للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أَسْلَمَهُ) لِرَبِّهِ (هَدَرًا) بِلَا شَيْءٍ وَلَزِمَ رَبَّهُ قَبُولُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْقَبُولِ حَتَّى تَلِفَ شَيْءٌ فَضَمَانُهُ مِنْهُ (وَلَمْ تَنْفَسِخْ) الْمُسَاقَاةُ (بِفَلَسِ رَبِّهِ) أَيْ الْحَائِطُ الطَّارِئُ عَلَى عَقْدِهَا (وَ) إذَا لَمْ تَنْفَسِخْ بِالْفَلَسِ الطَّارِئِ (بِيعَ) الْحَائِطُ عَلَى أَنَّهُ (مُسَاقًى) وَلَوْ كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ سِنِينَ كَمَا تُبَاعُ الدَّارُ عَلَى أَنَّهَا مُسْتَأْجَرَةٌ وَالْمَوْتُ كَالْفَلَسِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ كَالْكِرَاءِ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُتَكَارِيَيْنِ، وَأَمَّا لَوْ تَأَخَّرَتْ الْمُسَاقَاةُ عَنْ الْفَلَسِ لَكَانَ لِلْغُرَمَاءِ فَسْخُهَا

(وَ) جَازَ (مُسَاقَاةُ وَصِيٍّ) حَائِطَ مَحْجُورِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ تَصَرُّفِهِ لَهُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّظَرِ (وَ) مُسَاقَاةُ (مَدِينٍ) حَائِطَهُ قَبْلَ قِيَامِ غُرَمَائِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ (بِلَا حَجْرٍ) وَلَا فَسْخٍ لِغُرَمَائِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكْرَى أَوْ سَاقَى بَعْدَ قِيَامِهِمْ فَلَهُمْ الْفَسْخُ كَمَا تَقَدَّمَ.

(وَ) جَازَ لِمُسْلِمٍ (دَفْعُهُ) أَيْ حَائِطُهُ (لِذِمِّيٍّ) يَعْمَلُ فِيهِ مُسَاقَاةً (لَمْ يَعْصِرْ حِصَّتَهُ خَمْرًا) وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لِمَا فِيهِ مِنْ إعَانَتِهِمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ (لَا مُشَارَكَةُ رَبِّهِ) أَيْ الْحَائِطُ فِي الْمُسَاقَاةِ فَلَا تَجُوزُ أَيْ لَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يُشَارِكَ عَامِلًا فِي مُسَاقَاةِ حَائِطِهِ عَلَى أَنَّ لَهُ جُزْءًا مَعْلُومًا مِنْ الثَّمَرَةِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ (أَوْ) (إعْطَاءِ أَرْضٍ) لِرَجُلٍ

ــ

[حاشية الدسوقي]

فِي زَرْعٍ أَوْ شَجَرٍ وَلَا يَرْجِعُ قَوْلُهُ وَضَمِنَ لِمَا إذَا كَانَ الثَّانِي أَقَلَّ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَتْ أَمَانَتُهُ، وَلَوْ كَانَتْ أَقَلَّ فَلَا ضَمَانَ.

(قَوْلُهُ أَسْلَمَهُ لِرَبِّهِ هَدَرًا بِلَا شَيْءٍ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ظَاهِرُهُ؛ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ وَلَوْ انْتَفَعَ رَبُّ الْحَائِطِ بِمَا عَمِلَ الْعَامِلُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَهُ قِيمَةُ مَا انْتَفَعَ بِهِ مِنْ الْعَمَلِ الْأَوَّلِ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِمْ فِي الْجُعَلِ عَلَى حَفْرِ الْبِئْرِ ثُمَّ يَتْرُكُ ذَلِكَ اخْتِيَارًا وَيُتَمِّمُ رَبُّ الْبِئْرِ حَفْرَهَا اهـ.

وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا قَوْلُهُ أَسْلَمَهُ هَدَرًا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ ذَلِكَ لِلْعَامِلِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ رَبُّ الْحَائِطِ لَكِنْ تَأَوَّلَ الْمُدَوَّنَةَ أَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ إذَا تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ خَلِيلٌ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيِّنٌ اهـ.

إذَا عَلِمْت هَذَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَلَزِمَ رَبَّهُ الْقَبُولُ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى مَا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَدْ عَلِمْت رَدَّهُ (قَوْلُهُ فَضَمَانُهُ مِنْهُ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ يُونُسَ: لَوْ قَالَ رَبُّ الْحَائِطِ أَنَا أَسْتَأْجِرُ مَنْ يَعْمَلُ تَمَامَ الْعَمَلِ وَأَبِيعُ لِلْعَامِلِ مَا خَصَّهُ مِنْ الثَّمَرَةِ وَاسْتَوْفِي مَا أَدَّيْت فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلَهُ، وَإِنْ نَقَصَ اتَّبَعْته إنَّ ذَلِكَ لَهُ نَقَلَهُ بْن عَنْ التَّوْضِيحِ (قَوْلُهُ وَلَمْ تَنْفَسِخْ الْمُسَاقَاةُ) أَيْ عَقْدُهَا وَقَوْلُهُ بِفَلَسِ رَبِّهِ أَيْ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ أَوْ الْأَخَصِّ وَقَوْلُهُ الطَّارِئُ عَلَى عَقْدِهَا أَيْ قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ بِيعَ) أَيْ لِأَجْلِ قَسْمِ ثَمَنِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَقَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ أَيْ عَلَى أَنَّ الْحَائِطَ مُسَاقًى فِيهِ الْعَامِلُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبْعِ مَثَلًا.

(قَوْلُهُ وَالْمَوْتُ كَالْفَلَسِ) أَيْ وَمَوْتُ رَبِّ الْحَائِطِ الطَّارِئِ بَعْدَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ كَفَلَسِهِ فِي عَدَمِ فَسْخِ الْمُسَاقَاةِ بِهِ وَفِي عج وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا اُسْتُحِقَّ الْحَائِطُ بَعْدَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ فِيهِ خُيِّرَ الْمُسْتَحِقُّ بَيْنَ إبْقَاءِ الْعَمَلِ وَفَسْخِ عَقْدِهِ لِكَشْفِ الْغَيْبِ أَنَّ الْعَاقِدَ لَهُ غَيْرُ مَالِكٍ وَحِينَئِذٍ فَيُدْفَعُ لَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ وَلَوْ بِيعَتْ الْحَائِطُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مُسَاقًى إلَّا بَعْدَ الشِّرَاءِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ خِيَارٌ بِخِلَافِ مَنْ اشْتَرَى دَارًا ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَنَّ بَائِعَهَا قَدْ آجَرَهَا مُدَّةً قَبْلَ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ عَيْبٌ يُوجِبُ لَهُ الْخِيَارَ فَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ

(قَوْلُهُ مُسَاقَاةُ وَصِيٍّ) أَيْ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ لَا مِنْ الْأُمِّ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهَا حَتَّى تُوصِيَ خِلَافًا لعبق اُنْظُرْ بْن وَمِثْلُهُ الْقَاضِي وَمُقَدِّمُهُ (قَوْلُهُ حَائِطَ مَحْجُورِهِ) أَيْ دَفَعَهَا لِعَامِلٍ يَعْمَلُ فِيهَا عَلَى وَجْهِ الْمُسَاقَاةِ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ مُسَاقَاةً فِي حَائِطٍ الْيَتِيمِ الَّذِي فِي حَجْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَوْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَالْقِرَاضِ اُنْظُرْ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّظَرِ) لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَيْعِ رُبُعِهِ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَى عَدَمِ النَّظَرِ (قَوْلُهُ وَمُسَاقَاةُ مَدِينٍ حَائِطَهُ) أَيْ دَفَعَهُ لِعَامِلٍ مُسَاقَاةً (قَوْلُهُ، وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهُ قَبْلَ قِيَامِ غُرَمَائِهِ عَلَيْهِ مَعْنَى قَوْلِهِ بِلَا حَجْرٍ أَيْ بِلَا قِيَامِ غُرَمَائِهِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَلَهُمْ الْفَسْخُ) أَيْ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْغُرَمَاءِ يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ وَاَلَّذِي يَمْنَعُ التَّبَرُّعَ فَقَطْ إنَّمَا هُوَ إحَاطَةُ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ لَمْ يَعْصِرْ) أَيْ إذَا تَحَقَّقَ أَوْ ظَنَّ ظَنًّا قَوِيًّا أَنَّهُ لَمْ يَعْصِرْ حِصَّتَهُ الَّتِي يَأْخُذُهَا عَلَى الْعَمَلِ خَمْرًا وَسَوَاءٌ اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَيْ عَدَمُ الْعَصْرِ أَوْ لَا فَالْمَدَارُ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ بِعَدَمِ الْعَصْرِ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلْبِسَاطِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْجَوَازِ مِنْ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُسْلِمُ عَلَيْهِ عَدَمَ عَصْرِ حِصَّتِهِ خَمْرًا وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ مُسَاقَاتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَهْلِ خَيْبَرَ وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ اكْتِفَاءً بِالظَّنِّ الْقَوِيِّ أَنَّهُمْ لَا يَعْصِرُونَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ) أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ تَحَقَّقَ عَصْرُهُ لَهُ خَمْرًا أَوْ ظَنَّ ذَلِكَ أَوْ شَكَّ فِيهِ لَمْ يَجُزْ وَالظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ حَالَةَ الشَّكِّ قِيَاسًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَرَاهَةِ مُقَارَضَةِ مَنْ شَكَّ فِي عَمَلِهِ بِالرِّبَا وَمُعَامَلَتِهِ (قَوْلُهُ لَا مُشَارَكَةَ رَبِّهِ) هَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَجُوزُ فِي الْمُسَاقَاةِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ غَيْرُ قَوْلِهِ الْآتِي وَاشْتُرِطَ عَمَلُ رَبِّهِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي هَذِهِ ابْتِدَاءً عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا كَأَنْ يَقُولَ رَبُّ الْحَائِطِ لِشَخْصٍ أَسْقِي أَنَا وَأَنْتَ فِي حَائِطِي وَلَك نِصْفُ ثَمَرَتِهِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فَإِنَّ مَعْنَاهَا أَنَّ الْعَامِلَ شَرَطَ حِينَ الْعَقْدِ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ مَجَّانًا وَيَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا عَلَى مَا إذَا اشْتَرَطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ حِينَ الْعَقْدِ الْعَمَلَ مَعَهُ وَيُشَارِكُهُ فِي الْجُزْءِ الَّذِي شَرَطَهُ لَهُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا جَاءَتْ بِتَسْلِيمِ رَبِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>