وَكُتُبِ عِلْمٍ تَبْلَى، وَإِذَا بِيعَ جُعِلَ ثَمَنُهُ (فِي مِثْلِهِ) إنْ أَمْكَنَ (أَوْ شِقْصِهِ) إذَا لَمْ يَبْلُغْ الثَّمَنُ شَيْئًا تَامًّا بِأَنْ يُشَارَكَ بِهِ فِي جُزْءٍ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا تُصُدِّقَ بِهِ فَالْمُرَادُ بِالشِّقْصِ الْجُزْءُ (كَأَنْ أُتْلِفَ) الْحَبْسُ غَيْرُ الْعَقَارِ فَتُجْعَلُ قِيمَتُهُ فِي مِثْلِهِ، أَوْ شِقْصِهِ وَسَيَأْتِي مَنْ أَتْلَفَ عَقَارًا فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ.
(وَ) بِيعَ (فَضْلُ الذُّكُورِ) عَنْ النَّزْوِ (وَمَا كَبِرَ) بِكَسْرِ الْبَاءِ (مِنْ الْإِنَاثِ) وَجُعِلَ ثَمَنُهَا (فِي إنَاثٍ) لِتَحْصِيلِ اللَّبَنِ وَالنِّتَاجِ مِنْهَا يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَقَفَ شَيْئًا مِنْ الْأَنْعَامِ عَلَى فُقَرَاءَ، أَوْ مُعَيَّنِينَ لِيُنْتَفَعَ بِأَلْبَانِهَا وَأَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا فَنَسْلُهَا كَأَصْلِهَا فِي التَّحْبِيسِ فَمَا فَضَلَ مِنْ ذُكُورِ نَسْلِهَا عَنْ النَّزْوِ وَمَا كَبِرَ مِنْهَا، أَوْ مِنْ نَسْلِهَا مِنْ الْإِنَاثِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُعَوَّضُ بَدَلَهُ إنَاثٌ صِغَارٌ تَحْصِيلًا لِغَرَضِ الْوَاقِفِ (لَا عَقَارٍ) حُبِّسَ مِنْ دُورٍ وَحَوَانِيتَ وَحَوَائِطَ وَرَبْعٍ فَلَا يُبَاعُ لِيُسْتَبْدَلَ بِهِ غَيْرُهُ (وَإِنْ خَرِبَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَنُقِضَ أَيْ مَنْقُوضُ الْحَبْسِ مِنْ الْأَحْجَارِ وَالْآجُرِّ وَالْأَخْشَابِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ عَوْدُهَا فِيمَا حُبِّسَتْ فِيهِ جَازَ نَقْلُهَا فِي مِثْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَذَا فِي الْوَقْفِ الصَّحِيحِ وَأَمَّا الْبَاطِلُ كَالْمَسَاجِدِ وَالتَّكَايَا الَّتِي بَنَاهَا الْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ بِقَرَافَةِ مِصْرَ وَنَبَشُوا مَقَابِرَ الْمُسْلِمِينَ وَضَيَّقُوا عَلَيْهِمْ فَهَذِهِ يَجِبُ هَدْمُهَا قَطْعًا وَنَقْضُهَا مَحَلُّهُ بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ تُبَاعُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يُبْنَى بِهَا مَسَاجِدُ فِي مَحَلٍّ جَائِزٍ، أَوْ قَنْطَرَةٌ لِنَفْعِ الْعَامَّةِ وَلَا تَكُونُ لِوَارِثِهِ إنَّ عُلِمَ إذْ هُمْ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهَا شَيْئًا وَأَيْنَ لَهُمْ مِلْكُهُمْ وَهُمْ السَّمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ الْأَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ يَكُونُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ فَإِذَا اسْتَوْلَى بِظُلْمِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَلَبَهُمْ أَمْوَالَهُمْ وَصَرَفَهَا فِيمَا يُغْضِبُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ وَأَمَّا مَا رَتَّبُوهُ عَلَيْهَا مِنْ الْوَظَائِفِ فَيَجُوزُ تَنَاوُلُهُ بِوَصْفِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يُعْمَلْ بِمَا رُتِّبَ فِيهِ مِنْ أَذَانٍ، أَوْ قِرَاءَةٍ، أَوْ تَدْرِيسٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا أَوْقَافُهُمْ الَّتِي بِوَسَطِ الْبَلَدِ فَهِيَ نَافِذَةٌ؛
لِأَنَّهَا مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ
وَقَوْلُهُ (وَلَوْ) بِيعَ (بِغَيْرِ خَرِبٍ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ خَرِبَ أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ الْمُحَبَّسِ، وَإِنْ خَرِبَ وَلَوْ بِعَقَارٍ غَيْرِ خَرِبٍ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِجَوَازِ بَيْعِ الْخَرِبِ بِغَيْرِهِ (إلَّا) أَنْ يُبَاعَ الْعَقَارُ الْحَبْسُ وَلَوْ غَيْرَ خَرِبٍ (لِتَوْسِيعِ كَمَسْجِدٍ) أَدْخَلَتْ الْكَافُ الطَّرِيقَ وَالْمَقْبَرَةَ وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْجَامِعُ فَيَجُوزُ بَيْعُ حَبْسِ غَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِتَوْسِيعِ الثَّلَاثَةِ وَسَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْحَبْسُ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، أَوْ تَأَخَّرَ
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ: وَكُتُبِ عِلْمٍ تَبْلَى) أَيْ وَأَمَّا كُتُبُ الْعِلْمِ إذَا وُقِفَتْ عَلَى مَنْ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا كَأُمِّيٍّ، أَوْ امْرَأَةٍ فَإِنَّهَا لَا تُبَاعُ، وَإِنَّمَا تُنْقَلُ لِمَحَلٍّ يُنْتَفَعُ بِهَا فِيهِ كَالْكُتُبِ الْمَوْقُوفَةِ بِمَدْرَسَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَتَخْرَبُ تِلْكَ الْمَدْرَسَةُ وَتَصِيرُ الْكُتُبُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِيهَا فَإِنَّهَا تُنْقَلُ لِمَدْرَسَةٍ أُخْرَى وَلَا تُبَاعُ. (قَوْلُهُ: غَيْرُ الْعَقَارِ) أَيْ كَفَرَسٍ وَعَبْدٍ وَثَوْبٍ وَسِلَاحٍ. (قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ) هَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ كَمَا سَيَأْتِي.
(قَوْلُهُ: وَبِيعَ فَضْلُ الذُّكُورِ) أَيْ بِيعَ مَا فَضَلَ مِنْ الذُّكُورِ أَيْ مَا زَادَ مِنْهَا عَلَى الْحَاجَةِ وَبِيعَ مَا كَبِرَ مِنْ الْإِنَاثِ وَجُعِلَ ثَمَنُ ذَلِكَ الْمَبِيعِ فِي إنَاثٍ، إنْ قِيلَ: قَوْلُهُ " وَفَضْلُ الذُّكُورِ وَمَا كَبِرَ مِنْ الْإِنَاثِ " دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ " وَبِيعَ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ عَقَارٍ " قُلْت ذَكَرَهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ فِي إنَاثٍ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَتُوُهِّمَ أَنَّ ثَمَنَ فَضْلِ الذُّكُورِ إنَّمَا يُجْعَلُ فِي ذُكُورٍ مِثْلِهَا، أَوْ شِقْصِهَا. (قَوْلُهُ: كَأَصْلِهَا فِي التَّحْبِيسِ) أَيْ فَإِذَا وَلَدَتْ الْبَقَرَاتُ الْمُحَبَّسَةُ لِأَكْلِ لَبَنِهَا، أَوْ الْإِبِلُ، أَوْ الْغَنَمُ ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَمَا زَادَ مِنْ الذُّكُورِ عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلنَّزْوِ وَمَا كَبِرَ مِنْ الْإِنَاثِ وَانْقَطَعَ لَبَنُهُ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ إنَاثٌ تُحَبَّسُ كَأَصْلِهَا. (قَوْلُهُ: إنَاثٌ صِغَارٌ) أَيْ تُجْعَلُ حَبْسًا عِوَضًا عَمَّا بِيعَ. (قَوْلُهُ: لَا عَقَارٍ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى " غَيْرِ عَقَارٍ "، أَوْ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى " مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ ". (قَوْلُهُ: فَلَا يُبَاعُ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَذَكَرَهُ هُنَا مَعَ اسْتِفَادَتِهِ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ عَقَارٍ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ غَيْرِ شَرْطٍ وَلِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ الْمُبَالَغَةَ وَالْعَطْفَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ خَرِبَ) أَشَارَ بِذَلِكَ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُبَاعُ الْعَقَارُ الْحَبْسُ وَلَوْ خَرِبَ وَبَقَاءُ أَحْبَاسِ السَّلَفِ دَائِرَةً دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ وَرَدَّ الْمُصَنِّفُ بِالْمُبَالَغَةِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي الْفَرَجِ عَنْ مَالِكٍ إنْ رَأَى الْإِمَامُ بَيْعَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ جَازَ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا فَعِنْدَهُمْ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ الْوَقْفِ إذَا خَرِبَ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ. (قَوْلُهُ: فِي مِثْلِهِ) وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ يَجُوزُ نَقْلُهَا لِوَقْفٍ عَامِّ الْمَنْفَعَةِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُمَاثِلٍ لِلْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَا رَتَّبُوهُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ الْمَبْنِيَّةِ فِي الْقَرَافَةِ. (قَوْلُهُ: تَنَاوَلَهُ) أَيْ تَنَاوَلَ مَا جُعِلَ لَهُ مِنْ الْمَعْلُومِ. (قَوْلُهُ:
) أَيْ وَالسُّلْطَانُ الْوَاقِفُ لَهَا وَكِيلٌ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ كَوَكِيلِ الْوَاقِفِ فَلَا يُقَالُ إنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْوَقْفِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْقُوفُ مَمْلُوكًا وَالسُّلْطَانُ لَا يَمْلِكُ مَا وَقَفَهُ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِجَوَازِ بَيْعِ الْخَرِبِ) أَيْ بَيْعِ الْعَقَارِ الْحَبْسِ الْخَرِبِ بِعَقَارٍ غَيْرِ خَرِبٍ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُبَاعَ الْعَقَارُ الْحَبْسُ إلَخْ) هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مَنْعِ بَيْعِ الْعَقَارِ الْحَبْسِ خَرِبَ أَمْ لَا. (قَوْلُهُ: لِتَوْسِيعِ كَمَسْجِدٍ) أَيْ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ وَظَاهِرُهُ كَانَ الْحَبْسُ عَلَى مُعَيَّنٍ، أَوْ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ. (قَوْلُهُ: الْجَامِعُ) أَيْ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ قَالَ فِي الْمَوَّاقِ ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرُ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ أَيْضًا وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ مَالِكٍ وَالْأَخَوَيْنِ وَأَصْبَغَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute