ الصِّيَغِ الثَّلَاثِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا إنْ أَبْرَأَهُ بِغَيْرِهَا كَأَبْرَأْتُكَ مِمَّا عَلَيْك فَلَا يَبْرَأُ مُطْلَقًا أَيْ مِنْ كُلِّ حَقٍّ، بَلْ مِنْ الدَّيْنِ لَا مِنْ الْأَمَانَةِ، وَإِنْ قَالَ أَبْرَأْتُك مِمَّا مَعَك فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ الْأَمَانَاتِ لَا مِنْ الدَّيْنِ، وَإِذَا قَالَ أَبْرَأْتُك مِمَّا عِنْدَك بَرِئَ مِنْ الدَّيْنِ، وَالْأَمَانَةِ عِنْدَ الْمَازِرِيِّ وَمِنْ الْأَمَانَةِ فَقَطْ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ الْحُقُوقِ الْبَدَنِيَّةِ إذَا وَقَعَتْ الْبَرَاءَةُ بِصِيغَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّيَغِ.
(قَوْلُهُ بَرِئَ مُطْلَقًا) ظَاهِرُهُ وَلَوْ أَقَرَّ الْمُبَرَّأُ بِالْفَتْحِ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ الْوَاقِعِ بَعْدَ إنْكَارِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ح وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ، وَأَخُوهُ شَمْسُ الدِّينِ اللَّقَانِيِّ أَنَّ الْإِقْرَارَ الطَّارِئَ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ الْحَاصِلِ بَعْدَ الْإِنْكَارِ يُعْمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارٍ جَدِيدٍ فَيُقَيَّدُ مَا هُنَا.
بِمَا إذَا لَمْ يُقِرَّ الْمُبَرَّأُ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ وَقَوْلُهُ بَرِئَ مُطْلَقًا ظَاهِرُهُ حَتَّى فِي الْآخِرَةِ أَيْضًا فَلَا يُؤَاخِذُهُ الْمَوْلَى بِحَقٍّ جَحَدَهُ، وَأَبْرَأَهُ صَاحِبُهُ مِنْهُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ مُطَالَبَةُ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ بِحَقِّ خَصْمِهِ (قَوْلُهُ مِنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ) كَدُيُونِ الْمُعَامَلَاتِ، وَالْقَرْضِ، وَالْقِرَاضِ، وَالْوَدَائِعِ، وَالرُّهُونِ، وَالْمِيرَاثِ وَدَخَلَ فِي الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ الْمُعَيَّنَاتُ كَدَارٍ عَلَى الصَّوَابِ مِمَّا فِي ح فَيَسْقُطُ بِالْبَرَاءَةِ الطَّلَبُ بِقِيمَتِهَا إذَا فَاتَهَا الْمُبَرَّأُ، وَالطَّلَبُ بِرَفْعِ الْيَدِ عَنْهَا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَدَخَلَ فِيهَا أَيْضًا الْحَقُّ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْإِتْلَافِ كَالْغُرْمِ لِلْمَالِ فَيَسْقُطُ ذَلِكَ بِالْإِبْرَاءِ وَقَوْلُهُ مَعْلُومَةً أَيْ لِلْمُبَرِّئِ وَقْتَ الْإِبْرَاءِ، أَوْ كَانَتْ مَجْهُولَةً (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْإِمَامَ) أَيْ فَإِنْ بَلَغَهُ فَلَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ السَّتْرَ عَلَى نَفْسِهِ أَيْ فَإِذَا أَرَادَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ إبْرَاؤُهُ وَلَوْ بَلَغَ الْإِمَامَ لَا إنْ أَرَادَ الشَّفَقَةَ عَلَى الْقَاذِفِ فَلَا يَنْفَعُهُ إبْرَاؤُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ حَدِّهِ.
(قَوْلُهُ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ بِنِسْيَانٍ، أَوْ جَهْلٍ) وَكَذَا لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ أَنَّ الْإِبْرَاءَ إنَّمَا كَانَ مِمَّا كَانَ فِيهِ الْخُصُومَةُ فَقَطْ وَكَذَا إذَا قَالَ قَصْدِي عُمُومُ الْإِبْرَاءِ، بَلْ تَعَلُّقُهُ بِشَيْءٍ خَاصٍّ، وَهُوَ كَذَا فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ (قَوْلُهُ بِحَقٍّ) مُتَعَلِّقٌ بِدَعْوَى وَقَوْلُهُ بِنِسْيَانٍ أَيْ بِسَبَبِ نِسْيَانٍ إلَخْ (قَوْلُهُ عُلِمَ تَقَدُّمُهُ) أَيْ الْحَقُّ الَّذِي فِي الصَّكِّ (قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ بَعْدَهُ) أَيْ فَيَلْزَمُ ذَلِكَ الْحَقُّ الْمُدَّعَى بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute