بِأَنْ زَرَعَ لَا عَلَى أَصْلِ مَاءٍ، أَوْ لَمْ تَنْهَدِمْ بِئْرُهُ، أَوْ لَمْ يَأْخُذْ فِي الْإِصْلَاحِ، ثُمَّ شُبِّهَ فِي مُطْلَقِ الْجَبْرِ قَوْلُهُ،
(كَفَضْلِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ) حَفَرَهَا (بِصَحْرَاءَ) أَيْ بِمَوَاتٍ فَيُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ (هَدَرًا) أَيْ بِلَا ثَمَنٍ وَلَوْ مَعَ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا يُورَثُ عَنْهُ هَذَا (إنْ لَمْ يُبَيِّنْ) حِينَ حَفَرَهَا (الْمِلْكِيَّةَ) لِعَدَمِ الْإِحْيَاءِ بِمُجَرَّدِ الْحَفْرِ وَلِأَنَّ نِيَّتَهُ أَخْذُ كِفَايَتِهِ فَقَطْ فَإِنْ بَيَّنَهُمَا بِإِشْهَادٍ عِنْدَ الْحَفْرِ كَانَ لَهُ الْمَنْعُ وَأَخْذُ الثَّمَنِ إنْ وُجِدَ؛ لِأَنَّهُ إحْيَاءٌ حِينَئِذٍ (وَ) إذَا اجْتَمَعَ عَلَى مَاءِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ مُسْتَحِقُّونَ (بُدِئَ) وُجُوبًا بَعْدَ رَيِّ رَبِّهَا (بِمُسَافِرٍ) لِاحْتِيَاجِهِ لِسُرْعَةِ السَّيْرِ (وَلَهُ) بِالْقَضَاءِ عَلَى رَبِّ الْمَاءِ أَوْ عَلَى حَاضِرِهِ (عَارِيَّةُ آلَةٍ) وَعَلَيْهِمْ إعَارَتُهَا لَهُ وَهَذَا مَا لَمْ تُجْعَلْ الْآلَةُ لِلْإِجَارَةِ، وَإِلَّا فَبِالْأُجْرَةِ وَاتُّبِعَ بِهَا فِي ذِمَّتِهِ إنْ لَمْ تُوجَدْ مَعَهُ (ثُمَّ حَاضِرٍ) إلَى أَنْ يَرْوِيَ (ثُمَّ دَابَّةِ رَبِّهَا) أَيْ الْبِئْرِ، ثُمَّ دَابَّةِ الْمُسَافِرِ، ثُمَّ مَوَاشِي رَبِّهَا ثُمَّ مَوَاشِي النَّاسِ.
(بِجَمِيعِ الرَّيِّ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا أَيْ أَنَّ مَنْ قُدِّمَ يُقَدَّمُ بِجَمِيعِ الرَّيِّ، وَإِنَّمَا أُخِّرَتْ الْمَوَاشِي عَنْ الدَّوَابِّ؛ لِأَنَّهَا تُذْبَحُ فَتُؤْكَلُ بِخِلَافِ الدَّوَابِّ هَذَا إذَا كَانَ فِي الْمَاءِ كِفَايَةٌ لِلْجَمِيعِ وَلَا جَهْدَ (وَإِلَّا فَبِنَفْسِ الْمَجْهُودِ) مِنْ آدَمِيٍّ، أَوْ غَيْرِهِ وَسَقَطَ التَّرْتِيبُ اُنْظُرْ الشُّرَّاحَ.
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَالْأَرْجَحُ بِالثَّمَنِ، وَالظَّنُّ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَفْعَلْ إلَّا هَكَذَا وَإِنَّمَا وَقَعَ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ مِنْ الْكَاتِبِ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِشُرُوطِ وُجُوبِ بَذْلِ الْمَاءِ لِزَرْعِ الْجَارِ الْأَرْبَعَةِ أَوَّلُهَا قَوْلُهُ: فَضْلٌ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ زَرْعِ رَبِّهِ شَيْءٌ لَمْ يَجِبْ وَيَنْبَغِي وُجُوبُ بَذْلِهِ إذَا خِيفَ تَلَفُ بَعْضِ زَرْعِ رَبِّهِ وَهَلَاكُ جَمِيعِ زَرْعِ الْجَارِ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ مَعَ غُرْمِ قِيمَةِ بَعْضِ الزَّرْعِ الَّذِي يَتْلَفُ لِرَبِّ الْمَاءِ عَلَى مَنْ يَأْخُذُهُ ثَانِيهَا قَوْلُهُ: خِيفَ أَيْ ظُنَّ فَإِنْ لَمْ يُظَنَّ هَلَاكُهُ عَادَةً بَلْ شُكَّ فَقَطْ لَمْ يَجِبْ، ثَالِثُهَا مُفَادُ قَوْلِهِ بِهَدْمِ بِئْرِهِ أَنَّهُ زَرَعَ عَلَى مَاءٍ فَلَوْ زَرَعَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ لَمْ يَجِبْ عَلَى جَارِهِ الْبَذْلُ لِمُخَاطَرَتِهِ وَتَعَرُّضِهِ لِلْهَلَاكِ، رَابِعُهَا قَوْلُهُ: وَأَخَذَ يُصْلِحُ فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ فِي الْإِصْلَاحِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْجَارِ بَذْلُ فَضْلِ مَائِهِ.
(تَنْبِيهٌ) الْمُرَادُ بِالْجَارِ مَنْ يُمْكِنُهُ سَقْيُ زَرْعِهِ مِنْ مَاءِ بِئْرِ الْجَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُلَاصِقًا لَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّاذِلِيُّ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ زَرَعَ) أَيْ أَوْ لَمْ يَظُنَّ هَلَاكَ زَرْعِ الْجَارِ بَلْ شَكَّ فِيهِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ شُبِّهَ فِي مُطْلَقِ الْجَبْرِ) أَيْ فِي الْجَبْرِ الْمُطْلَقِ الَّذِي لَمْ يُقَيَّدْ بِالْقُيُودِ السَّابِقَةِ. (قَوْلُهُ: كَفَضْلِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ) أَيْ كَبَذْلِهِ فَضْلَ بِئْرِ مَاشِيَةٍ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الْبَادِيَةِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لِمَاشِيَةٍ، أَوْ لِشُرْبٍ وَفَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ فَضْلَةٌ وَطَلَبَهَا شَخْصٌ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَذْلِ تِلْكَ الْفَضْلَةِ لِمَنْ طَلَبَهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِمَّنْ طَلَبَهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا وَلَا صَاحِبَ زَرْعٍ وَيَأْخُذُهُ الطَّالِبُ لَهُ بِلَا ثَمَنٍ وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا يُورَثُ عَنْهُ، هَذَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِلْكِيَّةَ حِينَ حَفَرَهَا، وَإِلَّا كَانَ لَهُ مَنْعُ النَّاسِ عَنْهَا فَالتَّشْبِيهُ فِي الْجَبْرِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ التَّشْبِيهَ تَامًّا لِئَلَّا يَقْتَضِيَ أَنَّ الْجَبْرَ إنَّمَا هُوَ لِلْمُضْطَرِّ، وَلِذِي الزَّرْعِ الَّذِي انْهَدَمَتْ بِئْرُهُ مَعَ أَنَّهُ عَامٌّ. (قَوْلُهُ: بِصَحْرَاءَ) أَيْ وَأَمَّا بِئْرُ الرَّجُلِ الَّذِي فِي حَائِطِهِ بِحَيْثُ يَتَضَرَّرُ بِالدُّخُولِ لَهَا فَلَهُ الْمَنْعُ كَاَلَّتِي فِي دَارِهِ كَمَا نَقَلَهُ بْن عَنْ ابْنِ رُشْدٍ سَابِقًا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إحْيَاءٌ حِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِهِ كَمَاءٍ يَمْلِكُهُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا اجْتَمَعَ عَلَى مَاءِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ مُسْتَحِقُّونَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِيهَا يَكْفِيهِمْ. (قَوْلُهُ: بُدِئَ وُجُوبًا بَعْدَ رَيِّ رَبِّهَا) أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ هَذِهِ بُدَاءَةٌ إضَافِيَّةٌ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ رَبَّ الْبِئْرِ هُوَ الْمُقَدَّمُ أَوَّلًا، ثُمَّ الْمُسَافِرُ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْكَلَامَ فِي الْفَضْلِ وَحِينَئِذٍ فَلَا دَاعِيَ لِذَلِكَ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ عَارِيَّةُ آلَةٍ) أَيْ وَحَقَّ لَهُ عَارِيَّةُ آلَةٍ وَأَنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى عَلَى " وَعَارِيَّةُ " بِمَعْنَى إعَارَةٍ وَضَمِيرُ لَهُ لِرَبِّ الْمَاءِ، أَوْ الْحَاضِرِ، أَيْ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيرَ لِلْمُسَافِرِ الْآلَةَ كَالْحَبْلِ وَالدَّلْوِ وَالْحَوْضِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا مَا لَمْ تُجْعَلْ الْآلَةُ لِلْإِجَارَةِ إلَخْ) هَذَا الْقَيْدُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ خِلَافُهُ لِأَنَّ شَأْنَ الْآلَةِ أَنْ لَا تُتَّخَذَ لِلْكِرَاءِ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَوَاشِي النَّاسِ) أَيْ الْمُسَافِرِينَ وَالْحَاضِرِينَ هَذَا ظَاهِرُهُ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ مَوَاشِيَ الْمُسَافِرِينَ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ دَوَابِّهِ وَمَا تَقَدَّمَ فِي تَعْلِيلِ تَقْدِيمِهِ مِنْ احْتِيَاجِهِ لِسُرْعَةِ السَّيْرِ يُخَالِفُ ذَلِكَ، إذْ تَقَدُّمُ دَوَابِّهِ وَتَأْخِيرُ مَوَاشِيهِ يُوجِبُ انْتِظَارَهُ فَالْوَجْهُ اسْتِوَاءُ دَوَابِّهِ مَعَ مَوَاشِيهِ فَفِي الْكَلَامِ تَسَاهُلٌ وَلَعَلَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِمَوَاشِي الْمُسَافِرِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَا مَوَاشِيَ مَعَهُ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَعَهُ فَإِنَّهَا تَكُونُ مَعَ دَوَابِّهِ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ ثَمَّ مَوَاشِي النَّاسِ يَعْنِي الْحَاضِرِينَ وَإِذَا عَلِمْت هَذَا تَعْلَمُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ كَالْأَقْفَهْسِيِّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِتَأْجِيرِ مَوَاشِي الْمُسَافِرِ عَنْ دَوَابِّهِ وَأَنَّهَا بَعْدَ مَوَاشِي أَهْلِ الْمَاءِ التَّالِيَةِ فِي الْمَرْتَبَةِ لِدَوَابِّ الْمُسَافِرِ فِيهِ نَظَرٌ قَالَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ. (قَوْلُهُ: بِجَمِيعِ الرَّيِّ) مُتَعَلِّقٌ بِ بُدِئَ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ مُتَّحِدَيْ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِعَامِلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ صِنَاعَةً فَالْأَوْلَى جَعْلُهُ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْ قَوْلِهِ بِمُسَافِرٍ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ، وَإِفَادَتُهُ أَنَّ الْأَوَّلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ لَا تَضُرُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَعَلُّقَ التَّبْدِئَةِ بِالْمُسَافِرِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ رَيُّهُ بِالْمَاءِ فَالْمُبْدَلُ مِنْهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ هُنَا، وَإِنَّمَا هُوَ تَوْطِئَةٌ لِلْبَدَلِ. (قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا) أَيْ مَصْدَرُ رَوِيَ بِالْكَسْرِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَبِنَفْسِ الْمَجْهُودِ) هَذَا مُرْتَبِطٌ بِمُقَدَّرٍ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ هَذَا إذَا كَانَ فِي الْمَاءِ كِفَايَةٌ لِلْجَمِيعِ وَلَا جَهْدَ أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ فِي مَاءِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute