(فَإِنْ بَقِيَ فَالْكِرَاءُ) جَمِيعُهُ لَازِمٌ لَهُ.
وَشُبِّهَ فِي لُزُومِ الْكِرَاءِ قَوْلُهُ: (كَعَطَشِ) (أَرْضُ صُلْحٍ) صَالَحَ السُّلْطَانُ الْكُفَّارَ عَلَيْهَا وَزَرَعُوهَا فَعَطِشَتْ فَإِنَّ الْكِرَاءَ لَازِمٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِجَارَةٍ حَقِيقِيَّةٍ، وَإِنَّمَا صَالَحَهُمْ بِمَالٍ مَعْلُومٍ، وَلَا يُسَمَّى خَرَاجًا إلَّا مَجَازًا (وَهَلْ) يَلْزَمُهُمْ (مُطْلَقًا) عَيَّنُوهُ لِلْأَرْضِ أَوْ لِلْأَرْضِ مَعَ الرُّءُوسِ أَوْ مُجْمَلًا، وَأَمَّا لَوْ عَيَّنُوهُ لِلرُّءُوسِ فَقَطْ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ بِحَالٍ (أَوْ) مَحَلَّ اللُّزُومِ (إلَّا أَنْ يُصَالَحُوا عَلَى الْأَرْضِ) وَحْدَهَا فَعَطِشَتْ فَلَا يَلْزَمُهُمْ الْكِرَاءُ، وَمِثْلُهُ مَا إذَا صَالَحَهُمْ بِشَيْءٍ عَلَى الْأَرْضِ وَالرُّءُوسِ، وَمُيِّزَ مَا لِكُلٍّ فَإِذَا زَرَعُوهَا فَعَطِشَتْ أَوْ لَمْ تُرْوَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ كِرَاءٌ فِيمَا قَابَلَ الْأَرْضَ، وَأَمَّا لَوْ صَالَحَهُمْ عَلَى الْجَمَاجِمِ فَقَطْ أَوْ مُجْمَلًا فَيَلْزَمُهُمْ قَطْعًا عَطِشَتْ أَوْ لَمْ تَعْطَشْ (تَأْوِيلَانِ) رُجِّحَ تَأْوِيلُ الْإِطْلَاقِ ثُمَّ إنْ أَسْلَمُوا سَقَطَ عَنْهُمْ مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَالْأَرْضُ مِلْكٌ لَهُمْ تُبَاعُ وَتُورَثُ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِخِلَافِ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ كَأَرْضِ مِصْرَ فَإِنَّهَا أُجْرَةٌ مُحَقَّقَةٌ؛ لِأَنَّهَا أَرْضُ عَنْوَةٍ مَوْقُوفَةٍ آجَرَهَا السُّلْطَانُ؛ لِأَنَّهُ النَّاظِرُ وَالْخَلِيفَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا عَطِشَتْ سَقَطَتْ الْأُجْرَةُ كَمَا مَرَّ، وَلَا تُبَاعُ، وَلَا تُوهَبُ، وَلَا تُورَثُ فَإِنْ مَاتَ وَاضِعُ الْيَدِ مِنْ الْفَلَّاحِينَ فَالنَّظَرُ لِلسُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ
الْمَصْلَحَةِ
وَالْعُرْفِ فَلَا يَنْزِعُ طِينَ أَحَدٍ لِآخَرَ، وَلَا طِينَ أَهْلِ بَلَدٍ لِأَهْلِ بَلَدٍ أُخْرَى، وَلَا لِنَفْسِهِ، وَإِذَا مَاتَ وَاضِعُ يَدٍ وَكَانَ الْعُرْفُ أَنْ يُعْطِيَ لِوَرَثَتِهِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ عَمِلَ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ سَدًّا لَبَاب الْمَفْسَدَةِ، وَمَا جَبَى مِنْ الْخَرَاجِ صُرِفَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَيْتُ مَالِهِمْ وَالسُّلْطَانُ نَاظِرٌ، وَلَهُ الْأَخْذُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ.
وَأَمَّا الْمُلْتَزِمُونَ فَلَيْسَ لَهُمْ تَصَرُّفٌ فِيهِ بِوَجْهٍ مَا إذْ لَيْسُوا بِنُوَّابٍ لِلسُّلْطَانِ، وَلَا لِنَائِبِهِ، وَإِنَّمَا هُمْ جُبَاةٌ
ــ
[حاشية الدسوقي]
مِنْ الدَّارِ لَا يُوجِبُ الْخِيَارَ بَلْ يُوجِبُ السُّكْنَى وَيُحَطُّ بِقَدْرِهِ فَمُقَيَّدٌ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ بِمَا إذَا كَانَ لَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ كَثِيرٌ عَلَى الْمُكْتَرِي (قَوْلُهُ: فَإِنْ بَقِيَ) أَيْ فَإِنْ اخْتَارَ الْبَقَاءَ، وَلَمْ يَفْسَخْ.
(قَوْلُهُ: فَالْكِرَاءُ جَمِيعُهُ) أَيْ، وَلَيْسَ لَهُ الْبَقَاءُ مَعَ إسْقَاطِ حِصَّةِ الْمُضِرِّ مِنْ الْكِرَاءِ.
(قَوْلُهُ: فَعَطِشَتْ) أَيْ حَتَّى تَلِفَ الزَّرْعُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِجَارَةٍ حَقِيقِيَّةٍ) أَيْ بِخِلَافِ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ كَأَرْضِ مِصْرَ فَإِنَّهَا أُجْرَةٌ حَقِيقِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا أَرْضُ عَنْوَةٍ آجَرَهَا السُّلْطَانُ فَإِذَا عَطِشَتْ سَقَطَتْ الْأُجْرَةُ (قَوْلُهُ: وَهَلْ يَلْزَمُهُمْ مُطْلَقًا) أَيْ، وَهَلْ يَلْزَمُ الْخَرَاجُ أَهْلَ الصُّلْحِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: عَيَّنُوهُ لِلْأَرْضِ إلَخْ) أَيْ كَمَا لَوْ جَعَلُوا لِلسُّلْطَانِ كُلَّ سَنَةٍ أَلْفَ دِينَارٍ صُلْحًا عَلَى أَرْضِهِمْ أَوْ عَلَى أَرْضِيهِمْ وَرُءُوسِهِمْ سَوَاءٌ مَيَّزُوا مَا عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَمْ لَا وَقَوْلُهُ: أَوْ مُجْمَلًا أَيْ أَوْ صَالَحُوهُ عَلَى شَيْءٍ مُجْمَلًا أَيْ صُلْحًا مُجْمَلًا بِأَنْ جَعَلُوا لَهُ كُلَّ سَنَةٍ أَلْفَ دِينَارٍ صُلْحًا، وَأَجْمَلُوا فَلَمْ يَذْكُرُوا أَرْضًا، وَلَا رُءُوسًا (قَوْلُهُ: أَوْ مَحَلُّ اللُّزُومِ إلَّا أَنْ يُصَالِحُوا عَلَى الْأَرْضِ) أَيْ أَوْ مَحَلُّ اللُّزُومِ فِي كُلِّ حَالَةٍ إلَّا أَنْ يُصَالِحُوا عَلَى الْأَرْضِ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ الرُّءُوسِ، وَمُيِّزَ مَا لِكُلٍّ وَذَلِكَ إذَا صَالَحُوا بِشَيْءٍ عَلَى الْأَرْضِ وَالرُّءُوسِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزِ مَا لِكُلٍّ أَوْ صَالَحُوا بِشَيْءٍ، وَأَجْمَلُوا فِيهِ فَلَمْ يَذْكُرُوا أَرْضًا، وَلَا رُءُوسًا أَوْ كَانَ صُلْحُهُمْ عَلَى الرُّءُوسِ فَقَطْ، وَأَمَّا لَوْ صَالَحُوا عَلَى الْأَرْضِ فَقَطْ أَوْ عَلَيْهَا وَعَلَى الرُّءُوسِ وَمُيِّزَ مَا لِكُلٍّ فَلَا يَلْزَمُهُمْ كِرَاءُ الْأَرْضِ إذَا عَطِشَتْ وَتَلِفَ زَرْعُهَا (قَوْلُهُ: عَلَى الْجَمَاجِمِ) أَيْ الرُّءُوسِ (قَوْلُهُ: تَأْوِيلَانِ) هُمَا فِي صُورَتَيْنِ: مَا إذَا صَالَحُوا عَلَى الْأَرْضِ فَقَطْ أَوْ عَلَيْهَا وَعَلَى الرُّءُوسِ، وَمُيِّزَ مَا عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُمْ الْكِرَاءُ إذَا عَطِشَتْ الْأَرْضُ وَتَلِفَ زَرْعُهَا وَعَلَى الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُمْ، وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الرُّءُوسِ فَقَطْ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ وَالرُّءُوسِ بِشَيْءٍ، وَلَمْ يُمَيَّزْ مَا لِكُلٍّ أَوْ صَالَحُوا بِشَيْءٍ صُلْحًا مُجْمَلًا، وَلَمْ يَذْكُرُوا أَرْضًا، وَلَا رُءُوسًا فَلَا تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ اتِّفَاقًا فِيهِمَا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا خِلَافًا لعبق حَيْثُ جَعَلَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُمَيِّزُوا مَا عَلَى كُلٍّ كَمَا لَوْ مَيَّزُوا فَجَعَلَ الْخِلَافَ فِي صُوَرٍ ثَلَاثٍ (قَوْلُهُ: رُجِّحَ تَأْوِيلُ الْإِطْلَاقِ) أَيْ، وَهُوَ لُزُومُهُمْ مَا صَالَحُوا بِهِ مُطْلَقًا فِي الْأَحْوَالِ الْخَمْسَةِ إذَا عَطِشَتْ أَرْضُهُمْ وَتَلِفَ الزَّرْعُ أَوْ لَمْ تُرْوَ، سَوَاءٌ صَالَحُوا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى الرُّءُوسِ أَوْ عَلَيْهَا وَمَيَّزُوا مَا عَلَى كُلٍّ أَوْ لَمْ يُمَيِّزُوا أَوْ صَالَحُوا بِشَيْءٍ مُجْمَلًا (قَوْلُهُ: وَلَا تُبَاعُ، وَلَا تُوهَبُ) نَعَمْ يَجُوزُ فِيهَا إسْقَاطُ الْحَقِّ فَمَنْ اسْتَحَقَّ طِينًا مِنْ الْفِلَاحَةِ بِأَنْ كَانَ أَثَرًا لَهُ فَلَهُ إسْقَاطُ حَقِّهِ فِيهِ لِغَيْرِهِ مَجَّانًا، وَفِي مُقَابَلَةِ الشَّيْءِ، وَأَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي الزَّرْقَانِيِّ وَالشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ الشَّبْرَخِيتِيِّ وَالشَّيْخِ يَحْيَى الشَّاوِيِّ وَغَيْرِهِمْ بِالتَّوَارُثِ فِيهَا نَظَرًا إلَى أَنَّ لِلْفَلَّاحِ فِيهَا حَقًّا يُشْبِهُ الْخُلُوَّ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ خِدْمَتِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْحَرْثِ وَالتَّصْلِيحِ الْمُوجِبِ لِعَدَمِ تَخْرِيسِهَا الْمُقْتَضِي لِعَدَمِ زَرْعِهَا وَبِالْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْمَذْهَبِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْإِرْثِ لَكِنْ الَّذِي يَنْبَغِي فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ اتِّبَاعُ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ أَفْتَوْا بِالْإِرْثِ لِمَا عَرَفْت؛ وَلِأَنَّهُ أَرْفَعُ لِلنِّزَاعِ وَالْفِتَنِ بَيْنَ الْفَلَّاحِينَ.
(قَوْلُهُ: وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ
مُرَاعَاةُ الْمَصْلَحَةِ
) أَيْ فِي أَهْلِ ذَلِكَ الْمَيِّتِ وَقَوْلُهُ: فَلَا يَنْزِعُ إلَخْ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ: أَنْ يُعْطِيَ لِوَرَثَتِهِ الذُّكُورِ) أَيْ أَوْ لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ مَعًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَحَلَّهُ) أَيْ مَحَلَّ مَا جَبَى مِنْ الْخَرَاجِ (قَوْلُهُ: وَالسُّلْطَانُ نَاظِرٌ) أَيْ عَلَيْهِ لِيَصْرِفَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ: وَلَهُ) أَيْ لِلسُّلْطَانِ الْآخِذُ مِنْهُ أَيْ لِلنَّفَقَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ (قَوْلُهُ: إذْ لَيْسُوا بِنُوَّابٍ لِلسُّلْطَانِ) أَيْ فِي صَرْفِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute