فَإِنْ قَبَضَهَا صَارَ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَطَلَبَهُ لِأَخْذِهِ وَدِيعَةً عِنْدَهُ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِتَفْرِيطٍ (إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ) بِتَلَفِهِ أَوْ ضَيَاعِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ فَلَا ضَمَانَ سَوَاءٌ دَعَاهُ لِأَخْذِهِ أَمْ لَا، وَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ (فَتَسْقُطُ الْأُجْرَةُ) عَنْ رَبِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهَا إلَّا بِتَسْلِيمِهِ لِرَبِّهِ (وَإِلَّا أَنْ يُحْضِرَهُ) الصَّانِعُ لِرَبِّهِ (بِشَرْطِهِ) أَيْ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي شَرَطَهَا عَلَيْهِ فَتَرَكَهُ عِنْدَهُ وَادَّعَى ضَيَاعَهُ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْإِجَارَةِ إلَى الْإِيدَاعِ، وَهَذَا إذَا كَانَ قَدْ دَفَعَ الْأُجْرَةَ، وَإِلَّا كَانَ رَهْنًا فِيهَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الرَّهْنِ (وَصُدِّقَ) رَاعٍ نَحَرَ بَعِيرًا أَوْ ذَبَحَ شَاةً (إنْ) (ادَّعَى خَوْفَ مَوْتٍ) لِمَا نَحَرَهُ أَوْ ذَبَحَهُ (فَنَحَرَ) أَوْ ذَبَحَ وَنَازَعَهُ الْمَالِكُ وَقَالَ بَلْ تَعَدَّيْت وَحَلَفَ الْمُتَّهَمُ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا يَقْتَضِيهِ ابْنُ عَرَفَةَ (أَوْ) ادَّعَى (سَرِقَةَ مَنْحُورِهِ) أَيْ الرَّاعِي بِأَنْ قَالَ ذَبَحْتُهَا خَوْفَ مَوْتِهَا ثُمَّ سُرِقَتْ، وَمِثْلُ الرَّاعِي الْمُلْتَقِطُ (أَوْ) ادَّعَى الْحَجَّامُ (قَلْعَ ضِرْسٍ) أُذِنَ لَهُ فِيهِ وَنَازَعَهُ رَبُّهُ وَقَالَ بَلْ قَلَعْت غَيْرَ الْمَأْذُونِ فِيهِ (أَوْ) ادَّعَى الصَّبَّاغُ (صَبْغًا) بِأَنْ قَالَ أَمَرْتنِي بِهِ وَقَالَ رَبُّهُ بَلْ بِغَيْرِهِ أَوْ قَالَ أَمَرْتنِي أَنْ أَصْبُغَهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ الزَّعْفَرَانِ مَثَلًا وَقَالَ رَبُّهُ بَلْ بِخَمْسَةٍ (فَنُوزِعَ) أَيْ نَازَعَهُ رَبُّهُ فَيُصَدَّقُ الْأَجِيرُ فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعَةِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَطْرَأُ عَلَى الْإِجَارَةِ فَقَالَ (وَفُسِخَتْ) الْإِجَارَةُ (بِتَلَفِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ) (لَا) بِتَلَفِ مَا يُسْتَوْفَى (بِهِ) الْمَنْفَعَةُ أَشَارَ بِهَذَا إلَى قَوْلِهِمْ أَنَّ كُلَّ عَيْنٍ يُسْتَوْفَى مِنْهَا الْمَنْفَعَةُ فَبِهَلَاكِهَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ كَمَوْتِ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ وَانْهِدَامِ الدَّارِ الْمُعَيَّنَةِ وَكُلَّ عَيْنٍ تُسْتَوْفَى بِهَا الْمَنْفَعَةُ فَبِهَلَاكِهَا لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ: فَإِنْ قَبَضَهَا إلَخْ) مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ سُقُوطُ الضَّمَانِ حَيْثُ قَبَضَ الْأُجْرَةَ، وَلَوْ لَمْ يُحْضِرْهُ لِرَبِّهِ بِشَرْطِهِ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّخْمِيِّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُحْضِرَهُ لِرَبِّهِ بِشَرْطِهِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. بْن (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ضَمَانَ الصُّنَّاعِ ضَمَانُ تُهْمَةٍ يَنْتَفِي بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا ضَمَانُ أَصَالَةٍ (قَوْلُهُ: وَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ بِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ فَتَسْقُطُ الْأُجْرَةُ أَشَارَ الشَّارِحُ بِتَقْدِيرِ، وَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ إلَى أَنَّ الْفَاءَ وَاقِعَةٌ فِي جَوَابِ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ.
إنْ قُلْت إنَّ سُقُوطَ الْأُجْرَةِ مُتَسَبِّبٌ عَنْ عَدَمِ التَّسْلِيمِ لَا عَنْ عَدَمِ الضَّمَانِ قُلْت يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الضَّمَانِ عَدَمُ التَّسْلِيمِ فَاكْتَفَى بِعَدَمِ الضَّمَانِ عَنْ عَدَمِ التَّسْلِيمِ (قَوْلُهُ: لَا يَسْتَحِقُّهَا إلَّا بِتَسْلِيمِهِ لِرَبِّهِ) أَيْ وَتَسْلِيمُهُ لِرَبِّهِ مُنْتَفٍ (قَوْلُهُ: فَنَحَرَ أَوْ ذَبَحَ) أَيْ وَجَاءَ بِهَا مُذَكَّاةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَوْ سَرِقَةَ مَنْحُورِهِ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ فَإِنْ خَافَ مَوْتَهَا وَتَرَكَ ذَكَاتَهَا حَتَّى مَاتَتْ ضَمِنَ بِالْأَوْلَى مِمَّا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ وَضَمِنَ مَارٌّ أَمْكَنَتْهُ ذَكَاتُهُ وَتَرَكَ فَإِنْ ذَكَّاهَا الرَّاعِي خَوْفَ مَوْتِهَا وَقَالَ أَكَلْتهَا لَمْ يُصَدَّقْ إذَا كَانَ مَحَلُّ الرَّعْيِ قَرِيبًا، وَإِلَّا صُدِّقَ وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ تَصْدِيقِهِ مَا لَمْ يَجْعَلْ لَهُ رَبُّهَا أَكْلَهَا فَإِنْ جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ لَهُ إذَا رَأَيْت عَلَيْهَا عَلَامَةَ الْمَوْتِ فَاذْبَحْ وَكُلْ صُدِّقَ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ الرَّاعِي الْمُلْتَقِطُ) أَيْ فَيُصَدَّقُ إنْ ادَّعَى خَوْفَ مَوْتٍ فَنَحَرَ، وَأَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَالْمُرْتَهِنُ وَالْمُودِعُ وَالشَّرِيكُ فَلَا يُصَدَّقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي دَعْوَاهُ التَّذْكِيَةَ لِخَوْفِ الْمَوْتِ إلَّا بِلَطْخٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ كَانُوا يُصَدَّقُونَ فِي دَعْوَى التَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَالرَّاعِي مَعَ كَوْنِ الْجَمِيعِ مُؤْمِنِينَ تَعَذُّرُ الْإِشْهَادِ مِنْ الرَّاعِي غَالِبًا بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِمْ فِي الْإِشْهَادِ غَالِبًا، وَأَحْرَى مِنْ هَؤُلَاءِ فِي الضَّمَانِ مَنْ مَرَّ عَلَى دَابَّةِ شَخْصٍ فَذَكَّاهَا وَادَّعَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ خَوْفَ مَوْتِهَا أَوْ سَلَخَ دَابَّةَ غَيْرِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ وَجَدَهَا مَيِّتَةً فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ لَطْخٍ وَكُلٌّ تَرَكَ الذَّبْحَ مِنْ هَؤُلَاءِ حَتَّى مَاتَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ عِنْدَهُ مَنْ يُشْهِدُهُ عَلَى ذَبْحِهَا خَوْفَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ الرَّاعِي فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِتَرْكِ ذَكَاتِهَا إذَا ثَبَتَ تَفْرِيطُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ ادَّعَى الْحَجَّامُ قَلْعَ ضِرْسٍ أَذِنَ لَهُ فِيهِ وَنَازَعَهُ رَبُّهُ وَقَالَ بَلْ قَلَعْت غَيْرَ الْمَأْذُونِ فِيهِ) أَيْ فَيُصَدَّقُ الْحَجَّامُ وَيَحْلِفُ الْمُتَّهِمُ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا لِابْنِ عَرَفَةَ، وَلَهُ الْمُسَمَّى كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ حَيْثُ قَالَ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُدَّعٍ، وَمُدَّعًى عَلَيْهِ فَيَتَحَالَفَانِ وَيَكُونُ لِلْحَجَّامِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ لَا التَّسْمِيَةُ فَإِنْ صَدَّقَ الْحَجَّامُ مَنْ نَازَعَهُ فِي أَنَّ الْمَقْلُوعَ غَيْرَ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَلَا أَجْرَ لَهُ وَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ وَالنَّابُ وَالسِّنُّ كَالضِّرْسِ، وَخَصَّهُ الْمُصَنِّفُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْغَالِبَ وُقُوعُ الْأَلَمِ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ ادَّعَى الصَّبَّاغُ صَبْغًا) أَيْ نَوْعًا مِنْ الصَّبْغِ كَزُرْقَةٍ صَافِيَةٍ وَنَازَعَهُ رَبُّ الثَّوْبِ وَقَالَ لَهُ أَمَرْتُك بِصَبْغِهِ أَخْضَرَ مَثَلًا فَالْقَوْلُ لِلصَّبَّاغِ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَشْبَهَ بِأَنْ كَانَ صَاحِبُ الثَّوْبِ شَأْنَهُ أَنْ يَصْبُغَ الثَّوْبَ بِاللَّوْنِ الَّذِي ادَّعَاهُ الصَّبَّاغُ لَا شَاشٍ أَزْرَقَ لِشَرِيكٍ، وَلَا أَخْضَرَ لِذِمِّيٍّ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِرَبِّهِ مَعَ يَمِينِهِ وَبَعْدَ ذَلِكَ يُخَيَّرُ إمَّا أَنْ يَأْخُذَهُ مَصْبُوغًا وَيَدْفَعَ أُجْرَةَ مِثْلِهِ أَوْ يُسْلِمَهُ وَيَأْخُذَ قِيمَتَهُ أَبْيَضَ (قَوْلُهُ: بَلْ بِغَيْرِهِ) أَيْ بَلْ أَمَرْتُك بِغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: بِتَلَفِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ) مَا مَوْصُولَةٌ أَيْ بِتَلَفِ الَّذِي يُسْتَوْفَى مِنْهُ وَالْمَوْصُولُ عِنْدَهُمْ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَكَأَنَّهُ قَالَ بِتَلَفِ كُلِّ مَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ لَا نَكِرَةٌ بِمَعْنَى شَيْءٍ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ لَا عُمُومَ لَهَا وَقَوْلُهُ: بِتَلَفِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ أَيْ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ فَلَا تَنْفَسِخُ بِتَلَفِهِ (قَوْلُهُ: كَمَوْتِ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ) أَيْ، وَأَمَّا الدَّابَّةُ الْغَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ فَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهَا (قَوْلُهُ: وَانْهِدَامِ الدَّارِ الْمُعَيَّنَةِ) لَمْ يُقَيِّدْ ابْنُ الْحَاجِبِ الدَّارَ بِكَوْنِهَا مُعَيَّنَةً قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ التَّعْيِينَ؛ لِأَنَّ الدَّارَ لَا تُكْرَى إلَّا مُعَيَّنَةً كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَكُلُّ عَيْنٍ تُسْتَوْفَى بِهَا الْمَنْفَعَةُ فَبِهَلَاكِهَا لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الْعَيْنُ مُعَيَّنَةً أَمْ لَا سَوَاءٌ كَانَ التَّلَفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute