(كَبَيْعِهِ) سِلْعَةً لِمُفْلِسٍ (وَلَمْ يَعْلَمْ) الْبَائِعُ (بِفَلَسِهِ) فَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ عَيْنِ مَالِهِ بَلْ هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِي الثَّمَنِ لِتَفْرِيطِهِ.
وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَلَسِ مِنْ أَنَّ لَهُ أَخْذَ عَيْنِ شَيْئِهِ فَفِيمَا إذَا طَرَأَ الْفَلَسُ عَلَى الْبَيْعِ فَلَا تَفْرِيطَ عِنْدَ الْبَائِعِ (وَسَاقِطُ النَّخْلِ) أَيْ مَا يَسْقُطُ مِنْهُ حَالَ كَوْنِهِ (كَلِيفٍ) وَسَعَفٍ وَجَرِيدٍ (كَالثَّمَرَةِ) فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا دَخَلَا عَلَيْهِ مِنْ الْجُزْءِ، وَأَمَّا مَا سَقَطَ مِنْ خَشَبِ النَّخْلِ أَوْ الشَّجَرِ فَلِرَبِّهِ (وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ) بِيَمِينٍ كَدَعْوَى رَبِّ الْحَائِطِ أَنَّهُ جَعَلَ لِلْعَامِلِ جُزْءًا مَعْلُومًا وَادَّعَى الْعَامِلُ أَنَّهُ مُبْهَمٌ أَوْ عَكْسُهُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمُنَازَعَةُ بَعْدَ الْعَمَلِ أَوْ قَبْلَهُ، وَهَذَا مَا لَمْ يَغْلِبْ الْفَسَادُ بِأَنْ يَكُونَ عُرْفَهُمْ فَيُصَدَّقُ مُدَّعِيه بِيَمِينِهِ (وَإِنْ) (قَصَّرَ عَامِلٌ عَمَّا شُرِطَ) عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ جَرَى بِهِ الْعُرْفُ (حُطَّ) مِنْ نَصِيبِهِ (بِنِسْبَتِهِ) فَيُنْظَرُ قِيمَةُ مَا عَمِلَ مَعَ قِيمَةِ مَا تَرَكَ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ مَا تَرَكَ الثُّلُثَ مَثَلًا حُطَّ مِنْ جُزْئِهِ الْمُشْتَرَطِ لَهُ ثُلُثُهُ وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ قَصَّرَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَصِّرْ بِأَنْ شُرِطَ عَلَيْهِ السَّقْيُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَسَقَى مَرَّتَيْنِ وَأَغْنَاهُ الْمَطَرُ عَنْ الثَّالِثَةِ لَمْ يُحَطَّ مِنْ حِصَّتِهِ شَيْءٌ وَكَانَ لَهُ جُزْؤُهُ بِالتَّمَامِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْبُيُوعِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَمَا يَلْحَقُ بِهَا انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْإِجَارَةِ كَذَلِكَ، وَهُوَ أَوَّلُ الرُّبُعِ الرَّابِعِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ فَقَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَنَا بِبَرَكَاتِهِ وَأَسْرَارِهِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
لِلْخِدْمَةِ (قَوْلُهُ كَبَيْعِهِ) أَيْ كَبَيْعِ شَخْصٍ سِلْعَتَهُ لِمُفْلِسٍ (قَوْلُهُ بَلْ هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِي الثَّمَنِ) أَيْ أَنَّهُ يُحَاصِصُ مَعَهُمْ بِالثَّمَنِ فِيمَا بِيعَتْ بِهِ سِلْعَتُهُ وَغَيْرُهَا، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ لَهُ قَبْلَ اقْتِسَامِ الْغُرَمَاءِ، وَأَمَّا إذَا بَاعَ لَهُ بَعْدَ اقْتِسَامِهِمْ فَلَا دُخُولَ لَهُ مَعَهُمْ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لِتَفْرِيطِهِ) أَيْ حَيْثُ بَاعَ لِذَلِكَ الْمُفْلِسِ وَلَمْ يَثْبُتْ.
(قَوْلُهُ أَنَّ لَهُ أَخْذَ عَيْنِ شَيْئِهِ) أَيْ الْمُحَازِ عَنْهُ فِي الْفَلَسِ (قَوْلُهُ أَيْ مَا سَقَطَ مِنْهُ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ عَلَى مَعْنَى مِنْ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ وَالسَّاقِطُ مِنْ أَجْزَاءِ النَّخْلِ حَالَةَ كَوْنِهِ كَلِيفٍ وَلَا مَفْهُومَ لِلنَّخْلِ بَلْ مِثْلُهُ الشَّجَرُ وَالزَّرْعُ السَّاقِطُ مِنْهُ كَالتِّبْنِ وَالْوَقِيدِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا دَخَلَا عَلَيْهِ مِنْ الْجُزْءِ فِي الْحَبِّ (قَوْلُهُ وَجَرِيدٍ) أَيْ وَبَلَحٍ وَقَوْلُهُ كَالثَّمَرَةِ أَيْ الْبَاقِيَةِ مِنْ غَيْرِ سُقُوطٍ (قَوْلُهُ فَلِرَبِّهِ) أَيْ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِلْعَامِلِ فَلَيْسَتْ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةً لِصِدْقِهَا بِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ (قَوْلُهُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ) أَشْعَرَ قَوْلُهُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ رَبُّ الْحَائِطِ لَمْ تُدْفَعْ لِي الثَّمَرَةُ وَقَالَ الْعَامِلُ بَلْ دَفَعَتْهَا لَك صُدِّقَ الْعَامِلُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ ابْنِ الْمَوَّازِ وَيَحْلِفُ كَانَ التَّنَازُعُ قَبْلَ جُذَاذِ النَّاسِ أَوْ بَعْدَهُ اهـ.
بْن (قَوْلُهُ كَانَتْ الْمُنَازَعَةُ بَعْدَ الْعَمَلِ أَوْ قَبْلَهُ) أَيْ كَمَا جَزَمَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَنَقَلَ ذَلِكَ الْعِلْمِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ وَفِي الشَّامِلِ وَصُدِّقَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ إذَا تَنَازَعَا بَعْدَ الْعَمَلِ وَإِلَّا تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ قَالَ عج، وَهُوَ غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ وَاعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ الْمِسْنَاوِيُّ بِأَنَّ مَا فِي الشَّامِلِ هُوَ الَّذِي لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَابْنِ يُونُسَ وَالتُّونُسِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ فَتَحَصَّلَ أَنَّ طَرِيقَةَ ابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ مُطْلَقًا وَطَرِيقَةَ غَيْرِهِمَا التَّفْصِيلُ وَعَلَيْهَا الشَّامِلُ اهـ.
بْن (قَوْلُهُ وَمَا لَمْ يَغْلِبْ الْفَسَادُ) أَيْ بِخِلَافِ الْقِرَاضِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي صِحَّتِهِ وَلَوْ غَلَبَ الْفَسَادُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَمَا ذَكَرَهُ تت هُنَا عَنْ ابْنِ نَاجِيٍّ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ وَلَوْ غَلَبَ الْفَسَادُ عَلَى الْمَشْهُورِ رَدَّهُ عج بِأَنَّ ابْنَ نَاجِيٍّ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْقِرَاضِ لَا فِي الْمُسَاقَاةِ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَكُونَ عُرْفَهُمْ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ عُرْفَهُمْ (قَوْلُهُ فَيُصَدَّقُ مُدَّعِيه بِيَمِينِهِ) أَيْ وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ (قَوْلُهُ عَمَّا شُرِطَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ جَرَى بِهِ الْعُرْفُ) أَيْ كَالْحَرْثِ أَوْ السَّقْيِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَحَرَثَ أَوْ سَقَى مَرَّتَيْنِ (قَوْلُهُ فَيُنْظَرُ قِيمَةُ مَا عَمِلَ إلَخْ) كَأَنْ يُقَالَ مَا أُجْرَةُ مِثْلِهِ لَوْ حَرَثَ مَثَلًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِذَا قِيلَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيُقَالُ وَمَا أُجْرَتُهُ لَوْ حَرَثَ مَرَّةً فَإِذَا قِيلَ خَمْسٌ حُطَّ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ ثُلُثُهَا؛ لِأَنَّ قِيمَةَ مَا تَرَكَ خَمْسَةٌ وَنِسْبَتَهَا لِلْخَمْسَةِ عَشَرَ ثُلُثُهَا (قَوْلُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ عَلَى سِقَايَةِ حَائِطِهِ زَمَنَ السَّقْيِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَهُمْ وَجَاءَ مَاءُ السَّمَاءِ فَأَقَامَ بِهِ حِينًا فَإِنَّهُ يُحَطُّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ إقَامَةِ الْمَاءِ فِيهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِجَارَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُشَاحَّةِ وَالْمُسَاقَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ؛ لِأَنَّهَا رُخْصَةٌ وَالرُّخْصَةُ تَسْهِيلٌ (قَوْلُهُ كَذَلِكَ) وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَمَا يَتْبَعُهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ آمِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute