فِي نَحْوِ الْقِصَاصِ (وَحَمَلَ) الضَّمَانَ (فِي مُطْلَقِ) قَوْلِ الضَّامِنِ (أَنَا حَمِيلٌ وَزَعِيمٌ وَأَذِينٌ) مِنْ الْإِذْنِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ يَعْلَمُ أَنَّ الْحَقَّ قِبَلَهُ أَوْ مِنْ الْإِذَانَةِ بِمَعْنَى الْإِيجَابِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْحَقَّ عَلَى نَفْسِهِ (وَقَبِيلٌ وَعِنْدِي وَإِلَيَّ، وَشَبَهُهُ) نَحْوُ كَفِيلٍ وَضَامِنٍ وَعَلَيَّ (عَلَيَّ) ضَمَانُ (الْمَالِ عَلَى الْأَرْجَحِ وَالْأَظْهَرِ) وَالْمُرَادُ بِالْمُطْلَقِ مَا خَلَا عَنْ التَّقْيِيدِ بِشَيْءٍ بِلَفْظٍ أَوْ قَرِينَةٍ (لَا إنْ اخْتَلَفَا) فَالْقَوْلُ لِلضَّامِنِ بِيَمِينٍ (وَلَمْ يَجِبْ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ (وَكِيلٌ) فَاعِلُ يَجِبُ (لِلْخُصُومَةِ) أَيْ لِأَجْلِهَا أَيْ لِأَجَلٍ أَنْ يُخَاصِمَهُ الْمُدَّعِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَعْنِي أَنَّ الْمُدَّعِي عَلَى شَخْصٍ بِحَقٍّ فَجَحَدَهُ فَطَالَبَهُ الْحَاكِمُ بِالْبَيِّنَةِ فَقَالَ عِنْدِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ وَلَكِنِّي أَخَافُ عِنْدَ حُضُورِهَا أَنْ لَا أَجِدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلِيَأْتِنِي بِوَكِيلٍ أُخَاصِمْهُ عِنْدَ حُضُورِ بَيِّنَتِي فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إقَامَةُ وَكِيلٍ بِذَلِكَ (وَلَا) يَجِبُ عَلَيْهِ (كَفِيلٌ) يَكْفُلُهُ (بِالْوَجْهِ) حَتَّى يَأْتِيَ الْمُدَّعِي بِبَيِّنَتِهِ الْغَائِبَةِ وَسَيَأْتِي فِي الشَّهَادَةِ مَا يُخَالِفُهُ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ كَفِيلٌ بِالْوَجْهِ وَقَوْلُهُ (بِالدَّعْوَى) رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِيَجِبُ الْمَنْفِيِّ وَقَوْلُهُ (إلَّا بِشَاهِدٍ) ظَاهِرُهُ فَيَجِبُ كَفِيلٌ بِالْوَجْهِ أَيْ لَا الْمَالُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَجِبُ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ إنْ طَلَبَهُ الْمُدَّعِي إلَى أَنْ يُقِيمَ الشَّاهِدَ الثَّانِي وَسَيَأْتِي لَهُ تَفْصِيلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الشَّهَادَاتِ (وَإِنْ ادَّعَى) الطَّالِبُ (بَيِّنَةً) لَهُ بِكَالسُّوقِ (أَوْقَفَهُ) أَيْ أَوْقَفَ الْمَطْلُوبَ الْمُنْكَرَ (الْقَاضِي عِنْدَهُ) وَلَا يَسْجُنُهُ فَإِنْ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ عَمِلَ بِمُقْتَضَاهَا وَإِلَّا خَلَّى سَبِيلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
الْقَوْلُ قَوْلَهُ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يَذْهَبُ فِيهَا لِلْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَيَرْجِعُ وَغَايَةُ مَا عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا قَصَّرَ فِي طَلَبِهِ وَلَا دَلَّسَ وَلَا يَعْرِفُ لَهُ مُسْتَقَرًّا وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْأَجِيرِ عَلَى تَبْلِيغِ الْكِتَابِ اُنْظُرْ بْن.
(قَوْلُهُ: فِي نَحْوِ الْقِصَاصِ) أَيْ فَإِنَّ الضَّامِنَ فِيهَا إنَّمَا يَلْزَمُهُ طَلَبُ الْمَكْفُولِ فَإِنْ قَصَّرَ عُوقِبَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي ضَمَانِ الطَّلَبِ إنْ كَانَ الْمَضْمُونُ عَلَيْهِ مَالًا وَفَرَّطَ الضَّامِنُ فِي الْإِتْيَانِ بِالْمَضْمُونِ أَوْ هَرَّبَهُ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ الضَّمَانُ فِي قِصَاصٍ أَوْ جُرْحٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ تَرَتَّبَ عَلَى الْمَضْمُونِ وَفَرَّطَ الضَّامِنُ فِي الْإِتْيَانِ بِهِ أَوْ هَرَّبَهُ فَإِنَّهُ يُعَاقِبُ فَقَطْ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ إذَا تَكَفَّلَ بِنَفْسٍ فِي قِصَاصٍ أَوْ جِرَاحٍ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالْمَضْمُونِ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ وَأَرْشُ الْجِرَاحَاتِ وَكَانَتْ لَهُ فِي رَأْسِ مَالِ الْجَانِي إذْ لَا قِصَاصَ عَلَى الْكَفِيلِ وَهُوَ خَارِجُ الْمَذْهَبِ.
(قَوْلُهُ: وَحُمِلَ فِي مُطْلَقِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ لَفْظًا مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَقَيَّدَ بِالْوَجْهِ أَوْ الْمَالِ أَوْ الطَّلَبِ أَوْ قَامَتْ الْقَرِينَةُ عَلَى وَاحِدٍ انْصَرَفَ الضَّمَانُ لَهُ وَلَا كَلَامَ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْوَجْهَ أَوْ غَيْرَهُ فَقَوْلَانِ كَمَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ أَرَادَ الْوَجْهَ لَزِمَهُ وَصُدِّقَ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا فَاخْتُلِفَ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْمَالِ أَوْ الْوَجْهِ اخْتِيَارُ ابْنِ يُونُسَ وَصَاحِبِ الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمَالِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ اخْتَارَ بَعْضُ أَشْيَاخِي أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْوَجْهِ لِكَوْنِهِ أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ فَقَوْلُهُ عَلَى الْأَرْجَحِ أَيْ عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ وَالْأَظْهَرُ أَيْ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مُقَابِلَهُ مَا اخْتَارَهُ بَعْضُ أَشْيَاخِ الْمَازِرِيِّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى ضَمَانِ الْوَجْهِ وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحَمِيلُ غَارِمٌ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ» .
(قَوْلُهُ: وَزَعِيمٌ) مِنْ الزَّعَامَةِ وَهِيَ السِّيَادَةُ لُغَةً وَالضَّامِنُ كَالسَّيِّدِ لِلْمَضْمُونِ.
(قَوْلُهُ: عَنْ التَّقْيِيدِ بِشَيْءٍ) أَيْ الْوَجْهِ أَوْ الطَّلَبِ أَوْ الْمَالِ (قَوْلُهُ بِلَفْظٍ أَوْ قَرِينَةٍ) فِي خش الْمُرَادُ بِالْمُطْلَقِ الَّذِي لَمْ يُقَيَّدْ بِمَالٍ وَلَا وَجْهٍ لَا بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ إذْ لَوْ نَوَى شَيْئًا اُعْتُبِرَ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُطْلَقًا عَمَّا لَوْ قَالَ أَرَدْت بِمَا ذَكَرَ الْمَالَ أَوْ الْوَجْهَ فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَاهُ.
(قَوْلُهُ: لَا إنْ اخْتَلَفَا) هَذَا مُخَرَّجٌ مِنْ مُقَدَّرٍ أَيْ وَلَزِمَ ذَلِكَ أَيْ الْمَالُ لَا إنْ اخْتَلَفَا أَيْ فِي الشَّرْطِ أَوْ الْإِرَادَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فَإِذَا قَالَ الضَّامِنُ: إنَّمَا شَرَطْت ضَمَانَ الْوَجْهِ أَوْ أَرَدْته وَقَالَ الطَّالِبُ: بَلْ الْمَالَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الضَّامِنِ بِيَمِينٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ الطَّالِبَ يَدَّعِي عِمَارَةَ ذِمَّةٍ الْأَصْلُ بَرَاءَتُهَا فَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ اخْتِلَافُهُمَا فِي شَيْءٍ مَخْصُوصٍ وَحِينَئِذٍ لَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ اخْتِلَافُهُمَا فِي حُلُولِ الْمَضْمُونِ فِيهِ وَتَأْجِيلِهِ أَيْ هَلْ وَقَعَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْحُلُولِ وَلَوْ كَانَ هُوَ الطَّالِبُ اتِّفَاقًا وَأَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا فِي حُلُولِ أَجَلِهِ وَعَدَمِ حُلُولِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي عَدَمِ الْحُلُولِ.
(قَوْلُهُ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إقَامَةُ وَكِيلٍ بِذَلِكَ) أَيْ وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا بِالْحَقِّ وَلَمْ يَحْلِفْ مَعَهُ لِرَجَاءِ قُدُومِ الشَّاهِدِ الثَّانِي مِنْ غَيْبَتِهِ (قَوْلُهُ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ كَفِيلٌ بِالْوَجْهِ) أَيْ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى سَوَاءٌ ادَّعَى الطَّالِبُ قُرْبَ بَيِّنَتِهِ أَوْ بُعْدَهَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْمِسْنَاوِيُّ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ اهـ بْن.
(قَوْلُهُ وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ) أَيْ وَلَا يَجِبُ إقَامَةُ وَكِيلٍ وَلَا كَفِيلٍ بِسَبَبِ الدَّعْوَى أَيْ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ بَيِّنَةٍ حَاضِرَةٍ لِأَنَّ لِلْقَاضِي سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ فِي غَيْبَةِ الْمَطْلُوبِ.
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَعَ الشَّاهِدِ إلَّا حَمِيلٌ بِالْوَجْهِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَجِبُ حَمِيلٌ بِالْمَالِ ذَكَرَ هَذَا الْخِلَافَ ابْنُ هِشَامٍ الْخَضْرَاوِيُّ فِي الْمُفِيدِ وَقَالَ إنَّ مَذْهَبَ سَحْنُونٍ هُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَلُ نَقَلَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْمِسْنَاوِيُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ خِلَافًا لِمَا فِي شَارِحِنَا تَبَعًا لِلشَّيْخِ سَالِمٍ اهـ بْن.
(قَوْلُهُ: بَلْ يَجِبُ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ) وَحِينَئِذٍ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ الْكَفِيلَ فِيهِ بِالْوَجْهِ وَمَا بَعْدَهُ الْكَفِيلُ فِيهِ بِالْمَالِ