للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(كَضَمَانٍ بِجُعْلٍ) أَيْ كَبَيْعٍ جَائِزٍ فِي الظَّاهِرِ يُؤَدِّي لِذَلِكَ كَبَيْعِ ثَوْبَيْنِ بِدِينَارٍ لِشَهْرٍ ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْهُ عِنْدَ الْأَجَلِ أَوْ دُونَهُ أَحَدُهُمَا بِدِينَارٍ فَيَجُوزُ وَلَا يُنْظَرُ لِكَوْنِهِ دَفَعَ لَهُ ثَوْبَيْنِ لِيَضْمَنَ لَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الثَّوْبُ الَّذِي اشْتَرَاهُ مُدَّةَ بَقَائِهِ عِنْدَهُ بِالْآخَرِ لِضَعْفِ تُهْمَةِ ذَلِكَ لِقِلَّةِ قَصْدِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا صَرِيحُ ضَمَانٍ بِجُعْلٍ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الضَّمَانَ وَالْجَاهَ وَالْقَرْضَ لَا تُفْعَلُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى فَأَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهَا سُحْتٌ (أَوْ أَسْلِفْنِي) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ (وَأُسَلِّفُك) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَنَصْبِ الْفِعْلِ أَيْ وَكَبَيْعٍ أَدَّى إلَى ذَلِكَ كَبَيْعِهِ ثَوْبًا بِدِينَارَيْنِ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهِ مِنْهُ بِدِينَارٍ نَقْدًا وَدِينَارٍ إلَى شَهْرَيْنِ فَآلَ أَمْرُ الْبَائِعِ أَنَّهُ دَفَعَ الْآنَ دِينَارًا سَلَفًا لِلْمُشْتَرِي وَيَأْخُذُ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ دِينَارَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ دِينَارِهِ وَالثَّانِي سَلَفٌ مِنْهُ يَدْفَعُ لَهُ مُقَابِلَهُ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ الثَّانِي فَلَا يُمْنَعُ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْغَالِبِ لَا يَقْصِدُونَ إلَى السَّلَفِ إلَّا نَاجِزًا لَا بَعْدَ مُدَّةٍ.

وَلَمَّا كَانَ مَا تَقَدَّمَ فَاتِحَةٌ لِبُيُوعِ الْآجَالِ أَتْبَعَهُ بِالْكَلَامِ عَلَيْهَا فَمَا اشْتَمَلَ عَلَى إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ مَنَعَ وَمَا لَا فَلَا بِقَوْلِهِ (فَمَنْ بَاعَ) مُقَوَّمًا أَوْ مِثْلِيًّا (لِأَجَلٍ) كَشَهْرٍ (ثُمَّ اشْتَرَاهُ) أَيْ اشْتَرَى الْبَائِعُ أَوْ مَنْ تَنَزَّلَ مَنْزِلَتَهُ مِنْ وَكِيلِهِ

ــ

[حاشية الدسوقي]

وَقَوْلُهُ: كَضَمَانٍ بِجُعْلٍ إلَخْ مِثَالٌ لِمَا قَلَّ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ كَبَيْعٍ جَائِزٍ مُؤَدٍّ لِضَمَانٍ بِجُعْلٍ وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِتَقْدِيرِ مَا إلَى أَنَّ الْمَعْطُوفَ بِلَا مَحْذُوفٍ وَهُوَ الْمَوْصُولُ الِاسْمِيُّ وَحَذْفَهُ مَعَ بَقَاءِ صِلَتِهِ جَائِزٌ وَمَثَّلُوا لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} [العنكبوت: ٤٦] أَيْ وَاَلَّذِي أُنْزِلَ إلَيْكُمْ لِاخْتِلَافِ الْمَنْزِلَيْنِ.

(قَوْلُهُ: كَضَمَانٍ بِجُعْلٍ) إطْلَاقُ الضَّمَانِ هُنَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْحِفْظُ، كَذَا قَالَ عبق وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ لِلضَّمَانِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ إطْلَاقَيْنِ أَخَصُّ وَهُوَ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ وَأَعَمُّ وَهُوَ الْحِفْظُ وَالصَّوْنُ الْمُوجِبُ تَرْكُهُ لِلْغُرْمِ وَمِنْهُ قَوْلُنَا: وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ ضَمَانُ الْفَاسِدِ بِالْقَبْضِ وَمِنْهُ ضَمَانُ الرِّهَانِ وَضَمَانُ الْمَبِيعِ وَمِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ الضَّمَانُ هُنَا فَهُوَ حَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ اهـ بْن.

(قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ وَلَا يُنْظَرُ إلَخْ) حَكَى ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ فِي الْبَيْعِ الْمُؤَدِّي لِضَمَانٍ بِجُعْلٍ قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالْجَوَازُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ اهـ بْن.

(قَوْلُهُ: لِيَضْمَنَ لَهُ أَحَدُهُمَا) أَيْ لِيَحْفَظَ لَهُ أَحَدُهُمَا.

(قَوْلُهُ: بِالْآخِرِ) أَيْ بِالثَّوْبِ الْآخِرِ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا صَرِيحُ ضَمَانٍ بِجُعْلٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الضَّمَانُ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ أَوْ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ فَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ وَذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ عَلَيْك دَيْنٌ لِإِنْسَانٍ فَيَضْمَنُكَ شَخْصٌ فِي ذَلِكَ الدَّيْنِ وَالثَّانِي كَأَنْ تُسَلِّفَهُ اثْنَيْ عَشْرَ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَرُدَّ لَكَ عَشَرَةً كَمَا فِي الصُّوَرِ الْآتِيَةِ.

(قَوْلُهُ: سُحْتٌ) فَسَّرُوهُ بِأَنَّهُ كَسْبُ مَا لَا يَحِلُّ.

(قَوْلُهُ: بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ) إنَّمَا فُتِحَتْ الْهَمْزَةُ فِي الْأَوَّلِ وَضُمَّتْ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ، وَبَابُ الْأَفْعَالِ تُفْتَحُ هَمْزَةُ أَمْرِهِ وَتُضَمُّ هَمْزَةُ مُضَارِعِهِ نَحْوَ أَكْرِمْنِي وَأُكْرِمُك.

(قَوْلُهُ: وَنُصِبَ الْفِعْلُ) أَيْ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ بَعْدَ وَاوِ الْمَعِيَّةِ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ أَيْ لِيَكُنْ مِنِّي مَعَ سَلَفٍ مِنْك أَيْ لِيَكُنْ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا سَلَفٌ لِلْآخَرِ.

(قَوْلُهُ: فَآلَ أَمْرُ الْبَائِعِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ السِّلْعَةَ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ يَدِهِ وَعَادَتْ إلَيْهَا مُلْغَاةٌ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا بَيْعٌ أَصْلًا.

(قَوْلُهُ: سَلَفٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ وَقَوْلُهُ: يَدْفَعُ أَيْ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي مُقَابِلَهُ.

(قَوْلُهُ: لَا يَقْصِدُونَ إلَى السَّلَفِ إلَخْ) أَيْ إنَّ الشَّأْنَ أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ السَّلَفَ حَالًا بِمَا يَدْفَعُونَهُ.

(قَوْلُهُ: لَا بَعْدَ مُدَّةٍ) أَيْ وَلَا يَقْصِدُونَ أَنَّ مَا يَدْفَعُونَهُ قَدْ يَئُولُ أَمْرُهُ إلَى كَوْنِهِ سَلَفًا كَمَا فِي دَفْعِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ الدِّينَارَيْنِ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ

(قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ مَا تَقَدَّمَ فَاتِحَةً لِبُيُوعِ الْآجَالِ) أَيْ إنَّ مَا تَقَدَّمَ قَاعِدَتَانِ لِبُيُوعِ الْآجَالِ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا جَمِيعُ مَسَائِلِ الْبَابِ الْآتِيَةِ فَقَوْلُهُ: يَمْنَعُ مَا كَثُرَ قَصْدُهُ يَشْمَلُ جَمِيعَ مَسَائِلِ الْبَابِ الْمَمْنُوعَةِ وَقَوْلُهُ: لَأَقَلَّ يَشْمَلُ جَمِيعَ مَسَائِلِ الْبَابِ الْجَائِزَةِ فَالْأَمْثِلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَأْتِي مُفَصَّلَةٌ لِلْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ إجْمَالًا.

(قَوْلُهُ: فَمَا اشْتَمَلَ عَلَى إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ) أَيْ وَهُمَا بَيْعٌ وَسَلَفٌ، وَسَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً.

(قَوْلُهُ: فَمَنْ بَاعَ لِأَجَلٍ إلَخْ) أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا إلَى أَنَّ شُرُوطَ بُيُوعِ الْآجَالِ الْمُتَطَرِّقِ إلَيْهَا التُّهْمَةُ خَمْسَةٌ أَنْ تَكُونَ الْبَيْعَةُ الْأُولَى لِأَجَلٍ فَلَوْ كَانَتْ نَقْدًا كَانَتْ الثَّانِيَةُ نَقْدًا أَوْ لِأَجَلٍ فَلَيْسَتَا مِنْ هَذَا الْبَابِ وَأَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى ثَانِيًا هُوَ الْمَبِيعُ أَوَّلًا وَأَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ ثَانِيًا هُوَ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا أَوْ مَنْ تَنَزَّلَ مَنْزِلَتَهُ، وَالْبَائِعُ أَوَّلًا هُوَ الْمُشْتَرِي ثَانِيًا أَوْ مَنْ تَنَزَّلَ مَنْزِلَتَهُ وَالْمُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ كُلِّ وَاحِدٍ وَكِيلَهُ سَوَاءٌ عَلِمَ الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الْآخَرِ أَوْ شِرَائِهِ أَوْ جَهِلَهُ وَأَنْ يَكُونَ صِنْفُ ثَمَنِ الشِّرَاءِ الثَّانِي مِنْ صِنْفِ ثَمَنِهِ الْأَوَّلِ الَّذِي بَاعَ بِهِ أَوَّلًا.

(قَوْلُهُ: مُقَوَّمًا أَوْ مِثْلِيًّا) اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي الْمُقَوَّمِ فَقَطْ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْمِثْلِيِّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْمِثْلِيُّ قَدْرًا أَوْ صِفَةً بِمِثْلِهِ فَمَنْ عَمَّمَ هُنَا فَقَدْ أَخْطَأَ، كَذَا قَالَ ح.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ اشْتَرَاهُ) لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ ثُمَّ التَّرَاخِيَ أَوْ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّهُ الْمُتَوَهَّمُ جَوَازُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَفَاعِلُ اشْتَرَاهُ هُوَ فَاعِلُ بَاعَ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ عَائِدٌ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمَحْذُوفِ أَيْ بَاعَ شَيْئًا وَحَذَفَهُ لِلْعُمُومِ وَقَوْلُهُ: اشْتَرَاهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ كَمَحْجُورِهِ مَثَلًا فَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>