وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» فَأُمُّك مِنْ الرَّضَاعِ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ لَهُ عَلَيْك وِلَادَةٌ وَأُمَّهَاتُهَا، وَأُخْتُك مَنْ رَضَعَتْ مَعَك عَلَى امْرَأَةٍ، وَكُلُّ بِنْتٍ وَلَدَتْهَا مُرْضِعَتُك أَوْ فَحْلُهَا الْمَنْسُوبُ لَهُ ذَلِكَ اللَّبَنُ وَبِنْتُك كُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْهُ زَوْجَتُك بِلَبَنِك أَوْ أَرْضَعَتْهَا بِنْتُك مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ وَأَخَوَاتُ الْفَحْلِ عَمَّاتُك وَأَخَوَاتُ الْمُرْضِعِ خَالَاتُك وَبَنَاتُ الْأَخِ مَنْ أَرْضَعَتْهُ زَوْجَةُ أَخِيك بِلَبَنِهِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ مَنْ أَرْضَعَتْهُ أُخْتُك وَمِثْلُ النَّسَبِ الصِّهْرُ.
وَاسْتَثْنَى الْعُلَمَاءُ مِنْ ذَلِكَ سِتَّ مَسَائِلَ وَأَشَارَ لَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (إلَّا) (أُمَّ أَخِيك أَوْ) أُمَّ (أُخْتِك) فَإِنَّهَا تَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهَا إمَّا أُمُّك أَوْ امْرَأَةُ أَبِيك وَلَوْ أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ أَخَاك أَوْ أُخْتَك لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْك (وَأُمَّ وَلَدِ وَلَدِك) هِيَ مِنْ النَّسَبِ إمَّا بِنْتُك أَوْ زَوْجَةُ ابْنِك وَكِلْتَاهُمَا حَرَامٌ عَلَيْك، وَلَوْ أَرْضَعَتْ امْرَأَةٌ وَلَدَ وَلَدِك لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْك (وَ) إلَّا (جَدَّةَ وَلَدِك) هِيَ أُمُّك أَوْ أُمُّ زَوْجَتِك وَلَوْ أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ وَلَدَك لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْك أُمُّهَا (وَأُخْتُ وَلَدِك) هِيَ بِنْتُك أَوْ رَبِيبَتُك وَلَوْ أَرْضَعَتْ امْرَأَةٌ وَلَدَك فَلَكَ نِكَاحُ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ (وَ) إلَّا (أُمَّ عَمِّكَ وَعَمَّتِك) هِيَ إمَّا جَدَّتُك أَوْ زَوْجَةُ جَدِّك، وَلَوْ أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ عَمَّك أَوْ عَمَّتَك لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْك (وَأُمَّ خَالِك وَخَالَتُك) هِيَ كَالَّتِي قَبْلَهَا (فَقَدْ لَا يَحْرُمْنَ) هَذِهِ السِّتَّةُ (مِنْ الرَّضَاعِ) وَقَدْ يَحْرُمْنَ لِعَارِضٍ كَمَا لَوْ رَضَعَتْ بِنْتٌ مَعَ وَلَدِك عَلَى زَوْجَتِك أَوْ عَلَى أُمِّك فَصَارَتْ بِنْتَك أَوْ أُخْتَك.
(وَقُدِّرَ الطِّفْلُ) الرَّضِيعُ (خَاصَّةً) دُونَ إخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ (وَلَدًا لِصَاحِبَةِ اللَّبَنِ وَلِصَاحِبِهِ) زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ فَكَأَنَّهُ حَصَلَ مِنْ بَطْنِهَا وَظَهْرِهِ (مِنْ) حِينِ (وَطْئِهِ) لَهَا الَّذِي أَنْزَلَ فِيهِ (لِانْقِطَاعِهِ) أَيْ اللَّبَنِ (وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ) كَثِيرَةٍ وَلَوْ طَلَّقَهَا فَأَوْلَادُهُ مِنْ غَيْرِهَا مَا تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ عَلَى الرَّضَاعِ إخْوَةٌ لِذَلِكَ الطِّفْلِ (وَ) لَوْ تَأَيَّمَتْ، وَفِي ثَدْيِهَا لَبَنٌ مِنْ الْأَوَّلِ، وَوَطِئَهَا ثَانٍ وَأَنْزَلَ (اشْتَرَكَ) الزَّوْجُ الثَّانِي (مَعَ) الزَّوْجِ (الْقَدِيمِ) فِي الْوَلَدِ الَّذِي أَرْضَعَتْهُ بَعْدَ وَطْءِ الثَّانِي، وَلَوْ كَثُرَتْ الْأَزْوَاجُ كَانَ ابْنًا لِلْجَمِيعِ مَا دَامَ لَبَنُ الْأَوَّلِ فِي ثَدْيِهَا، وَثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ بَيْنَ الرَّضِيعِ وَصَاحِبِ اللَّبَنِ.
(وَلَوْ)
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فَمَذْهَبُهَا أَنَّ الرَّضَاعَ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ لَا يُحَرِّمُ سَوَاءٌ حَصَلَ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ بِمُدَّةٍ قَرِيبَةٍ أَوْ بَعِيدَةٍ وَمُقَابِلُهُ لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ فِي الْوَاضِحَةِ أَنَّهُ يُحَرِّمُ إلَى تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ وَلَوْ حَصَلَ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ بِمُدَّةٍ قَرِيبَةٍ أَوْ بَعِيدَةٍ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ رَدَّ الْمُصَنِّفُ بِلَوْ وَهَذَا هُوَ مَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إلَخْ
قَوْلُهُ: «مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» أَيْ فَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ حُرْمَةُ بَقِيَّةِ السَّبْعَةِ الْكَائِنَةِ مِنْ الرَّضَاعِ (قَوْلُهُ: ذَلِكَ اللَّبَنُ) أَيْ الَّذِي رَضَعْتَهُ (قَوْلُهُ: وَأَخَوَاتُ الْفَحْلِ) أَيْ فَحْلٍ مِنْ مُرْضِعَتِك الْمَنْسُوبِ لَهُ ذَلِكَ اللَّبَنُ الَّذِي رَضَعْته (قَوْلُهُ وَأَخَوَاتُ الْمُرْضِعِ) أَيْ الَّتِي أَرْضَعَتْك (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ النَّسَبِ) أَيْ فِي كَوْنِ الرَّضَاعِ يُحَرِّمُ مَا حَرَّمَهُ الصِّهْرُ فَيُحَرِّمُ الرَّضَاعُ مَا حَرَّمَهُ أَيْضًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّضَاعَ يُحَرِّمُ مَا حَرَّمَهُ النَّسَبُ وَمَا حَرَّمَهُ الصِّهْرُ فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ مَا حَرَّمَهُ النَّسَبُ وَمَا حَرَّمَتْهُ الصِّهَارَةُ فَيَحْرُمُ عَلَيْك أُمُّ زَوْجَتِك وَبِنْتُهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأُخْتُهَا وَخَالَتُهَا وَعَمَّتُهَا وَبِنْتُ أَخِيهَا وَبِنْتُ أُخْتِهَا كَذَلِكَ
(قَوْلُهُ: إلَّا أُمَّ أَخِيك إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهَا لَمْ تَحْرُمْ نَسَبًا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا أُمُّ أَخٍ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا أُمٌّ أَوْ زَوْجَةُ أَبٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِي الرَّضَاعِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْبَاقِي وَلِذَا اعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي جَعْلِهِ هَذَا اسْتِثْنَاءً وَتَخْصِيصًا وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ الْعُدُولُ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى لَا النَّافِيَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ امْرَأَةُ أَبِيك) أَيْ وَكِلَاهُمَا حَرَامٌ عَلَيْك (قَوْلُهُ: هِيَ أُمُّك) أَيْ هِيَ مِنْ النَّسَبِ أُمُّك (قَوْلُهُ: وَأُخْتَ وَلَدِك) وَكَذَلِكَ أُخْتُ أَخِيك فَهِيَ نَسَبًا إمَّا أُخْتُك أَوْ بِنْتُ زَوْجَةِ أَبِيك وَكِلَاهُمَا حَرَامٌ عَلَيْك، وَأَمَّا رَضَاعًا فَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ مِنْك، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا؛ لِأَنَّهَا تَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَقَدَّرَ الطِّفْلَ خَاصَّةً إلَخْ (قَوْلُهُ: هِيَ كَالَّتِي قَبْلَهَا) أَيْ فَهِيَ نَسَبًا إمَّا جَدَّتُك أَوْ زَوْجَةُ جَدِّك، وَأَمَّا لَوْ أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ خَالَك أَوْ خَالَتَك لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْك (قَوْلُهُ: لِعَارِضٍ) أَيْ كَكَوْنِ أُخْتِ وَلَدِك مِنْ الرَّضَاعِ اتَّصَفَتْ بِكَوْنِهَا بِنْتَك أَوْ أُخْتَك مِنْهُ أَيْضًا كَمَا مَثَّلَ الشَّارِحُ وَكَكَوْنِ أُمِّ أَخِيك أَوْ أُخْتِك مِنْ الرَّضَاعِ اتَّصَفَتْ بِكَوْنِهَا أُخْتَك مِنْهُ أَيْضًا بِأَنْ رَضَعْت أَنْتَ مَعَهَا عَلَى ثَدْيٍ وَكَكَوْنِ أُمِّ وَلَدِ وَلَدِك وَجَدَّةِ وَلَدِك أُخْتَك أَوْ جَدَّتَك مِنْ الرَّضَاعِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: فَصَارَتْ بِنْتَك أَوْ أُخْتَك) فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ أُخْتًا لِوَلَدِك مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا أَنَّهُ عَرَضَ لَهَا كَوْنُهَا بِنْتًا لَك أَوْ أُخْتًا لَك فَحُرِّمَتْ عَلَيْك لِذَلِكَ
(قَوْلُهُ: دُونَ إخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ) أَيْ وَدُونَ أُصُولِهِ، وَهَذَا مُرَادُهُ بِخَاصَّةٍ، وَأَمَّا فُرُوعُ ذَلِكَ الطِّفْلِ فَإِنَّهُمْ كَهُوَ فِي حُرْمَةِ الْمُرْضِعَةِ وَأُمَّهَاتِهَا وَبَنَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا وَخَالَاتِهَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: لِصَاحِبَةِ اللَّبَنِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً (قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ حَصَلَ إلَخْ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَيَحْرُمُ عَلَى ذَلِكَ الطِّفْلِ مُرْضِعَتُهُ وَأُصُولُهَا وَفُصُولُهَا وَعَمَّاتُهَا وَخَالَاتُهَا، وَيَحْرُمُ أَيْضًا عَلَيْهِ أُصُولُ الرَّجُلِ وَفُصُولُهُ وَعَمَّاتُهُ وَخَالَاتُهُ، وَيَحْرُمُ ذَلِكَ الطِّفْلُ إنْ كَانَتْ بِنْتًا وَفُصُولُهَا عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ دُونَ أُصُولِهَا (قَوْلُهُ: مِنْ حِينِ وَطْئِهِ لَهَا الَّذِي أَنْزَلَ فِيهِ) أَيْ لَا مِنْ حِينِ عَقْدِهِ عَلَيْهَا وَلَا مِنْ حِينِ وَطْئِهِ لَهَا بِغَيْرِ إنْزَالٍ فِيهِ فَإِذَا رَضَعَ وَلَدٌ عَلَى امْرَأَةٍ ثُمَّ عَقَدَ عَلَيْهَا رَجُلٌ أَوْ رَضَعَهَا بَعْدَ عَقْدِهِ عَلَيْهَا وَقَبْلَ وَطْئِهِ لَهَا أَوْ رَضَعَهَا بَعْدَ أَنْ وَطِئَهَا وَلَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الرَّضِيعُ ابْنًا لِذَلِكَ الرَّجُلِ (قَوْلُهُ: لِانْقِطَاعِهِ) أَيْ لِانْقِطَاعِ اللَّبَنِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الرَّجُلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute