(لِيَصْرِفَهَا) الْوَاقِفُ عَلَى مُسْتَحِقِّهَا وَمَفْهُومُ لِيَصْرِفَهَا أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ أَخْذَهَا مِنْ النَّاظِرِ لِيَأْكُلَهَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الشَّرْطُ بَلْ يُلْغَى وَيَصِحُّ الْوَقْفُ كَذَا يَنْبَغِي وَإِنْ أَوْهَمَ الْمُصَنِّفُ خِلَافَهُ (أَوْ) كَانَ الْمَوْقُوفُ (كَكِتَابٍ) عَلَى طَلَبَةِ عِلْمٍ مِنْ كُلِّ مَا لَا غَلَّةَ لَهُ كَسِلَاحٍ وَفَرَسٍ لِغَزْوٍ وَدَابَّةٍ لِحَمْلٍ، أَوْ رُكُوبٍ (عَادَ) وَلَوْ قَبْلَ عَامٍ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَاقِفِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ كَغَيْرِهِ أَوْ لِيَحْفَظَهُ (بَعْدَ صَرْفِهِ) لَهُ (فِي مَصْرِفِهِ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَا يَبْطُلُ فَإِنْ صَرَفَ الْبَعْضَ وَعَادَ لَهُ فَمَا صَرَفَهُ صَحَّ وَمَا لَا فَلَا لِعَدَمِ الْحَوْزِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ وَيَكُونُ مِيرَاثًا وَأَمَّا مَا لَهُ غَلَّةٌ كَرَبْعٍ وَحَائِطٍ وَحَانُوتٍ يُحَبِّسُهُ فِي صِحَّتِهِ وَكَانَ يُكْرِيهِ وَيُفَرِّقُ غَلَّتَهُ عَلَى مُسْتَحِقِّيهِ كُلَّ عَامٍ مَثَلًا وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الْمَانِعِ كَالْمَوْتِ حَتَّى حَصَلَ الْمَانِعُ بَطَلَ وَقْفُهُ لِعَدَمِ الْحَوْزِ وَأَمَّا مَا حَبَّسَهُ فِي الْمَرَضِ، أَوْ أَوْصَى بِهِ لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ جَعَلَهُ صَدَقَةً وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ إنْ كَانَ لِغَيْرِ وَارِثٍ.
(وَبَطَلَ) الْوَقْفُ (عَلَى مَعْصِيَةٍ) كَجَعْلِ غَلَّتِهِ فِي ثَمَنِ خَمْرٍ، أَوْ حَشِيشَةٍ، أَوْ سِلَاحٍ لِقِتَالٍ غَيْرِ جَائِزٍ وَيَدْخُلُ فِيهِ وَقْفُ الذِّمِّيِّ عَلَى الْكَنِيسَةِ سَوَاءٌ كَانَ لِعُبَّادِهَا، أَوْ لِمَرَمَّتِهَا؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ خِطَابُهُمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ (وَ) بَطَلَ عَلَى (حَرْبِيٍّ وَ) بَطَلَ مِنْ (كَافِرٍ) وَلَوْ ذِمِّيًّا (لِكَمَسْجِدٍ) وَرِبَاطٍ
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ: لِيَصْرِفَهَا الْوَاقِفُ عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا) أَيْ لِأَنَّ قَبْضَ الْوَاقِفِ الْغَلَّةَ لَا يُبْطِلُ حَوْزَ النَّاظِرِ لِلْوَقْفِ. (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى لَمْ تَظْهَرْ قُرْبَةٌ وَقَوْلُهُ: كَكِتَابٍ أَيْ مَحْبُوكٍ، أَوْ لَا جُزْءٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَجْزَاءٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى طَلَبَةِ عِلْمٍ) أَفَادَ بِهَذَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِي الْوَقْفِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ إذْ هُوَ الَّذِي يَصِحُّ بَقَاءُ يَدِ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ إذَا صَرَفَهُ فِيمَا حَبَّسَهُ عَلَيْهِ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَلَا يَصِحُّ بَقَاءُ يَدِ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ وَلَوْ بَعْدَ صَرْفِهِ لَهُ فَإِنْ مَاتَ وَهُوَ تَحْتَ يَدِهِ بَطَلَ الْوَقْفُ اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: لِحَمْلٍ أَوْ رُكُوبٍ) أَيْ لِمُحْتَاجٍ. (قَوْلُهُ: لِيَنْتَفِعَ بِهِ إلَخْ) مُفَادُهُ أَنَّ عَوْدَهُ لِلْوَاقِفِ لِأَجْلِ انْتِفَاعِهِ كَعَوْدِهِ لَهُ لِأَجْلِ حِفْظِهِ وَهُوَ الَّذِي حَقَّقَهُ بْن بِالنَّقْلِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَابْنِ الْقَاسِمِ الْمُفِيدِ لِذَلِكَ رَادًّا عَلَى طفى حَيْثُ خَصَّ ذَلِكَ بِالْعَوْدِ لِلْوَقْفِ لِأَجْلِ الْحِفْظِ وَأَمَّا لَوْ عَادَ لَهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ عِنْدَهُ فَإِنَّ الْوَقْفَ يَبْطُلُ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ صَرْفِهِ لَهُ فِي مَصْرِفِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ صَرْفُهُ لَهُ فِي مَصْرِفِهِ مُفَرَّقًا وَقَوْلُهُ: بَعْدَ صَرْفِهِ أَيْ بَعْدَ صَرْفِ جَمِيعِهِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ وَمَفْهُومُ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ صَرْفِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِيرَاثًا لِعَدَمِ حَوْزِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَبْطُلُ) أَيْ وَلَوْ مَاتَ الْوَاقِفُ وَهُوَ فِي حَوْزِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ صَرَفَ الْبَعْضَ وَعَادَ لَهُ) أَيْ ثُمَّ مَاتَ، أَوْ فُلِّسَ وَهُوَ عِنْدَهُ. (قَوْلُهُ: فَمَا صَرَفَهُ صَحَّ) أَيْ صَحَّ وَقْفُهُ سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا، أَوْ كَثِيرًا وَقَوْلُهُ وَمَا لَا فَلَا أَيْ وَمَا لَمْ يَصْرِفْهُ قَلِيلًا، أَوْ كَثِيرًا لَمْ يَصِحَّ وَقْفُهُ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَأَمَّا قَوْلُ عبق وَمَا لَمْ يَصْرِفْهُ لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ إنْ كَانَ النِّصْفَ فَفَوْقُ لَا دُونَهُ فَيُتَّبَعُ الْأَكْثَرُ الَّذِي صَرَفَهُ فِي مَصْرِفِهِ فَيَحْتَاجُ لِنَقْلٍ يَشْهَدُ لَهُ اُنْظُرْ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَا لَهُ غَلَّةٌ وَكَانَ يُكْرِيهِ وَيُفَرِّقُ غَلَّتَهُ كُلَّ عَامٍ وَلَمْ يُخْرِجْهُ إلَخْ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى حَصَلَ الْمَانِعُ لَا يُفَرِّقُ ذُو الْغَلَّةِ مِنْ غَيْرِهِ بَلْ الْوَقْفُ بَاطِلٌ فِيهِمَا، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِيمَا إذَا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ عَادَ لَهُ وَاسْتَمَرَّ تَحْتَ يَدِهِ حَتَّى حَصَلَ الْمَانِعُ فَفِيمَا لَا غَلَّةَ لَهُ الْوَقْفُ صَحِيحٌ وَلَوْ عَادَ لَهُ قَبْلَ عَامٍ وَأَمَّا مَا لَهُ غَلَّةٌ إنْ عَادَ قَبْلَ تَمَامِ الْعَامِ بَطَلَ الْوَقْفُ، وَإِلَّا فَلَا عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْمُصَنِّفِ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ وَأَمَّا مَا لَهُ غَلَّةٌ إذَا حِيزَ عَنْهُ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ وَاسْتَمَرَّ تَحْتَ يَدِهِ حَتَّى حَصَلَ الْمَانِعُ فَإِنَّ وَقْفَهُ يَبْطُلُ إنْ عَادَ قَبْلَ الْعَامِ لِإِجْلِ أَنْ تَظْهَرَ الْمُقَابَلَةُ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَا حَبَّسَهُ فِي الْمَرَضِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْوَقْفَ فِي الْمَرَضِ وَكَذَا سَائِرُ التَّبَرُّعَاتِ فِيهِ تَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حَوْزٌ وَلَهُ إبْطَالُهُ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ الْحَوْزُ فِي التَّبَرُّعَاتِ الْحَاصِلَةِ فِي الصِّحَّةِ فَإِنْ حَصَلَ الْحَوْزُ قَبْلَ الْمَانِعِ صَحَّ التَّبَرُّعُ، وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ لِغَيْرِ وَارِثٍ وَأَمَّا لِلْوَارِثِ فَفِي الصِّحَّةِ صَحِيحٌ إذَا حِيزَ قَبْلَ الْمَانِعِ وَأَمَّا فِي الْمَرَضِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَوْ حِيزَ.
(قَوْلُهُ: وَبَطَلَ عَلَى مَعْصِيَةٍ) أَيْ وَيَصِيرُ ذَلِكَ الْمَوْقُوفُ مَالًا مِنْ أَمْوَالِ الْوَاقِفِ يَمْلِكُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ لَا أَنَّهُ يَرْجِعُ مَرَاجِعَ الْأَحْبَاسِ لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ، وَإِلَى امْرَأَةٍ لَوْ كَانَتْ رَجُلًا عَصَبَتْ، وَمَفْهُومُ مَعْصِيَةٍ صِحَّتُهُ عَلَى مَكْرُوهٍ وَصُرِفَتْ غَلَّتُهُ لِتِلْكَ الْجِهَةِ الَّتِي وَقَفَ عَلَيْهَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَوْ اُتُّفِقَ عَلَى كَرَاهَتِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ كَرِيمُ الدِّينِ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ أَوْ لِمَنْ يَعْمَلُ ذِكْرًا يَلْزَمُ عَلَيْهِ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَالْوَقْفِ عَلَى فَرْشِ الْمَسْجِدِ بِالْبُسُطِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَى كَرَاهَتِهِ تُصْرَفُ غَلَّةُ الْوَاقِفِ فِي جِهَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي وَقَفَ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ فِيهِ إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ بُطْلَانِ وَقْفِ الذِّمِّيِّ عَلَى الْكَنِيسَةِ مُطْلَقًا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلِابْنِ رُشْدٍ قَوْلٌ ثَانٍ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ وَقْفَ الْكَافِرِ عَلَى عِبَادَةِ الْكَنِيسَةِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَأَمَّا عَلَى مَرَمَّتِهَا، أَوْ عَلَى الْجَرْحَى أَوْ الْمَرْضَى الَّتِي فِيهَا فَالْوَقْفُ صَحِيحٌ مَعْمُولٌ بِهِ، فَإِذَا أَرَادَ الْوَاقِفُ، أَوْ الْأُسْقُفُ بَيْعَهُ وَنُوزِعَ فِي ذَلِكَ وَتَرَافَعُوا إلَيْنَا رَاضِينَ بِحُكْمِنَا فَإِنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ مِنْ صِحَّةِ الْحَبْسِ وَعَدَمِ بَيْعِهِ وَلِعِيَاضٍ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْكَنِيسَةِ مُطْلَقًا صَحِيحٌ غَيْرُ لَازِمٍ سَوَاءٌ أَشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ الْوَقْفِ أَمْ لَا بَانَ مِنْ تَحْتِ يَدِ الْوَاقِفِ أَمْ لَا وَلِلْوَاقِفِ الرُّجُوعُ فِيهِ مَتَى شَاءَ. (قَوْلُهُ: وَبَطَلَ عَلَى حَرْبِيٍّ) أَيْ عَلَى كَافِرٍ مُقِيمٍ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّ لِلْحَرْبِ. (قَوْلُهُ: وَكَافِرٍ لِكَمَسْجِدٍ) هُوَ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى مَعْمُولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute