وَلَوْ غَائِبَةً غَيْبَةً بَعِيدَةً وَلَزِمَهُ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّارِكِ لَهَا حِينَ الصُّلْحِ (أَوْ ادَّعَى ضَيَاعَ الصَّكِّ) أَيْ الْوَثِيقَةِ الشَّاهِدَةِ لَهُ بِحَقِّهِ (فَقِيلَ لَهُ) أَيْ قَالَ لَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (حَقُّك ثَابِتٌ) إنْ أَتَيْت بِهِ فَهُوَ مُنْكِرٌ فِي الْحَقِيقَةِ (فَأْتِ بِهِ) وَخُذْ حَقَّك (فَصَالَحَ ثُمَّ وَجَدَهُ) بَعْدَ الصُّلْحِ فَلَا قِيَامَ لَهُ بِهِ وَلَا يَنْتَقِضُ الصُّلْحُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُ عَلَى إسْقَاطِ حَقِّهِ
وَلَمَّا دَخَلَ فِي قَوْلِهِ: الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بِهِ بَيْعُ صُلْحِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْمِيرَاثِ صَوَّرَ ذَلِكَ بِمَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ فَقَالَ (و) جَازَ صُلْحٌ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ (عَنْ إرْثِ زَوْجَةٍ) مَثَلًا (مِنْ) تَرِكَةٍ اشْتَمَلَتْ عَلَى (عَرَضٍ وَوَرِقٍ وَذَهَبٍ) حَاضِرٍ (بِذَهَبٍ) كَائِنٍ (مِنْ التَّرِكَةِ) أَوْ بِوَرِقٍ مِنْهَا (قَدْرَ مَوْرِثِهَا) بِوَزْنِ مَجْلِسٍ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الذَّهَبِ كَصُلْحِهَا بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ وَالذَّهَبُ ثَمَانُونَ عِنْدَ الْفَرْعِ الْوَارِثِ أَوْ أَرْبَعُونَ عِنْدَ عَدَمِهِ وَالذَّهَبُ حَاضِرٌ فَإِنْ صُولِحَتْ بِعَشَرَةٍ مِنْ عَيْنِ التَّرِكَةِ وَحَضَرَ مِنْ الثَّمَانِينَ أَرْبَعُونَ لَمْ يَجُزْ (فَأَقَلَّ) كَصُلْحِهَا بِخَمْسَةٍ مِنْ ثَمَانِينَ حَاضِرَةٍ حَضَرَ مَا عَدَاهَا أَوْ غَابَ كَانَ حَظُّهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ صَرْفَ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ وَقِيمَةُ حَظِّهَا مِنْ الْعَرَضِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَخَذَتْ حَظَّهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ بَعْضِهِ وَتَرَكَتْ الْبَاقِيَ هِبَةً لِلْوَرَثَةِ فَإِنْ حَازُوهَا قَبْلَ مَوْتِهَا صَحَّتْ الْهِبَةُ وَإِلَّا بَطَلَتْ وَكَانَ لِوَرَثَتِهَا الْكَلَامُ (أَوْ أَكْثَرَ) مِنْ إرْثِهَا مِنْ الذَّهَبِ كَصُلْحِهَا بِأَحَدَ عَشْرَ مِنْ الثَّمَانِينَ الْحَاضِرَةِ فَيَجُوزُ (إنْ) حَضَرَ جَمِيعُ الْمَتْرُوكِ مِنْ عَرَضٍ وَنَقْدٍ وَ (قَلَّتْ الدَّرَاهِمُ) الَّتِي تَخُصُّهَا مِنْ التَّرِكَةِ بِحَيْثُ يَجْتَمِعُ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ فِي دِينَارٍ فَإِذَا كَانَ حَظُّهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ عَشَرَةً وَصَالَحَتْ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا جَازَ وَلَوْ كَثُرَتْ الدَّرَاهِمُ أَوْ الْعُرُوض؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ الَّتِي أَخَذَتْهَا فِي نَظِيرِ عَشْرَةٍ وَالدِّينَارُ الْآخَرُ فِي مُقَابَلَةِ الدَّرَاهِمِ وَالْعَرَضِ فَقَدْ اجْتَمَعَ الصَّرْفُ وَالْبَيْعُ فِي دِينَارٍ فَإِنْ زَادَ مَا أَخَذَتْهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ الزَّائِدَةِ عَلَى مَا يَخُصُّهَا عَلَى دِينَارٍ فَإِنْ قَلَّتْ الدَّرَاهِمُ الَّتِي تَخُصُّهَا بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْ صَرْفَ دِينَارٍ
ــ
[حاشية الدسوقي]
أَيْ إذَا حَضَرَتْ مِنْ غَيْبَتِهَا.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ غَائِبَةً إلَخْ) الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الْعَالِمَ بِهَا إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً أَوْ غَائِبَةً غَيْبَةً قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً لَا جِدًّا لَا قِيَامَ لَهُ بِهَا وَلَوْ أَشْهَدَ وَأَعْلَنَ كَمَا مَرَّ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً غَيْبَةً بَعِيدَةً جِدًّا إنْ أَشْهَدَ قَبْلَ الصُّلْحِ أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا إذَا حَضَرَتْ قَامَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ فَلَا قِيَامَ لَهُ بِهَا.
(قَوْلُهُ أَوْ ادَّعَى ضَيَاعَ الصَّكِّ) صُورَتُهُ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ بِحَقٍّ فَقَالَ لَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقُّك ثَابِتٌ إنْ أَتَيْت بِالْوَثِيقَةِ الَّتِي فِيهَا الْحَقُّ فَقَالَ الْمُدَّعِي ضَاعَتْ مِنِّي فَصَالَحَهُ ثُمَّ وَجَدَ الْوَثِيقَةَ بَعْدُ فَلَا قِيَامَ لَهُ بِهَا وَلَا يُنْقَضُ الصُّلْحُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَ عَلَى إسْقَاطِ حَقِّهِ.
(قَوْلُهُ: فَهُوَ مُنْكِرٌ فِي الْحَقِيقَةِ) أَيْ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ مُنْكِرٌ أَيْ كَمَا أَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ هُنَا ادَّعَى ضَيَاعَ الْوَثِيقَةِ وَصَالَحَ عَلَى إسْقَاطِ حَقِّهِ وَمَا سَبَقَ الْمُدَّعِي قَدْ أَشْهَدَ سِرًّا أَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَ لِضَيَاعِ وَثِيقَتِهِ وَإِنْ وَجَدَهَا قَامَ بِهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَالَحَ لِغَيْبَةِ بَيِّنَةِ الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ فَلَهُ الْقِيَامُ بِهَا عِنْدَ قُدُومِهَا وَالْمَأْخُوذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَدَّعِيَ إنْسَانٌ عَلَى آخَرَ بِحَقٍّ فَيَقُولَ لَهُ حَقُّك ثَابِتٌ فَأْتِ بِالْوَثِيقَةِ الَّتِي فِيهَا الْحَقُّ وَامْحُهَا وَخُذْ مَا فِيهَا فَقَالَ الْمُدَّعِي ضَاعَتْ مِنِّي وَأَنَا أُصَالِحُك فَصَالَحَهُ ثُمَّ وَجَدَ الْوَثِيقَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا قِيَامَ لَهُ بِهَا وَلَا يَنْقُضُ الصُّلْحَ اتِّفَاقًا فَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ غَرِيمَهُ فِي هَذِهِ مُعْتَرِفٌ وَإِنَّمَا طَالَبَهُ بِإِحْضَارِ صَكِّهِ لِيَمْحُوَ مَا فِيهِ فَقَدْ رَضِيَ هَذَا بِإِسْقَاطِهِ وَاسْتِعْجَالِ حَقِّهِ وَالْأَوَّلُ مُنْكِرٌ لِلْحَقِّ وَقَدْ أَشْهَدَ أَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُ لِضَيَاعِ صَكِّهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ
. (قَوْلُهُ صُلْحِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ) أَيْ إذَا صُولِحَ بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ وَأَمَّا إذَا صُولِحَ بِشَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ وَعَلَى بَعْضِهِ هِبَةً وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بِهِ بِيعَ، فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: بِمَا يَخُصُّهُ) أَيْ عَمَّا يَخُصُّهُ.
(قَوْلُهُ: وَعَنْ إرْثِ زَوْجَةٍ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا تَرَكَ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ وَعُرُوضًا وَعَقَارًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِابْنِ الْمَيِّتِ مَثَلًا أَنْ يُصَالِحَ الزَّوْجَةَ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى مَا يَخُصُّهَا مِنْ التَّرِكَةِ فَإِنْ أَخَذَتْ ذَهَبًا مِنْ التَّرِكَةِ قَدْرَ مُوَرَّثِهَا مِنْ ذَهَبِ التَّرِكَةِ فَأَقَلَّ أَوْ أَخَذَتْ دَرَاهِمَ مِنْ التَّرِكَةِ قَدْرَ مُوَرَّثِهَا مِنْ دَرَاهِمِ التَّرِكَةِ فَأَقَلَّ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا إنْ كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ حَاضِرًا كَمَا لَوْ صَالَحَهَا الْوَلَدُ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ فَأَقَلَّ وَالذَّهَبُ ثَمَانُونَ لِأَنَّهَا أَخَذَتْ بَعْضَ حَقِّهَا مِنْ التَّرِكَةِ وَتَرَكَتْ الْبَاقِيَ (قَوْلُهُ وَالذَّهَبُ حَاضِرٌ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الذَّهَبَ الْمَتْرُوكَ الْمُصَالَحَ عَنْهُ حَاضِرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ كُلِّهِ وَكَذَا إنْ كَانَ الْمُصَالَحُ مِنْهُ الْوَرِقَ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ كُلِّهِ سَوَاءٌ كَانَ غَيْرُ الْمُصَالَحِ مِنْهُ حَاضِرًا أَيْضًا أَوْ غَائِبًا وَهَذَا إذَا صُولِحَتْ بِقَدْرِ مَا يَخُصُّهَا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ أَوْ بِأَقَلَّ مِمَّا يَخُصُّهَا وَأَمَّا إذَا صُولِحَتْ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَخُصُّهَا مِنْ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ جَمِيعِ الْمَتْرُوكِ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ وَعَرَضٍ اهـ وَإِنَّمَا شَرَطُوا فِي النَّوْعِ الَّذِي أَخَذَتْ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْضُهُ غَائِبًا لَزِمَ النَّقْدُ بِشَرْطٍ فِي الْغَائِبِ نَعَمْ إنْ أَخَذَتْ حِصَّتَهَا مِنْ الْحَاضِرِ فَقَطْ جَازَ لِإِسْقَاطِ الْغَائِبِ اهـ بْن.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ) أَيْ وَإِنَّمَا يَجُوزُ مُصَالَحَتُهَا بِقَدْرِ مَا يَخُصُّهَا مِنْ الذَّهَبِ الْحَاضِرِ حَيْثُ صُولِحَتْ بِذَهَبٍ.
(قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ صَرْفُ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ حَازُوهَا إلَخْ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْهِبَةَ هُنَا لِشَيْءٍ مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ بِخِلَافِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَهِبَتُهُ إبْرَاءٌ لَا يَحْتَاجُ لِحِيَازَةٍ كَمَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَثُرَتْ الدَّرَاهِمُ) أَيْ هَذَا إذَا قَلَّتْ الدَّرَاهِمُ الَّتِي تَخُصُّهَا مِنْ التَّرِكَةِ بَلْ وَلَوْ كَثُرَتْ.
(قَوْلُهُ: فَقَدْ اجْتَمَعَ الصَّرْفُ وَالْبَيْعُ فِي دِينَارٍ)