للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى شَخْصٍ فَيَبِيعُهُ مِنْ ثَالِثٍ لِأَجَلٍ وَلَا يَمْتَنِعُ فِي هَذَا الْقِسْمِ بَيْعُهُ بِمُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ وَلَا بِمَنَافِعَ وَلِذَا لَمْ يَقُلْ وَبَيْعُهُ بِمَا ذُكِرَ

وَأَشَارَ لِلثَّالِثِ بِقَوْلِهِ (وَتَأْخِيرُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ) أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ عَيْنٌ لِمَا فِيهِ مِنْ ابْتِدَاءِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَشْغَلَ ذِمَّةَ صَاحِبِهِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ الْأَخَفِّ مِنْ فَسْخِهِ بِهِ

وَلَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَنْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ ذَكَرَ بَيْعَهُ بِالنَّقْدِ وَلَا يَخْلُو مَنْ هُوَ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا بِقَوْلِهِ (وَمَنْعُ بَيْعِ دَيْنِ مَيِّتٍ) أَيْ عَلَيْهِ (أَوْ) عَلَى (غَائِبٍ، وَلَوْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ) أَوْ عُلِمَ مِلَاؤُهُ (وَ) عَلَى (حَاضِرٍ) ، وَلَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ (إلَّا أَنْ يُقِرَّ) بِهِ وَالدَّيْنُ مِمَّا يُبَاعُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا طَعَامَ مُعَاوَضَةٍ وَبِيعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَلَيْسَ ذَهَبًا بِفِضَّةٍ وَلَا عَكْسَهُ وَأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالْمَدِينِ عَدَاوَةٌ.

(وَكَبَيْعِ الْعُرْبَانِ) اسْمٌ مُفْرَدٌ وَيُقَالُ: أُرْبَانُ بِضَمِّ أَوَّلِ كُلٍّ وَعُرْبُونٌ وَأُرْبُونٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا وَفَتْحِهِ وَهُوَ (أَنْ) يَشْتَرِيَ أَوْ يَكْتَرِيَ السِّلْعَةَ وَ (يُعْطِيَهُ) أَيْ يُعْطِيَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ (شَيْئًا) مِنْ الثَّمَنِ (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (إنْ كَرِهَ الْبَيْعَ لَمْ يُعِدْ إلَيْهِ) مَا أَعْطَاهُ، وَإِنْ أَحَبَّهُ حَاسَبَهُ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ تَرَكَهُ مَجَّانًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيُفْسَخُ، فَإِنْ فَاتَ مَضَى بِالْقِيمَةِ، فَإِنْ أَعْطَاهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَرِهَ الْبَيْعَ أَخَذَهُ وَإِلَّا حَاسَبَ بِهِ جَازَ.

(وَكَتَفْرِيقِ أُمٍّ) أَيْ وَالِدَةٍ، وَلَوْ كَافِرَةً غَيْرَ حَرْبِيَّةٍ أَوْ مَجْنُونَةً (فَقَطْ) لَا أَبٌ وَلَا جَدَّةٌ (مِنْ وَلَدِهَا)

ــ

[حاشية الدسوقي]

مِنْ ثَلَاثَةٍ كَمَا أَنَّ فَسْخَ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي اثْنَيْنِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَمْتَنِعُ فِي هَذَا الْقِسْمِ بَيْعُهُ) أَيْ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: بِمُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ أَيْ فَإِذَا كَانَ لِزَيْدٍ دَيْنٌ عَلَى عَمْرٍو فَيَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ لِخَالِدٍ بِمُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ أَوْ بِمَنَافِعَ ذَاتٍ مُعَيَّنَةٍ وَإِذَا عَلِمْت أَنَّ الدَّيْنَ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمَا ذُكِرَ وَلَا يَجُوزُ فَسْخُهُ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ أَوْسَعُ مِمَّا قَبْلَهُ إنْ قُلْت: سَيَأْتِي أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى حَاضِرٍ أَوْ كَانَ الشِّرَاءُ بِالنَّقْدِ وَالْمُعَيَّنُ الَّذِي يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ وَمَنَافِعُ الذَّاتِ الْمُعَيَّنَةِ لَيْسَتْ نَقْدًا قُلْت الْمُرَادُ بِالنَّقْدِ مَا لَيْسَ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُعَيَّنَ وَمَنَافِعَهُ لَيْسَتْ مَضْمُونَةً فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ الْمُعَيَّنَاتِ فَهِيَ نَقْدٌ بِهَذَا الْمَعْنَى وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّقْدِ الْمَقْبُوضَ بِالْفِعْلِ فَقَطْ

(قَوْلُهُ: وَهُوَ عَيْنٌ) أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ غَيْرَ عَيْنٍ جَازَ تَأْخِيرُهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إنْ لَمْ يَكُنْ بِشَرْطٍ كَمَا يَأْتِي

(قَوْلُهُ: عَلَى مَنْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ) أَيْ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَقَوْلُهُ: ذَكَرَ بَيْعَهُ أَيْ ذَكَرَ حُكْمَ بَيْعِهِ فَفِي كَلَامِهِ حَذْفُ مُضَافِينَ وَاحِدٌ فِي الْأَوَّلِ وَوَاحِدٌ فِي الْآخَرِ (قَوْلُهُ: أَيْ عَلَيْهِ) ظَاهِرُهُ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي تَرِكَتَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَدْرِي بِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْهَا بِتَقْدِيرِ دَيْنٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: أَوْ عُلِمَ مَلَاؤُهُ) أَيْ بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقِرَّ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ إلَّا إذَا كَانَ الثَّمَنُ نَقْدًا وَكَانَ الْمَدِينُ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ مَجْلِسَ الْبَيْعِ وَأَقَرَّ بِالدَّيْنِ وَكَانَتْ تَأْخُذُهُ الْأَحْكَامُ وَبِيعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ أَوْ بِجِنْسِهِ وَكَانَ مُسَاوِيًا لَا أَنْقَصَ وَإِلَّا كَانَ سَلَفًا بِزِيَادَةٍ وَلَا أَزْيَدَ وَإِلَّا كَانَ فِيهِ حَظُّ الضَّمَانِ وَأَزِيدُك وَلَيْسَ عَيْنًا بِعَيْنٍ وَلَيْسَ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالْمَدِينِ عَدَاوَةٌ وَأَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ قَبْلَ قَبْضِهِ احْتِرَازًا مِنْ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ، فَإِنْ وُجِدَتْ تِلْكَ الشُّرُوطُ جَازَ بَيْعُهُ، وَإِنْ تَخَلَّفَ شَرْطٌ مِنْهَا مُنِعَ الْبَيْعُ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ حُضُورُهُ لِيُعْلَمَ حَالُهُ مِنْ فَقْرٍ أَوْ غِنًى إذْ لَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ مِقْدَارِ عِوَضِ الدَّيْنِ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَدِينِ مِنْ فَقْرٍ أَوْ غِنًى وَالْمَبِيعُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا، وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى دَيْنًا أَوْ وَهَبَ لَهُ وَكَانَ بِرَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الرَّهْنُ أَوْ الْحَمِيلُ إلَّا بِشَرْطِ دُخُولِهِمَا وَحُضُورِ الْحَمِيلِ وَإِقْرَارِهِ بِالْحَمَّالَةِ، وَإِنْ كُرِهَ التَّحَمُّلُ لِمَنْ مَلَكَهُ وَلِرَبِّ الرَّهْنِ إذَا شَرَطَ دُخُولَهُ وَكَرِهَ ذَلِكَ الثَّانِي وَهُوَ الْمُشْتَرِي لِلدَّيْنِ أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَضَعَهُ عِنْدَ أَمِينٍ وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ وَرِثَ دَيْنًا بِرَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ بِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ وَلِلرَّاهِنِ وَضْعُهُ عِنْدَ أَمِينٍ إذَا كَرِهَ وَضْعَهُ عِنْدَ الْوَارِثِ

(قَوْلُهُ: اسْمُ مُفْرَدٍ) أَيْ لَا جَمْعٍ وَلَا اسْمَ جَمْعٍ (قَوْلُهُ: وَفَتَحَهُ) إلَّا أَنَّهُ إذَا ضُمَّ أَوَّلُهُ سُكِّنَ ثَانِيهِ وَإِذَا فُتِحَ أَوَّلُهُ فُتِحَ ثَانِيهِ، كَذَا رَأَيْته فِي بَعْضِ التَّقَايِيدِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَكْتَرِيَ إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ مَنْعَ الْعُرْبَانِ يَجْرِي فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لَا فِي الْبَيْعِ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَالظَّاهِرُ مَنْعُهُ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأُولَى مِنْهُ فِي الْمَنْعِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ الْمُرَاهِنَةِ الَّتِي تَقَعُ مِنْ عَوَامِّ النَّاسِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ تَرَكَهُ مَجَّانًا) كَقَوْلِ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي لَا أَبِيعُك السِّلْعَةَ إلَّا إذَا أَعْطَيْتنِي دِينَارًا آخُذُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَخَذْت السِّلْعَةَ أَوْ كَرِهَتْ أَخْذَهَا (قَوْلُهُ: جَازَ) أَيْ وَيَخْتِمُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ قَالَهُ الْمَوَّاقُ لِئَلَّا يَتَرَدَّدَ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ

(قَوْلُهُ: وَكَتَفْرِيقِ أُمٍّ) أَيْ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (قَوْلُهُ: أَيْ وَالِدَةُ) أَيْ وَأَمَّا الْأُمُّ مِنْ الرَّضَاعِ فَلَا تَحْرُمُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ (قَوْلُهُ: غَيْرَ حَرْبِيَّةٍ) أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ حَرْبِيَّةً بِأَنْ ظَفِرَ بِالْأُمِّ دُونَ وَلَدِهَا أَوْ بِالْعَكْسِ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا مَنْ ظَفِرَ بِهِ وَيَبِيعُهُ، وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ التَّفْرِيقُ (قَوْلُهُ: أَوْ مَجْنُونَةً) عُطِفَ عَلَى كَافِرَةٍ أَيْ هَذَا إذَا كَانَتْ عَاقِلَةً بَلْ، وَلَوْ كَانَتْ مَجْنُونَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>